تنظر المعلمة فريال طه، 43 سنة، إلى إحدى اللافتات المنتشرة في شوارع مدينة الفلوجة والتي تدعو الأهالي إلى الاشتراك في المولدات الكهربائية الكبيرة والجديدة التي استوردها تجار المدينة لتوفير الطاقة على مدار اليوم، وتقول إنها قررت الاشتراك في خط من المولدة الجديدة بخمسة امبيرات فقط بسعر 130 ألف دينار "فلا أريد سوى مروحة تبرد أجساد أطفالي خلال الحر وتلفاز لسماع الأخبار".
وتضيف فريال أنها يئست من تحسن الكهرباء الوطنية وتعبت من شراء الوقود للمولدة المنزلية كثيرة الأعطال، لكنها تتخوف أن "يرفع أصحاب تلك المولدات الجديدة الأسعار فيما بعد، أو يقلصوا ساعات التزويد بالتيار أو يقطعوه، بحجة الأعطال"، وتستدرك "إلا أنها بكل الأحوال تبقى الأفضل، فقليل دائم خير من كثير منقطع"، بحسب تعبيرها.
وشهد عدد من المدن العراق، ومنها البصرة والناصرية والنجف وكربلاء وديالى وبغداد خلال الأيام الماضية تظاهرات كبيرة احتجاجا على تردي الكهرباء بشكل كبير، وتحولت تلك التظاهرات إلى صدامات مع القوات الأمنية ما أدى إلى مقتل شخص وجرح 19 آخرين على الأقل توفي احدهم متأثرا بجراحه في محافظتي البصرة وذي قار. وتزامنت تلك الاحتجاجات مع اتهامات أطلقتها جهات سياسية ورجال دين للحكومة التي ينتمي إليها الوزير وطالبت بإقالته، وهو ما تحقق إذ أعلن وزير الكهرباء العراقي كريم وحيد، مساء الاثنين 21 حزيران الجاري، استقالته من منصبه، متهما أطرافا سياسية لم يسمها بتسييس قضية الكهرباء لأغراض شخصية، الآمر الذي "افقد الوزارة القدرة على شرح المشاكل التي تعتري عملها". وقد انتهت قضية الوزير أمس بقبول المالكي استقالته بحسب ما اعلم الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، كما تم تعيين وزير النفط حسين الشهرستاني وزيرا للكهرباء بالوكالة إضافة إلى مهامه في وزارة النفط.
مولدات كبيرة صغيرة تلوث أكثر من براكين اليابانومع اشتداد حر الصيف وانتشار الحشرات، وقلة التيار الكهربائي) ساعتان يوميا) وانعدامه في بعض الأحياء في الفلوجة قام عدد من تجار المدينة باستيراد محطات توليد كهربائية ضخمة ونصبها داخل الأحياء السكنية وسط تفاؤل الأهالي ونحر ذبائح وتعليق تمائم أعلى عوادم تلك المولدات تجنبا للحسد على أمل تجهيزهم بالكهرباء لمدة 24 ساعة يوميا، فيما يؤكد موظف بدائرة توزيع المنتجات النفطية في الفلوجة أن عدد المولدات الأهلية في المدينة تجاوز عددها الـ600 مولدة وهي تستهلك من الوقود نحو نصف مليون دينار كل ساعة، ويعادل حجم الدخان التي تنفثه ما يلفظه بركان هائج في اليابان !.
وفي اليابان هناك مجموعة بركانية في جبل أونزين جنوب البلاد، وأخرى في جبل اساما ياما والتي ثار فيها بركان آخر مرة في شباط فبراير 2009 نافثا رماده إلى ارتفاع كيلو مترين وراميا بالحجارة إلى مسافة كيلو متر في محيطه.
ويقول صاحب إحدى تلك المولدات ويدعى ملا علي الكبيسي لـ"السومرية نيوز"، أصحاب المولدات "يقومون بتوفير كهرباء "تجارية"، مقابل ربح محمود مع امتنان المواطنين لهم".
وبحسب الإعلانات المثبتة فإن القائمين على تلك المولدات تعهدوا بتوفير الطاقة الكهربائية لمدة 24 ساعة يوميا من دون انقطاع بغض النظر عن توفر أو عدم توفر الكهرباء الوطنية وبسعر 30 ألف دينار للأمبير الواحد، وهو ما خلق حالة من التدافع والإقبال عليها من قبل المواطنين صاحبتها عملية التوسط والمحسوبية والرشوة للقائمين على تلك المولدات أملا بالحصول على اشتراك فيها.
