فاضل إبراهيم الموسوي
ألشيخ صالح إبن العرندس أحد علماء الشيعة ومن أعلامها في الفقه والأصول والمنطق، فهو عالم وأديب عاش في القرن التاسع الهجري في الحلة، وكان شاعراً فحلاً أجاد في مدح ورثاء أهل البيت ع، وله مدائحٌ ومراثي لأئمة أهل البيت وبالخصوص الحسين الشهيد ع تنم عن تفانيه في ولائهم ومناوئته لأعدائهم، توفّي إبنُ العرندس (رحمه الله) سنة 840 هج (أي قبل 600 سنة) بالحلة ودُفِنَ فيها وله قبرٌ مشيَّدٌ عَليهِ قُبَّةٌ بيضاءُ يُزار ويُتَرَحَّمُ عليه، ومن شعر شيخنا الصالح رائيتهُ الشهيرة (102 بيت سأذكر منها 55 بيت)، وهي من ألذ القصائد التي قيلت في الحسين، ولها قصة مع الشيخ عبد الزهرة الكعبي صاحب مقتل الحسين ع
قصة الشيخ عبد الزهره الكعبي صاحب مقتل الحسين ع مع هذه القصيدة:
كان الشيخ عبد الزهرة الكعبي رحمه الله في بداية أمره طالباً في الحوزة ولم يصل لمرحلة الخطابة بعد، وكان يبحث عن قصيدة يقال لها (قصيدة إبن العرندس) فيها مقاطع رثائية للحسين وتبيان لفضائل آل محمد ع، والكتب في ذلك الزمان لم تكن متوفرة وظل الشيخ عبد الزهرة رحمه الله يبحث عنها فلم يجدها، ثم توسل بالإمام الحسين ع للحصول عليها، وفي يوم من الأيام وبعد صلاة الفجر كان الشيخ عبد الزهره في صحن الإمام الحسين ع، وكان في الصحن غرفة لتجليد الكتب لشخص يدعى الحاج عبد الله الكُتُبي، فعندما رأى الكتبيُّ عبدَ الزهرة يمشي في الصحن ناداه وقال له: عندي مجموعة من الكتب هل تريد أن تراها لعلها تنفعك، يقول الشيخ عبد الزهرة الكعبي: أول كتاب وضعت يدي عليه وفتحته واذا به أرى (قصيدة إبنِ العرندس) التي كنت أبحث عنها منذ زمان، فقال الشيخ عبد الزهرة للحاج عبد الله الكتبي: أريد أن اشتري منك هذا الكتاب فما ثمنه؟ فقال له الحاج عبد الله الكتبي: ثمنه أن تجلس وتقرأ لي هذه القصيدة الآن ولم يكن هنالك أحد في الصحن، فبدأ الشيخ عبد الزهرة بقراءة القصيدة:
**********1************
طَوايا نِظامي في الزَّمانِ لها نَشرُ*يُعطِّـرُها مِنْ طيبِ ذِكراكُمُ نَشرُ
قصائدُ ما خابَتْ لهُنَّ مقاصِدٌ* بواطِنُها حَمدٌ ظواهِرُها شُكـرُ
مطالعُها تَحكي النُّجومَ طوالِعاً* فأخلاقُها زَهـرٌ وأنوارُها زُهرُ
عرائِسُ تُجلى حينَ تَجلِي قلوبَنا* أكاليلُها دُرٌّ وتيجانُها تِبرُ
حِسانٌ لها حَسّانُ بالفضلِ شاهدٌ*على وجهِها بِشرٌ يُزانُ بهِ البِشرُ
أُنظِّمُها نظمَ اللَّئالِي وأسهرُ اللَّيا* لي ليحيى لي، بها وبِكُمْ ذِكرُ
فيا ساكني أرضَ الطُّفوفِ عليكُمُ*سلامُ مُحِبٍ ما لَهُ عنكُمُ صَبرُ
نشرتُ دواوينَ الثَّنا بعدَ طَـيِّها* وفي كلِّ طِرسٍ مِن مديحي لكُمْ سَطرُ
