عبر عدد من الشعراء العراقيين عن حزنهم البالغ برحيل الشاعر العراقي الكردي الكبير شيركو بيكس، الذي وافاه الاجل في السويد الاحد الماضي، بعد تدهور صحته، حيث كان يرقد منذ فترة في احدى المستشفيات.
وعد الشعراء رحيله خسارة كبيرة للثقافة العراقية وخصوصا الكردية منها، عازين ذلك الى كون الشاعر الراحل عتبة مهمة وتاريخية في الثقافة الكردية ومجددا كبيرا فيها فضلا عن كونه علما بارزا في الشعرية العراقية المكتوبة باللغة الكردية.
شاعر لاينسى ابدا..
قال الشاعر كاظم الحجاج "الشاعر شركو بيكس أحد عظام الشعراء في عالمنا هذا، وهو شاعر ملحمي دوما، شاعر مطولات لا تمل مثل (كتاب القلاده) و(الكرسي)...إنني اعتز جدا بهذين الكتابين المميزين في مكتبتي وإن كانا مترجمين الى العربية "، مضيفا " أفتخر باني التقيت بشيركو الكبير في مهرجانيين شعريين كبيرين ، أحدهما في السليمانية ، والآخر في اربيل ، وتشاركنا في احياء جلستين ".
وختم الحجاج أنه "فخر أن تقرأ بعد شيركو مباشرة ، وأن تجلس معه جلسات حميمية في الفندق نفسه ، انه شاعر كبير و،انساني كبير ، مناضل ومتواضع وحميم ، انه لا ينسى ابدا.....لن ينساه العراقيون".
شاعر عراقي بامتياز
وقال الدكتور نوزاد اسود مدير مؤسسة كلاويش الثقافية " تعرفت على الشاعر الكبير شيركو عن قرب وكنت من اصدقائه المقربين ومطلعا على نتاجاته الشعرية خلال 50 عاما ، فهو شاعر له دور كبير في تطور الشعر الكردي واللغة، فهو شاعر اثرى المنجز الشعري وارسى اسس جديدة له وخرج عن السائد والمألوف مجددا ومحدثا ومبدعا ".
وأوضح "وابدع شيركو كتابة نوع جديد من الشعر وهو الشعر الملحمي ، كما ساهم في الستينات في اصدار بيان (المرصد) الذي سعى هو مع بعض مجايليه من الشعراء الى تجديد الشعر الكردي واللغة الكردية ".
وأضاف " كما ساهم شيركو مساهمة فعالة عند انخراطه في صفوف (البيشمركة) من تجديد واشاعة شعر المقاومة إذ كتب قصائد ملحمية مهمة ساهمت في تصعيد حركة المقاومة للشعب الكردي وتعزيز النضال الوطني العراقي ضد الدكتاتورية الفاشية ".
وتابع اسود "وفي الفترة الاخيرة ابتدع الشاعر اسلوبا جديدا وهو كتابة القصيدة الروائية والقائها عبر الفضائيات بشكل ممسرح اداءا وصوتا فضلا عن انشغاله بكتابة النص المفتوح الذي تتعايش داخله عدة اجناس ادبية "، مستدركا "كما كان الشاعر من المدافعين عن الصحافة الحرة وحقوق المرأة والحريات العامة".
واستطرد "خلال 50 عاما مر الشاعر بالكثير من المحطات الشعرية والادبية والنضالية، وكان في كل هذه المراحل يطرح اراء وافكار واساليب جديدة ، لذلك سيبقى تاثير ادب شيركو هاما ومركزيا في الشعرية الكردية لفترات طويلة ".
ورأى اسود أن "شيركو لم يكن شاعرا كرديا بل شاعر لكل العراقيين فقد تغنى بالعراق والاخوة العربية الكردية طويلا، ولم يكن في اي يوم من ايام حياته وابداعه منفصلا عن الثقافة العراقية". مشيرا الى أنه "ترجم الكثير من شعر شيركو الى العربية".
