تؤكد مدافعة عن حقوق المرأة في العراق أن "قتل النساء" غسلاً للعار، انتشر في العراق على نطاق واسع، مشيرة الى أن القتل قد يحدث أيضاً لأسباب غير حقيقية، ربما لأنه أصبح "أقل كلفة" من دعاوى الطلاق!. يقتل الرجل زوجته، ويزعم أنها اختطفت أو ماتت في عملية تفجير. وحسب مسؤول في المشرحة المركزية ببغداد، فإن حالات الاغتصاب المسجلة لدى الشرطة تبلغ من 5 الى 10 شهرياً في أنحاء العراق، لكنّ العدد يفوق ذلك بكثير، لأن الكثير من عمليات القتل تُسجل باسم الاختطاف والفقد. أما أكثر جرائم الاغتصاب، فيزعم البعض أنها تلك التي ترتكب في السجون. ويتفق مهتمون بقضايا المرأة على أن أسباب الاغتصاب كثيرة لكنّ أهمها تلك التغييرات الدينية-الاجتماعية المتشدّدة التي شهدها العراق بعد الغزو.
"إنهم يقتلون المرأة ولا يمشون في جنازتها"، لأنهم إما يدفنونها سراً أو يلقون بها في النهر، أو يتركونها في الصحراء للطير والسباع. وأشهر جرائم الاغتصاب –كما تقول مراسلة صحفية أميركية في بغداد- تلك التي حدثت في تكريت. لقد فضح اختبار DNA ثلاثة ضباط شرطة اغتصبوا سجينة في تكريت، وبعد شهور خمسة كبُرت "فضيحتها" بأنْ أصبحت بطنها مرتفعة جداً، فأرسل الضباط يطلبون أخاها، ثم أدخلوه على أخته "دلال" في زنزانتها، ليفرغ في بطنها رصاص بندقيته. المحكمة أطلقت سراح المتهمين بسبب "ضعف الأدلة" والجثة بالجنين القتيل في بطنها مسجّاة في المشرحة، والقضية الآن بيد العشائر!.
وتقول (تيان سوسمان) مراسلة صحيفة لوس أنجلوس تايمز : أحياناً، تكون قصص الاغتصاب، والقتل "غسلاً للعار" في العراق "محرّمة". الناس تخشى التحدث عنها بشكل كامل، ولهذا فإنّ "شظايا" القصص هي التي تُروى. وعلى سبيل المثال هذه القصة: شابة سجنت في تكريت، وبعثت رسالة الى أخيها في الصيف الماضي، تستغيث به. المرأة تُسمى "دلال" كتبت أنها حامل، بعد أنْ اغتصبت من قبل حراس السجن. طلب الأخ زيارتها. وافق الحراس، وأدخلوا الأخ الى زنزانة أخته، سحب بندقيته، وقتل أخته التي كانت "حاملاً" بشكل واضح.
وتضيف المراسلة قائلة: كان هدفه، إنقاذ سمعة عائلته من "عار" أن تحبل أخته من دون زواج، و"الخزي" في العراق غالباً ما يتحوّل الى ما يؤدي الى قتل المرأة من قبل أقربائها "غسلاً للعار". وبالنسبة للحراس الذين اغتصبوا المرأة، فإن القتل "مريح" لهم أيضاً!.
ويؤكد عامل مختبر في مشرحة بمركز بغداد، حيث توجد جثة الضحية، قوله: ((يعتقدون أن موتها سوف يُنهي القضية)). وأوضح أن جثة القتيلة مازالت تحمل جنيناً بعمر 5 شهور، مشيراً الى أن من المهم اجتماعياً أن يرى أولئك الذين تسبّبوا في هذه "المأساة" يحاسبون طبقاً للقانون.