فخالطَ شِعري فيكُمُ دمعَ ناظري* فمِبيضُّ ذا نَظمٍ ومُحمرُّ ذا نثرُ
فلا تتهِموني بالسُّلوِّ فإنَّما* مواعيدُ سُلواني وحقِّـكُمُ الحشرُ
فذُلِّي بكُمْ عِزٌ وفَقري بكُمْ غِنىً* وعُسري بكُمْ يُسرٌ وكَسري بكُمْ جَبرُ
تَرِقُّ بروقُ السُّحبِ لي مِن ديارِكم* فينهَلُّ مِن دمعي لبارقِها القَطرُ
فعينايَ كالخَنساءَ تجري دموعُها* وقلبي شديدٌ في محبتِكُمْ صخرُ
وقفتُ على الدّارِ التي كُنتُمُ بها* فمغْـناكُمُ مِن بعدِ معناكُمُ قَـفرُ
وقد دَرَسَتْ منها العلومُ وطالما* بها دُرِّسَ العِلمُ الإلاهِيُّ والذِّكرُ
وسالتْ عليها مِن دُموعي سحائِبٌ* إلى أنْ تَرَوّى البانُ بالدمعِ والسِّدرُ
فَراقَ فِراقُ الروحِ لي بعدَ بُعدِكُمْ* ودارَ برسمِ الدارِ في خاطِري الفِكرُ
وقد أقلعتْ عنها السحائِبُ،لم تَجُدْ* ولا دَرَّ مِن بعدِ الحسينِ لها دَرُّ
************2*******
فلما وصل إلى المقطع الثاني من القصيدة وإذا بسيدٍ جليل له زي الأعراب وله هيبة يأتي ويسلم عليهم ويجلس ليستمع، يقول الشيخ عبد الزهرة: انه بمجرد أن جلس ذلك السيد أخذتني هيبتُهُ ولم أقدر أن أقرأ، فقال لي: إقرأ ياشيخ عبد الزهرة! فيقول الشيخ عبد الزهرة: واصلت قراءة القصيدة:
إمامُ الهُدى سِبطُ النُّبوةِ والدُ الأئمةِ* ربُّ النُّهى مولىً لهُ الأمرُ
إمامٌ أبوهُ المُرتضى عَلَمُ الهُدى*وصيُّ رسولِ اللهِ والصِّنوُ والصِّهرُ
إمامٌ بكتْهُ الإنسُ والجِنُّ والسَّما*ووحشُ الفَلا والطيرُ والبَرُّ والبحرُ
لهُ القُبةُ البيضاءُ بالطَّفِّ لم تزلْ* تطوفُ بها طوعاً ملائكةٌ غُـرُّ
وفيهِ رسولُ اللهِ قالَ وقولُهُ* صريحٌ صحيحٌ، ليس في ذالكُمُ نُـكرُ
حُبِي بثَلاثٍ ما أحاطَ بمِثلِها* وَلِيٌّ فمَنْ زيدٌ سِواهُ ومَنْ عَمرو؟
له تربةٌ فيها الشِّفاءُ، وقُـبَّةٌ* يُجابُ بها الداعي إذا مَسَّهُ الضُّرُ
وذريَّةٌ دُرِّيَّةٌ مِنهُ تِسعةٌ* أئِمَّةُ صِدقٍ لا ثَمانٍ ولا عَـشرُ
يقول الشيخ عبد الزهرة الكعبي رحمه الله فلما وصلتُ إلى هذا البيت:
أيُقتَلُ ظمآناً حسينٌ بكربلا* وفي كلِّ عُضوٍ مِن أناملِهِ بحرُ؟
ووالدُهُ الساقي على الحوضِ في غدٍ* وفاطمةٌ ماءُ الفراتِ لها مَهرُ
وقف ذلك السيد متأثراً وكرر ثلاثَ مراتٍ أيقتل أيقتل أيقتل؟ ثم توجه إلى ضريح الحسين ع، يقول الشيخ عبد الزهرة: عندما كرر هذه الكلمة ثلاثَ مرات أنزلنا رؤوسنا أنا والحاج عبد الله الكتبي وأخذنا بالبكاء لحظات، ثم رفعنا رأسنا فرأيناه قد دخل إلى ضريح الحسين ع من باب القبلة، فراودنا عند ذلك الفضول في هذا السيد فتبعناه إلى الضريح فلم نجد أثراً له، وبحثنا عنه في الشارع فلم نجده، لا ندري إلى السماء صعد أم إلى الأرض نزل.
