وزارة الماليــــــــــة
لا يخفى على احد أن المصدر الأساسي للعراق في تحقيق موارده المالية بالعملة الأجنبية هو النفط الخام فقد شكل النفط أكثر من ( 90% ) من إيرادات الموازنات العامة للدولة في العراق للفترة 2003 ـ 2008 .
وكانت للأزمة المالية العالمية تداعيات على الأقتصاد العراقي وكان أول تلك التحديات هو التأثير على أسعار النفط الخام ذلك المورد الأساسي للموازنة العراقية حيث خسر برميل النفط الخام ما يقارب 60% من قيمته في ذروة 11 تموز 2008 والبالغة ( (147,5 دولار للبرميل مقابل التراجع إلى 40 دولار للبرميل في كانون الثاني 2009 مما ترتب على ذلك مراجعة أجمالي الموازنة الأتحادية لعام 2009 لثلاث مرات وتخفيض اجمالي الموازنة بشكل أولي من 79 مليار دولار إلى 67,5 مليار دولار ومن ثم إلى 62 مليار ودولار والى 58,5 مليار دولار مع افتراض سعر تصديري للنفط الخام قدره (50) دولا للبرميل الواحد بدلا" من السعر المفترض سابقا" والبالغ (80) دولار للبرميل الواحد .
وهذا يعني أن تدهور أسعار النفط بسبب الأزمة المالية العالمية جعل التفكير ينعطف في اتجاه أخر فموازنة عام 2009 تم تصميمها عدة مرات مع انخفاض أسعار النفط الخام بمعنى أن الموازنة العراقية تتقلب كلما تقلب أسعار النفط الخام في العالم .
علما" بأن راسم سياسة الموازنة يعاني من صعوبات في تقلبات أسعار النفط فالمعلوم أن الموازنة فيها كلف ثابتة وكلف متغيرة . فالكلف الثابتة من الصعب زعزعتها لأنها تتضمن الرواتب والأجور والمكافآت التقاعدية مع تخصيصات البطاقة التموينية وغيرها من النفقات الحاكمة لذا فالتحرك يكون على الكلف المتغيرة .
والآن وبعد دخولنا الربع الثاني من عام 2009 ارتفع أسعار النفط الخام إلى ما فوق 50 دولارا" للبرميل وهذا يعني ان وزارة المالية كانت دقيقة في تقديراتها لسعر برميل النفط الخام ب 50 دولار عند تقدير موازنة عام 2009 .
والمعلوم أن الموازنات غير الدقيقة تؤدي إلى تعريض الأقتصاد القومي إلى الخطر إذا كانت تقديراتها غير صحيحة .
وللحقيقة يجب ذكر أن تقديرات كميات النفط الخام المصدرة أقرت ب (2) مليون برميل يوميا" من قبل وزارة النفط وهي الجهة المسؤولة عن وضع تقديرات كميات النفط المصدرة ألا أن وزارة النفط لم تتمكن من تجاوز سقف تصدير ( 1800 ـ 1825) مليون برميل يوميا" هذا النقص في الكمية المصدرة سبب عجزا" في الموازنة مقدارها (10% ) فلم تتمكن وزارة النفط من الأستفادة نهائيا" من استثناء العراق من حصص أنتاج النفط في منظمة الأوبك فالمليون والثمانمائة برميل يوميا" أو ما يزيد قليلا" عنها أصبحت طوطما" نفطيا" لا تتم مغادرته وهو رقم لا يتناسب حتى مع دول نفطية صغيرة لا بل أن دول دخلت عصر الشيخوخة النفطية وبدأت أبارها بالنضوب تصل إلى معدلات تصدير توازي ما يصدره العراق وهو البلد الذي يطفو على بحيرات النفط الخام الأمر الذي حرم العراق من إمكانية المناورة في معادلة
( السعر والكمية ) حيث يعوض احد المكونين نقص الأخر وإذا ما وضعنا مدى بين السعر الحالي إلى ( 50) دولار للبرميل وبينما يمكن أن يستقر عليه السعر ما بين
( 75ـ 80 ) دولار للبرميل فأن الوصول إلى معدل تصدير بحدود ( 2,5ـ3 ) مليون برميل يوميا" كحد أدنى يوفر للعراق هامش المناورة المطلوب ويسمح له بالحصول على حجم معقول من الموارد العامة لتغطية الأنفاق دون عجوزات حادة ..
أذن وزارة المالية كانت دقيقة في تقديراتها للموازنة العامة عندما تم تقدير سعر برميل النفط الخام ب (50) دولار للبرميل علما" بأن العديد من أعضاء مجلس النواب والمختصين بالشأن الاقتصادي العراقي توقعوا أن يكون سعر برميل النفط الخام في عام 2009 ما بين ( 25ـ30) دولار للبرميل الواحد على الرغم من تصريحات العديد من المسؤولين بأن هناك مغالاة في تقدير سعر برميل النفط الخام عند أعداد الموازنة العامة لعام 2009 علما" بأن وزارة المالية قامت بتعظيم موارد الموازنة العامة غير النفطية كالضرائب والرسوم والمصارف .