وتعلق (سوسمان) على ذلك بقولها: ويصر موظف المشرحة على أن العاملين في المختبر، صاروا يستعملون –ومنذ وقت قصير- معدات اختبار DNA. وقد سحبوا "عينة" من الجنين. وسوف يخضع جميع الحراس المشتبه بهم لهذا الاختبار الطبي العلمي المعتمد عالمياً، لمعرفة "الجاني". وتضيف المراسلة قولها: كما يبدو فإن الآخرين لا يعرفون بالمعدات المتطورة التي تستخدمها المشرحة، وأن هناك مختصين متدربين على استخدام هذه الأجهزة. وتنقل عن الموظف في المشرحة قوله: ((إنهم يعتقدون أننا غير قادرين على اكتشاف الحقيقة)).
وتقول الصحيفة أن نتائج DNA أظهرت أنّ "أبا" ذلك الجنين الذي مات بقتل أمه، هو مقدم الشرطة الذي يشرف على حراس السجن. وفي مجتمع آخر، فإنّ هذا الدليل العلمي يمكن أن يؤدي الى اعتقال كل من لهم علاقة بقضية الاغتصاب وإحالتهم الى المحاكمة. ولكنّ الأمر يختلف في العراق، فالسلطة تستغل من قبل أولئك الذين يرتدون "الزي الرسمي" أما المرأة المغتصبة، فإن قتلها يكون الحل الأفضل للتغطية على الجريمة الشنيعة.
ومرت أشهر –كما تشير الى ذلك المراسلة سوسمان- قبل أن تتسرّب كلمة عن "جريمة القتل" في يوم صيفي قائظ. وتؤكد قولها: لقد أزعجتنا، كما أزعجت موظف المشرحة. ولكنْ كيف يمكن رواية كامل القصة، ولا أحد يرغب في الكشف عن تفاصيلها؟. والذين يتحدثون غالباً يروون معلومات مختلفة ومتضاربة عما قد حدث فعلاً. والحقيقة أن التفاصيل التي رواها موظف المشرحة هي الوحيدة التي بقيت من دون تغيير، وظلت تتكرر في المكالمات الهاتفية والرسائل البريدية طوال الصيف وحتى في الشتاء الماضيين. وبرغم كل تساؤلاتنا ظلت أشياء كثيرة عن "قصة الاغتصاب والقتل" مجهولة، أما الحقيقة فلم يكن هناك وقت لكشفها.
والشيء الوحيد المتفق –كما تقول سوسمان- هو أن المرأة الشابة، اغتصبت في السجن، وقتلت في زنزانتها من قبل أخيها، وأنها أمضت أيامها الأخيرة وهي حامل، وقلقة بشأن ما سيحدث لها، إذا ما أطلق سراحها، وعادت ثانية الى مجتمعها، إنهم –برغم أنها اغتصبت حتف أنفها- سيدينونها، ويقتلونها "حتماً" وعلى طريقة "غسل العار"!.
وطبقاً لقاض في محكمة تكريت، فإن مقدم الشرطة، الذي أكد اختبار DNA تورّطه باغتصاب السجينة، كان له شريك آخر برتبة "نقيب شرطة" اتهم أيضا في القضية. وأوضحت لوس أنجلوس تايمز أن الإثنين ألقي القبض عليهما بتهمة اغتصاب المرأة، لكنّ المحكمة أطلقت سراحهما لقلة الأدلة. ونسبت الصحيفة الى القاضي قوله إن المتهم الثالث، وهو ملازم أول في الشرطة بقي معتقلاً. وتعلق سوسمان على ذلك بقولها: ((إنه لأمر شائع في العراق أن يعمل رجال الشرطة حراس سجون أو مشرفين عليها)).