************3********
فليسَ لِأخذِ الثأرِ إلّا خليفَةٌ* يكونُ لكَسرِ الدِّينِ مِن عدلِهِ جَبرُ
تحُفُّ بهِ الأملاكُ مِن كُلِّ جانِبٍ* ويَقدِمُهُ الإِقبالُ والعِزُّ والنَّصرُ
عوامِلُهُ في الناسِ عَينٌ شوارِعٌ* وحاجِبُهُ عيسى وناظِرُهُ الخِضرُ
تُظَلِّلُهُ حقاً عِمامةُ جَدِّهِ* إذا ما مُلوكُ الصَّيدِ ظـلَّـلَها الجَّبْرُ
محيطٌ على علمِ النُّبوةِ صدرُهُ* فطُوبى لعلمٍ ضمَّهُ ذلك الصَّدرُ
هو ابنُ الإمامِ العسكريِّ، محمدٌ* التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلَمُ الحَبرُ
سليلُ عليٍ الهادي ونجلُ محمدٍ الـ*جوادِ، ومَنْ في أرضِ طوسٍ له قبرُ
عليُّ الرِّضا وهو ابنُ موسى الذي قضى*ففاحَ على بغدادَ مِن نشرِهِ عِطرُ
وصادقُ وَعـدٍ إنَّهُ نجلُ صادقٍ* إمامٌ بهِ في العلمِ يَفتخِرُ الفخرُ
وبهجةُ مولانا الإمامِ محمدٍ* إمامٌ لعلمِ الأنبياءِ لهُ بَقـرُ
سُلالةُ زينِ العابدينَ الذي بكى* فمِنْ دمعِهِ يَبْسُ الأعاشيبِ مُخضَرُّ
سليلُ حسينِ الفاطميِّ وحيدرٍ الوصي* فمِنْ طُهرٍ نما ذلك الطُّهر
له الحسنُ المسمومُ عَمٌ فحبذا الإمامُ* الذي عمَّ الورى جُودُهُ الغَـمرُ
سَمِيُّ رسولِ اللهِ وارثُ عِلمِهِ* إمامٌ على آبائِهِ نزلَ الذِّكـرُ
***********4*********
هُمُ النورُ نورُ اللهِ جلَّ جلالُهُ*هُمُ التِّينُ والزَّيتونُ والشَّفعُ والوَترُ
مهابِطُ وحيِ اللهِ، خُزّانُ علمِهِ* ميامينُ في أبياتِهِم نزلَ الذِّكرُ
وأسماؤُهُمْ مكتوبةٌ فوق عرشِهِ*ومكنونةٌ مِنْ قبلِ أن يُخلَقَ الذَّرُّ
ولولاهُـمُ لم يخلِقِ اللهُ آدما* ولا كانَ زيدٌ في الأنامِ ولا عَمرو
ولا سُطِحَتْ أرضٌ ولا رُفِعَتْ سما* ولا طَلَعتْ شمسٌ ولا أشرقَ البدرُ
ونُوحٌ بهِمْ في الفُلكِ لما دعا نجا* وغِيضَ بِهِمْ طُوفانُهُ وقَضى الأمرُ
ولولاهُمُ نارُ الخليلِ لَما غدَتْ* سلاماً وبَرداً وانطفى ذلكَ الجَمرُ
ولولاهُمُ يعقوبُ ما زالَ حزنُهُ* ولا كانَ عن أيوبَ ينكشفُ الضُّرُّ
ولانَ لداودَ الحـديدُ بسِرِّهِـمْ* فقدَّرَ في سَردٍ يَحيرُ بهِ الفِكرُ
ولمّا سليمانُ البِساطُ به سرى* أُسيلتْ لهُ عينٌ يَفيضُ لها القِطرُ
وسُخِّرتِ الرِّيحُ الرُّخاءُ بأمرِهِ* فغَدوتُها شهرٌ، ورَوحتُها شهرُ
وهمْ سِرُّ موسى والعصا، عندما عصى*أوامرَهُ فِرعونُ والتُقِفَ السِّحرُ
ولولاهُمُ ما كانَ عيسى بنُ مريمٍ* لعازَرَ مِن طيِّ اللُّحودِ لهُ نشرُ
سرى سِرُّهُمْ في الكائناتِ وفضلُهُم* وكلُّ نبيٍّ فيهِ مِن سِرِّهِمْ سِرُّ