وتتراوح سعة تلك المولدات التي تعمل بنظام الديزل واستوردت من مناشئ عالمية معروفة بين 2000 KVإلى 3000 KV ووعد التجار من خلالها الأهالي بصيف مريح وشهر صيام طيب عبر لافتات عريضة وزعت في كافة أرجاء المدينة، وبأسعار تجهيز يصفها البعض بالخيالية وآخرين بالجيدة والرحيمة.
ويضيف الكبيسي أن "التجهيز سيكون على مدار اليوم بلا توقف وللمواطن حرية تحديد كمية الكهرباء الداخلة إلى منزله سواء كانت أمبير واحد أم 100 أمبير، ووضعنا مولدات احتياط لن نستخدمها إلا في حال عطل المولدة الرئيسة"، مقترحا على الكهرباء الحكومية "الموافقة على استئجار أصحاب المولدات أسلاك أعمدة الكهرباء الحالية لإيصال التيار لمنازل المواطنين بشكل حضاري"، حسب قوله.
ويصنف الموظف في دائرة توزيع المنتجات النفطية في الفلوجة ثامر عبد الله المولدات الأهلية في الفلوجة على نوعين "الأولى التي تعمل بنظام الثماني ساعات ويبلغ عددها أكثر من 600 مولدة موزعة في جميع أحياء وضواحي الفلوجة، والنوع الثاني أي المولدات الكبيرة الجديدة عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة"، متوقعا "زيادة أعدادها خلال الأيام القليلة القادمة".
ويضيف عبد الله أن "النوع الثاني سيكون عددها أقل بكل الأحوال من تلك المولدات ذات السعة المحدودة بسبب كبر سعتها، فكل واحدة منها تعادل خمس أو ست مولدات عادية".
ويلفت عبد الله إلى أن "الفلوجة تستهلك من الوقود يوميا لتشغيل المولدات نحو نصف مليون دينار كل ساعة وهو هدر لأموال المواطنين وضغط كبير على ميزانية الدولة التي تدعم قطاع النفط"، مشددا على أن "هذه المولدات تشكل خطرا كبيرا على البيئة، حيث إن الدخان التي تنفثه يوميا يزيد على ما يلفظه بركان هائج في اليابان"، على حد وصفه.
وزارة الكهرباء تجبر الشبان على ارتداء الجينز و"الـ تي شيرت" ويقول المواطن صلاح العاني (57 سنة) إن "الحاجة إلى الكهرباء الوطنية تظل قائمة رغم توفر كهرباء المولدات الأهلية"، موضحا أن "توفير الماء الساخن أو كي الملابس أو الخبز على التنور الكهربائي تحتاج إلى طاقة كهربائية كبيرة، حيث نقوم بتأجيل تلك الأعمال لحين حلول "العزيزة" الوطنية علينا لساعة أو ساعتين لانجاز تلك المهام".
من جهته، يقول الشاب علي محمد إن "وزارة الكهرباء أجبرت الشباب على تغيير نوع الملابس"، ويوضح، "أصبحنا لا نشتري القمصان القطنية أو الحريرية والبنطلون القماش لحاجتها إلى المكواة، وتحولنا إلى الجينز والـ تي- شريت لأنهما لا يحتاجان إلى الكي".
ويقول مشغل مولدة في حي نزال جنوب الفلوجة ماهر علي، 22 سنة، إن "الناس هنا مرتاحون لكهرباء المولدات، ومن يريد الاشتراك فمرحبا به والذي يرفض عليه أن يلقي فراشه على باب وزارة الكهرباء ويمد يده لهم عسى أن يلتفتوا إلى حاله"، حسب تعبيره.
ويتهم علي المسؤولين بالفساد، بقوله "إن من غير المعقول أن تصرف الحكومة 17 مليار دولار على الكهرباء وتذهب في الهواء وجيوب المسؤولين"، على حد قوله، لافتا إلى أن أصحاب المولدة "قرروا منح المساجد كهرباء مجانية في أوقات الصلاة وكذلك الأرامل والعائلات التي عانت الإرهاب وفقدت معيلها وهذا أمر لا تدركه الحكومة".
ويدعو علي الحكومة في بغداد إلى "عدم التدخل وحشر منخرها في عمل المولدات الأهلية"، ويضيف لأن "أي تدخل منها سيفسد الموضوع"، وفقا لتعبيره.
https://telegram.me/buratha