ويقول مسؤول آخر في محكمة تكريت إن المتهمين المقدم والنقيب، بقيا في الحجز، ولكنّهما نقلا من تكريت الى بغداد. وكان العقيد (حاتم ثابت) الناطق الرسمي باسم شرطة محافظة صلاح الدين –التي ارتكبت فيها الجريمة- يتفق تماما مع هذه الرواية. ولحد الآن تقول بعض الروايات أن القضية بيد "المجالس العشائرية". وقد دفعت عشيرة المقدم المتهم "مبلغاً من المال" الى عشيرة المرأة-المغدورة "اغتصاباً وقتلاً" لإسقاط التهم ضده، طبقاً لما تحدث به أشخاص في المنطقة، مطلعون على تفاصيل القضية، لكنّ هناك "مخاوف" من أن تُناقش القضية بشكل علني.
وشدّد موظف المشرحة على القول إن أولئك المشرفين على دليل اختبار DNA عرفوا أن الضباط الثلاثة المتهمين قد أطلق سراحهم. وأوضح قوله: ((لقد سمعت أن النزاع حُلّ عن طريق الفدية العشائرية. وهذه القضية أزعجتني كثيراً. وأستطيع أن أقول من خلال مؤشرات عملي، أنّ الأشخاص السيئين عادوا الى الشارع ثانية))!.
وتقول مراسلة لوس أنجلوس تايمز إن هناك تقارير متضاربة بشأن وضع الأخ. البعض يقول إنه اعتُقل بسبب قتل أخته. وآخرون يقولون إنه مطلق السراح، طبقاً لصفقة عشائرية. أما بالنسبة للقتيلة، فإن هناك عديد الروايات التي تقول إنها كانت في السجن "مدانة أو متهمة" بقضية إجرامية، وأن الشرطة أرسلت على أخيها لسؤاله بشأن بعض الأشياء المتعلقة بتهمة أخته. واعتقدوا أنه كان يراجع لإطلاق سراح "دلال" لكن لا أحد يقبل توضيح "ما الذي أرادته الشرطة من الحديث مع أخيها"!.
والسجن الذي كانت فيه الضحية، يؤوي رجالاً بشكل رئيس. وهناك قسم صغير مخصص للنزيلات، وفي العموم لا يضم إلا عدداً قليلاً منهن في وقت واحد. والمفترض أن "حارسة" تقوم بالإشراف على هذا القسم. ولا أحد يستطيع أن يوضح كيف استطاع المقدم أن يرتكب جريمته!. ولا يمكن لأي شخص أيضا أن يكشف كيف دخل الأخ الى زنزانة "دلال" ببندقيته المحشوة بالرصاص.
وبشأن هذا الموضوع يقول العقيد (حاتم ثابت) الناطق باسم الشرطة: ((يفترض أن الأخ تعرض للتفتيش قبل دخوله السجن. فمن أين حصل على السلاح، نحن لا نعرف))!. وتوضح المراسلة (تينا سوسمان)قولها: في العراق، يعدّ العنف ضد المرأة حالا مزمنة ومتقيّحة، ولكن نادراً ما تناقش مثل هذه المشكلة.
وقالت (تينا سوسمان): في العراق لا يمكن الحصول بسهولة على إحصاءات عن جرائم "القتل غسلاً للعار" أو "جرائم الشرف" كما تسمّى هذه الأيام في بغداد. وبيّنت أن عدد حالات الاغتصاب كما أبلغت بها الشرطة تتراوح بين 5 الى 10 شهرياً، بالنسبة لجميع أنحاء البلد، طبقاً لما قاله مسؤول في المشرحة المركزية ببغداد الذي كشف عن "عملية اغتصاب دلال في تكريت" لأول مرة في الصيف الماضي.
وأوضح المسؤول قوله: ((إن الرقم الحقيقي لحالات الاغتصاب هو بالتأكيد أكثر مما نعرفه. والكثير يُرتكب في السجون)). وقالت إنه أخذ يشرح لأحد العراقيين العاملين في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، أنه يتحدث عن قضية تكريت كمنوذج، وليس للاستهلال، وألح المسؤول على محرر الصحيفة عدم ترجمة الحقائق لزميلته الناطقة باللغة الإنكليزية.