وكيف يُحيطُ الواصفونَ بمدحِكُمْ؟* وفي مدحِ آياتِ الكتابِ لكُمْ ذِكرُ
ومولدُكُمْ بطحاءُ مَكةَ والصَّفا* وزمزمُ والبيتُ المحرَّمُ والحِجر
جَعَلتُكُمُ يومَ المَعادِ وسيلتي* فطوبى لِمَنْ أمسى وأَنتمْ لَهُ ذُخرُ
سيُبلي الجديدانِ الجديدَ وحبُّـكُمْ* جديدٌ بقلبي ليس يُخلِقُهُ الدَّهرُ
عليكُمْ سلامُ اللهِ ما لاحَ بارِقٌ* وحلَّتْ عقودُ المُزنِ وانتشرَ القَطرُ
وبعد ذلك قرأ الشيخ الكعبي عن الشيخ الأميني مؤلف كتاب الغدير وفي السابع من غديره يذكر هذه القصيدة ويقول بعدها: (قد عُرف بين أصحابنا أنها ما قُرِأت في مكانٍ إلّا ويحضره الأمامُ المهدي عجل الله فرجه).
وللإستماع للقصيدة أنقر عل الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=bbidxVM3pZw
......................................................
المعاني: العرندس: إسم من أسماء الأسد، طوايا نظامي في الزمان لها نشر: أي ما يُطوى ويُنسى من نظمي الشعر الآن سينتشر مع الأزمنة، نَشرُ: عِطر، مطالعها: جمع مطلع أي مطلع القصيدة، أخلاقُها: جمع خَلوق وهو نوع من الطيب ويقال خَلَّقها أي طيَّبها، أنوارُها زُهر: زاهرة، عرائس: جمع عروس وقد شبه الشيخ قصائده بالعرائس لجمالها، دواوين الثنا: دواوين المدح، طِرس: صحيفه كُتِبت ثم مُحِيَت ثُمَّ أُعِيدَتْ كِتَابَتُها وجمعها طُروس، مغناكم: منزلكم ودار إقامتكم، بَعدَ معناكم: بعد عناء السفر إلى العراق وسبيكم إلى الشام وما سببه من مجزرة رهيبة لآل البيت ع، راقَ لي: أعجبني وسرَّني، النُّهى: العقل، القبة البيضاء: كانت قبة الحسين ع بيضاء مجصصة في تلكم القرون أما اليوم فقد تغشتها صفائح الذهب فهي صفراءٌ لونها تسر الناظرين كما أن باطنها صرح ممرد من القوارير، الجَبر: الكِبَرُ والقوه، تحف به الأملاك من كل جانب: تحيطه الملائكة، عواملهُ في الناس عينٌ شوارعٌ: عمّالُهُ في الناس عيونهم مفتوحة بشرع الله، جُودُه الغَمرُ: كرمُهُ الواسع كالماء الغزير الذي يغطي ويغمر من دخله، سَمِيُّ: اسمه على اسم رسول الله ص، الذر: هو الخلق والنسل، غيض بهم طوفانه، نزل الماء في الأرض وابتلعته، الضُّرُّ: المرض والفقر وسوء الحال، السرد: حياكة الدروع، القِطر: الحديد الذائب، الريح الرُّخاء: الريح المسترسلة غير الشديدة، الجديدان: الليل والنهار، الجديد: ما يُستجد من عمري، ليس يُخلِقُهُ: لا يُعَـتِّـقُه الدهر، ما لاح بارق: كلما أبرقت السماء، عقود المُزن: السحب، القَطر: المطر.
2/5/14010
https://telegram.me/buratha