الشاعر يموت، اللغة تتصدع
فيما قال الشاعر طالب عبد العزيز "قد لا أعرف الكثير عن الشاعر الكبير شيركو بيكس العراقي، الكردي المتوفى قبل يومين، لكني أفهم جيدا بأن موت شاعر يعني تصدع لغة، وزحزحة وطن عن خريطة الآمال، أما إذا كان الشاعر صنيعة بطولات، حاضنة أمنيات سليل مناف وضحية لحماقات السلطات مثل شيركو فان القضية ستكون أبلغ من فقد شاعر، اكثر من لغة تتصدع، أبعد من وطن يتزحزح خارج خريطة الآمال".
وأوضح " برحيل شيركو يكون الوطن المختلف قوميات ولغات، المؤتلف مشاعر وأحاسيس قد فقد من بهائه الكثير، ولا نبالغ إذ نقول بأن ثقافة الوطن التي تصدعت كثيرا في العقود الأخيرة ستتصدع أكثر بفقده، فالشاعر يشكل حلقة الوصل الأكبر بين أهم ثقافتين وطنيتين في العراق (العربية والكردية) ولعل حياته في بغداد وكتابته بالعربية والتراجم من شعره للعربية وحضوره بالغ الأهمية في الشعرية العراقية كما ان تأريخه كمناضل وطني، صاحب قضية قومية، مقارع للأنظمة الدكتاتورية، متطلع لرؤية وطنه مستقلا ،مستقرا ، مزدهرا وغيرها الكثير شكلت شخصية الشاعر ومنحتها صفات قد لا تتوافر عليها شخصية ثقافية كردية أخرى".
وأضاف "في ملتقى كلاويز الثقافي قبل عامين قرأ شيركو بيكس قصائد قصيرة، كان الجو باردا، صقيعيا في السليمانية، ولأنه يخشى على صحته ان تعتل كثيرا فقد لبس الكثير من الثياب حتى لكأنه أنحدر من الجبل تواً، كان جمهور القاعة، من الذين اعتادوا الحضور كل عام أكثرنا خشية لأنهم يعرفون أن الشاعر سيقرأ الكثير من شعره، لكن صحته التي كانت تعتل تباعا منعته من قراءة قصائد طويلة فاكتفى بنصوص قصيرة، كانت الحدائق والمقاعد المتجاورة والحياة جوار الينابيع واحدة من سمات شعر شيركو، :
معاً كان الوقت مساءً..
وفي إحدى الحدائقِ
وعلى مقاعدَ متجاورة
جلس ضرير وأصمّ وأبكم
كان الضرير يرى بعين الأصمّ
والأصم يسمع بأذن الأبكمِ
والأبكمُ يفهم من حركات
شفاه الاثنين
وكان الثلاثة
وفي وقتٍ واحدٍ
يشمون رائحة الزهور معاً".
هناك فرق بين ان تكون شاعرا وأن تكتب شعرا
فيما قال رئيس اتحاد ادباء البصرة الشاعر كريم جخيور شيركو بيكس "هناك فرق بين أن تكون شاعرا وأن تكتب شعرا ففي الأولى أنت معني بمشروع شعري أما في الثانية فأنت ناظم له تحركك مناسبة أو فاجعة أو لحظة عاطفية ".
وأوضح " شيركو بيكس شاعر اشتغل على مشروعه الشعري والمتتبع للمنجز الشعري له يجد ذلك دون عناء ، وما يميز الراحل أيضا أنه لم يجعل من قصيدته دابة يسوقها في مسالك السلطان بل راح يحلق بها بعيدا بعيدا عن ضغائن اليابسة ، حاملا في قلبه تراتيل الجمال تاركا للكرسي جوع الخشب".
وأضاف "وبعد السقوط المضحك للتمثال الأسود في ساحة الفردوس أعاد البصريون ترتيب مرابدهم فكان مربدهم الثامن يحمل اسم الشاعر شيركو بيكس في محاولة لكسر ما هو سائد فقد اعتدنا ان نحتفي دائما بموتانا وفي افتتاح المهرجان كانت أطياف الثقافة العراقية حاضرة وشاهدة وكان لكلمته التي قرأها أحد الأدباء الكرد دليلا على أن شيركو بيكس يمثل علامة قارقة في الشعرية العراقية والعالمية".
33/5/13809
https://telegram.me/buratha