وبعد دقائق من هذا الحديث –كما توضح لوس أنجلوس تايمز- أكد مسؤول آخر في المشرحة، وعمال في المختبر العلمي، حال اغتصاب "دلال". والجميع فضلوا عدم التعريف بهم، خوفاً من أن يفقدوا وظائفهم. ومن جانب آخر قال عاملون آخرون في المشرحة قابلتهم مراسلة الصحيفة خلال زيارة إلى المشرحة –حيث تم فحص جثث المغتصبات- إنهم تحروا في جرائم العنف المرتكبة ضد النساء منذ سنة الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، التي كانت "فاتحة" لتقاليد دينية أكثر تشدّداً، ولمتغيرات خطيرة في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلد. ويقول أحد موظفي المشرحة الذي تسلم في يوم سابق لإجراء المقابلة معه جثة امرأة حامل "مذبوحة من حنجرتها": ((إن معظم حالات العنف ضد المرأة، تنتسب الى صنف القتل غسلاً للعار)).
من جانب آخر يؤكد مدافعون عن حقوق الإنسان إن تزايد جرائم القتل هذه، ترتبط بحال التساهل في مراكز الشرطة والمحاكم مع الجناة. وتقول (ابتسام حمودي العزاوي) وهي مهندسة سابقة، وتدير الآن منظمة صغيرة لمساعدة النساء اللواتي يتعرضن لسوء المعاملة في بيوتهن: ((إن الحال أكثر سوءاً الآن)). وأضافت: ((إن مجتمعنا شهد حرباً واسعة النطاق، وهذه هي انعكاساتها على حال سوء معاملة المرأة)). وشددت (العزاوي) -التي قتل زوجها الذي كان عميداً لإحدى الجامعات من قبل متطرفين سنة 2007-على القول: ((أصبح العنف داخلاً في كل شيء. حتى الأطفال يحبّون الحرب)).
وقالت إن معظم وقتها، تُمضيه في الاستجابة لمن يطرقن بابها، أو يتصلن بها هاتفياً، طالبات المساعدة للهرب من المعاملة السيئة التي يواجهنها في بيوتهن. والناس يثيرون حولها الشائعات، لأنها لا تريد أن تخبر جيرانها عما تفعله، خشية أن يهاجمها المتطرفون، أو يهاجمون واحدة من بناتها.
وتؤكد (العزاوي) إن العراق لا يمتلك "مؤسسات خاصة" تؤوي النساء المحطمات أو اللواتي يتعرّضن للتهديد. والحرب مزّقت العوائل، ورحلتها عن بيوتها، ولذلك ربما يُهاجمن من قبل أقربائهن. ووسط الفوضى، أصبح القتل سهلاً بالنسبة للأزواج الذين يريدون التخلص من "زيجاتهن"..وأوضحت (العزاوي) قولها: ((أصبح القتل أقل كلفة بالنسبة للرجل من دعوى الطلاق))!.
وأضافت: ((النساء يُقتلن، ولكنْ غالباً يُعلنُ عن فقدانهن. وكل ما يجري جزء من حال الفوضى. بعض الأزواج يقتلون زوجاتهم، ويقولون ربما هي اختطفت، وربما قتلت في تفجير)). وقالت إن زوجين يواجهان بعض المشكلات –على سبيل المثال- ثم فجأة يُعلن عن اختفاء الزوجة!.
وفي سجن النساء بتكريت –تقول مراسلة لوس أنجلوس تايمز- يوم السبت هو يوم الزيارة. وفي أحد أيام السبت من الصيف الماضي، جاء الأخ لرؤية أخته، وقد انتفخت بطنها بطفل. وثقت منه. وكانت قد أرسلت في طلب عونه، لأنها أسيرة سجنها، وكل ما حدث كان برغمها، لكنه "قتلها"، أما الجناة الذين اغتصبوها، فهم "أحرار" لأنّ العشائر ستعالج المشكلة بـ"الفلوس"!.
https://telegram.me/buratha