قال رسول الله صلى الله عليه وآله « من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر ما عليه بفعلٍ ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله » .وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع ، وأحكام تُبتدع ، يُخالف فيها كتاب الله ، ويتولى عليها رجالٌ رجالاً ، على غير دين الله... »
لم تكن التصريحات التي أطلقها التكفيري الحاقد المدعو عادل الكلباني مجرد آراء فردية تعتقد بها مجموعة من المتشددين التكفيريين داخل المؤسسة الدينية السعودية ، بل إنها عقيدة ومنهج وسياسة نظام بنيت قواعده الفكرية والعقدية ، وقامت أركانه السياسية على أساس الحقد والبغض والكراهية ، وعلى أساس اتخاذ مسلك الإرهاب والعنف وسيلة للوصول لمآربه و أهدافه ، و أداة لقمع كل المخالفين له .
لقد عبر الكلباني عن مكنونات نفس النظام وتوجهاته السياسية وعقيدته التكفيرية الحاقدة ، ولم يكن ليقدم على مثل هذه التصريحات المشينة لولا التباني والإجماع بين كل زعماء المؤسسة الدينية السعودية وبين النظام السياسي الرسمي على تبني عقيدة نبذ الآخر وإقصاءه وتكفيره واستباحة دمه ، وهذا ما شهدت عليه السنوات الماضية التي غصت بمئات التصريحات والفتاوى والمطبوعات والمقالات التي كفرت صراحة أتباع أهل البيت عليهم السلام وأباحت دمائهم وحرمت ذبائحهم ومنعت الناس من مؤاكلتهم ومصاهرتهم والتحريض على قتلهم ، وكان أغلبها قد صدر من قبل زعماء المؤسسة الدينية الرسمية ، الأمر الذي لم يحمل النظام الرسمي الى إدانة هذه الحملات المستعرة ضد أبناء جزء من هذا الوطن مما يجعله مشاركاً في نفس الحملة لا بل لا يستبعد القيام برسم السياسة المتبعة من قبل تلك المؤسسة لتكفير الطائفة الشيعية , حيث كان الأجدر بالنظام وضع حد لمسلسل التصريحات لإبعاد شبهة الدفع والتحريض والمشاركة , كما انه كان حرياً به أن يدافع عن أبناء الطائفة الشيعية ويحتضنهم وفاءاً لحق المواطنة وقداسة وحدة الوطن وتطبيقا للإيمان المزعوم بالمساواة ونبذ الفرقة العنصرية والطائفية. ؟!.
لقد كانت المناهج التعليمية الرسمية المليئة بالمواد التكفيرية والتحريضية على الكثير من مذاهب المسلمين ومنها مذهب أهل البيت عليهم السلام , والمليئة بالمواد المثيرة للفتن الطائفية والمذهبية واحداً من المسامير التي ضربها النظام في نعش الوحدة الوطنية التي مازال يتغنى بها ويتهم الآخرين بالعمل على تهديدها، فمن الذي يهدد الوحدة الوطنية المتزلزلة و الآيلة للسقوط أصلاً ، هل هي كلمات قيلت على سبيل الضغط والتهديد وفي إطار الدعوة لتحقيق المطالب ، أم الممارسات والقرارات و التصريحات والفتاوى الرسمية الممنهجة التي أصبحت جزءا من واقع المواطن ومن مشاهداته و أحداثه منذ أكثر من سبعين عاما؟!.
لقد وجه النظام رسالة إلى من يهمه الأمر على لسان الكلباني مفادها أن لا ينتظر الشيعة استجابة النظام لمطالب أخرى ، فقد استوفوا أكثر من حقوقهم ، فهم ليسوا إلا مواطنين بلا درجة بل على الهامش ، لا يحق لهم المطالبة بأية حقوق ، وما أعطوا إياه من حقوق فهو من باب المنة والمكرمة.