لذلك في حال بقاء وزارة النفط على الأنتاج المتدني وعد وصولها إلى الطاقة التصديرية اللازمة فأن هناك تحديات كبيرة أمام وزارة المالية في وضع الموازنة العامة الفيدرالية وسيكون عام 2009 يمكن العبور بفضل الأحتياطات الموجودة ولكن سيشكل عام 2010 مشكلة حقيقية حيث أن أكثر الآراء تفاؤلا" تربط الأزمة بسقف زمني لا يقل عن سنتين تتضافر فيها الجهود العالمية لتجاوز الأزمة وستظهر أمام العراق جملة تحديات أبرزها ما يلي :ـ
1ـ أن تسجيل الموازنة العامة للدولة في العراق عجزا" مقداره (10%) سيؤدي إلى أظهار بعض قضايا السياسة الأقتصادية في العراق بعيدة المدى فيما يتعلق بدور الدولة في وضع سياسة اقتصادية رشيدة وحكيمة ومبنية على أسس علمية ومنطقية والتي تحتاج إلى أن تفكر بها الحكومة مليا" وبشكل جدي من وضعها بشكلها الصحيح بعيدا" عن تأثيرات الأزمة المالية العالمية القاسية .
2ـ سيتعرض المورد الأساسي للأيرادات العامة إلى انحدار خطير خلال السنتين المقبلتين 2010 ـ 2011 وهي الفترة من المحتمل بعدها أن يتعافى الأقتصاد العالمي وهذا يعني أن حالة الأسترخاء التي صاحبت إيراداتنا النفطية خلال السنوات الأخيرة والتي لم تكن بسبب نشاطنا في الأستخراج والتصدير وإنما بسبب ارتفاع الأسعار انتهت تماما" لم يعد بالأمكان الأطمئنان إلى وجود أسعار نفط مرتفعة .
3ـ أن نقص الموارد العامة يقابلها احتمال ارتفاع معدلات الأنفاق العام ويمكن أن يكون من أبرزها الألتزام الأمني حيث تنسحب قوات الأئتلاف بموجب الأتفاقية الأمنية منتصف العام 2011 وهذا يعني أن القوة الأمنية عددا" وتسليحا" يجب أن تتكامل خلال هذه الفترة وعندما نعرف أن مستوى التسليح ما زال في بداياته وان ظروفا" عسكرية كثيرة لم تشكل لحد الآن وسيتم تشكيل ذلك قبل الأنسحاب لذا فأن حجم الأنفاق المطلوب هذا إضافة إلى أبواب الأنفاق الضاغطة فالرواتب والأجور ودعم البطاقة التموينية وشبكة الحماية الأجتماعية والتعويضات وتسديد الديون وغيرها ستشكل ثقلا" على الحكومة .
4ـ سيكون بالأمكان خلال عام 2009 العبور في زورق ما متوفر من احتياطات ولكن مشكلة حقيقية ستنشأ بعدها أي في عام 2010 سواء في جانب الأنفاق التشغيلي أو الأنفاق الاستثماري خصوصا" وانه ليس بالإمكان من الناحية السياسية والاجتماعية أجراء تقشف حاد في الموازنة يدفع المواطن ثمنه في ظل ظروف صعبة لا يحتمل فيه المواطن أعباء أضافية كما أن خفض سقوف الأستثمار سيعني تراجعا" في عملية أعادة البناء خصوصا" بالنسبة لوحدات الأنفاق التي استطاعت أن تحقق نسب مرتفعة من خلال الأعوام الأخيرة .
5ـ أن وضع الأقتصاد العراقي وافتقاره إلى جهاز أنتاجي يوفر السلع و الخدمات لا يسمح أبدا" بأنتهاج أي أسلوب غير زيادة الأنتاج النفطي في الوقت الراهن فلا التمويل بالعجز والإصدار النقدي والاقتراض الداخلي والخارجي بالأدوات الايجابية أذان كل الأدوات السابقة لها أثار مدمرة على الأقتصاد العراقي فحافز الطلب مثلا" سيؤدي إلى زيادة الأستيراد لأنه ليس لدينا جهاز أنتاجي مرن يستجيب لأحتياجات السوق ويوفر السلع ومن ثم تزداد حاجته للعمالة فيخلق دخول أخرى وهكذا سينعش الأقتصاد فالعكس لدينا هو الذي سيحصل حيث سيغمر ما تبقى من أجهزتنا الأنتاجية بسبب المنافسة غير عادلة مع البضاعة المستوردة وتذهب الأموال إلى الأستيراد .
https://telegram.me/buratha