إن مثل هذه التصريحات الخطيرة التي تعبر عن توجهات تحكم النظام السياسي و مؤسساته الدينية إذا لم تواجه بحزم وقوة من قبل علماء المسلمين و شخصياتهم الفكرية والثقافية والسياسية فإنها لن تهدد وحدة هذا الوطن و أمنه واستقراره فحسب بل ستقوض دعائم الوحدة الإسلامية التي بذل الكثير من علماء المسلمين المخلصين من الشيعة والسنة الجهود المضنية و المساعي الكبيرة في سبيل تحقيقها و الدفاع عنها وعن مكتسباتها و أهدافها العظيمة على أساس ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) وعلى أساس ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) .
ليست مشكلتنا و مشكلة العالم الإسلامي شيعية - سنية ، وليس الشيعة أو السنة مسئولين عن هذه الفتن والمؤامرات و الحروب الطائفية التي فرضت و حيكت لإضعاف المسلمين و تفتيت وحدتهم ، بل إن مشكلة العالم الإسلامي بسنته وشيعته تكمن في وجود عصابة خطرة جاهلة متخلفة رجعية حاقدة إرهابية لبست الإسلام مقلوبا وشوهت مفاهيمه و قيمه و أحكامه و صيرت نفسها وصية على الشريعة متفردة في فهم مقاصدها و أحكامها ومصالحها ومفاسدها ، يدعمها ويوجهها و يخطط لها و يشاركها نظام سياسي شمولي انتهازي منافق جعل من الإسلام وتطبيق شريعته السمحة غطاءاً لتنفيذ مخططاته ومؤامراته القذرة في إشغال المسلمين ببعضهم البعض و إضعاف شوكتهم وإعطاء الفرصة لأعداء الأمة من التمكن منها وغرس أنيابهم الاستعمارية في جسدها الواحد .
إن الواجب الإسلامي المقدس في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ أمتنا الإسلامية التي تشهد الأحداث والتحديات الكبرى على هذه الأمة من قبل أعداءها يحتم على علماءها وكل رجالاتها المخلصين أن يقفوا بكل ما لديهم من إمكانات للدفاع عن وحدة الأمة وقوتها و مكتسباتها و مواجهة هذا النظام التكفيري المعادي لكافة مذاهب المسلمين سنتهم وشيعتهم و الضغط عليه بكل الوسائل المتاحة لينكفئ عن غيه .
إن خطاب التكفير والتحريض والإهانة والاستهانة بمقدسات المسلمين وعقائدهم وروح البغض والكراهية الذي تقوم المؤسسة الدينية الرسمية السعودية بنشرها والترويج لها و زرعها داخل البلاد وفي جميع أقطار العالم الإسلامي كانت ولا زالت السبب الرئيس في ضعف المسلمين ونسيانهم لقضاياهم المركزية والمصيرية و دخولهم في دوامات الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني و الاقتصادي و السبب الرئيس في توليد وتفريخ جماعات الإرهاب والتكفير تلك الأهداف القدرة التي نفذها النظام السعودي بتوجيه و تخطيط مسبق من قبل أسياده الأمريكان والغربيين .
أليست المحاولات العقيمة من قبل البعض لإقناع أنفسهم ومن حولهم ببراءة النظام من كل ما يجري من ممارسات وتصريحات وفتاوى و قرارات ، وإلقاء اللوم والمسؤولية على بعض الأفراد المتشددين حسب تعبيرهم تعتبر معونة للظالمين على ظلمهم ونصرة لأهل الباطل و تحريفا للحقائق و تضليلاً للعامة من الناس.
إلى متى سيبقى البعض يردد هذا الخطاب الخانع الرخيص المتملق على حساب عزة وكرامة هذا الشعب المظلوم ، ومتى سيستيقظ هذا البعض ليعلم أي مستنقع وقع فيه ، و أي نار أشعلها لنفسه بتقربه من سلاطين الجور ومدحهم و تلميع صورتهم القبيحة بدعوى تحصيل حقوق الطائفة ، تباً و ألف تباً للحقوق التي يسعى لتحصيلها ببيع العزة والكرامة وإراقة ماء الوجه ، فلو رضي البعض أن يبيع ماء وجهه مقابل حفنة حقيرة من المصالح ، فإن شعبنا الأبي الغيور لن يقبل بحقوقه إلا على طبق مرصع بالعزة والكرامة مغطى برضا الله تعالى وطاعته و إن أبى الظالمون .
محمد الحسين
https://telegram.me/buratha