حل وقت الغداء في مقر اللواء الخامس التابع للشرطة الوطنية في منطقة السيدية جنوب بغداد. وافتقد الضباط زميلهم في المقر العقيد سعد عبد الواحد جاسم مسلم الوائلي ضابط الإداة والميرة في اللواء( 50 عاما). وحين سألوا عنهم قيل لهم انه لم يخرج من غرفة نومه منذ ثلاث ساعات، بعد ام خرج في الصباح وعاد. وقد اثار ذلك استغرابهم.
عند ذاك قرروا الصعود الى غرفته. وجدوها مقفلة. طرقوا الباب ولما لم يجدوا جوابا كسروا الباب فوجدوه قتيلا بطلقة في الجانب الأيسر من رأسه. كان مفتاح الغرفة مرميا اسفل الباب، وكان مسدسه الشخصي بعيدا عن جثته بثلاثة امتار. ويعتقد الاهل، الذين روى بعضهم لـ” الصباح الجديد" هذه الواقعة، ان القتل تم باستخدام كاتم صوت، لان ذلك هو التفسير الوحيد لعدم سماع صوت اطلاقة نارية وفي مقر للشرطة.
في حدود الواحدة والنصف من ظهيرة ذلك اليوم تلقى ابنه تلفونا من مقر اللواء بالحادث. ويقول احد اقربائه ان آمر اللواء استغرب من حضور هذا العدد من اقربائه بمن فيهم الأب والابن واخوة وابناء عمومة. كان الامر يعتقد بان محل اقامته في البصرة. حين عرف ان دار الضابط القتيل تقع في حي الشرطة الرابعة ببغداد .قال: هذه معلومة جديدة! كان العقيد بالفعل قد ترك منزله وأجره لفترة لينقل سكنه مع اهل زوجته في البصرة. لكنه عاد اليه قبل ثلاثة اشهر من مقتله.
طرح الآمر بضعة اسئلة على اقاربه مثل: هل كان اعسر؟ ذلك ان الطلقة اخترقت الراس من اليسار. واذا كان اعسر فلعل الحادث يمكن تفسيره بالانتحار. لكن الفقيد لم يكن كذلك. ويبدو ان التلميح اثار استياء الأقارب. وجاءت الشرطة ورجال الأدلة الجنائية الى غرفته لاتخاذ الإجراءات اللازمة في التحقيق.
عرف الأهل ان القاصة في مكتبه كانت مفتوحة. وكان هناك مال لم يمس لكنها كانت خالية من الأوراق.لكن الرواية الرسمية للواقعة تختلف عن رواية الاهل هذه كثيرا. فقد ذكر اللواء عبد الكريم خلف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية ان المسدس الذي قتل به عائد للمقتول وهو نوع "كلوك" اميركي ولايمكن ان يركب عليه كاتم صوت، واضاف ان الباب كان مقفلاً مع وجود المفتاح في الشق المخصص له من الداخل .
وزاد خلف ان فحص الادلة الجنائية وإفادة الشهود اكدا ان الحادث عملية انتحار بلا شك، وقال ان المقتول كان يعاني من كآبة شديدة في الاسبوعين الاخيرين . ونفى خلف عدم سماع صوت الطلقة قائلا: لقد اجريت تحقيقات مع جميع الموجودين الذين هرعوا الى غرفة العقيد بعد سماع صوت الاطلاقة، وعندما وجدوا الباب مقفلاً كسروه فوجدوا العقيد مقتولا فتركوا كل شيء على حاله وجرى الابلاغ عن الحادث. بعد هذه الاجراءات نقل الى الطب العدلي بسيارة اسعاف. ولم يصدر الطب العدلي تقريره بالحادث لان ذلك يستدعي بضعة ايام. كما ان التحقيق مازال مستمرا.
في اليوم التالي الخميس الثاني من نيسان الجاري تسلموا جثمانه وشارك رجال الشرطة في تشييعه خلال بعض الطريق الى النجف. في "المغيسل" لاحظ الاهل وجود بقعة زرقاء كبيرة نسبيا على ظهره وكدمات في سطح قدمه اليسرى. الأهل واثقون من الواقعة حادث قتل. لكن اللواء عبد الكريم خلف نفى وجود اثار ضرب على جسد الضحية قائلا: لا وجود لهذا الكلام والطب العدلي لم يؤيد هذا الكلام.
للفقيد اربعة اولاد. وكان من المفترض ان يقيم حفلة امس الاول الخميس بمناسبة تخرج احدهم من الجامعة. وهو نفسه كان قد صرف افراد حمايته وكان بانتظار سائقه الذي بعثه في مشوار خاص ليأتيه بعد الغداء وينقله الى المنزل ليبدأ اجازته الشهرية.
وكان الفقيد قد عاد الى الخدمة في سلك الشرطة عام 2005 برتبته السابقة كمقدم، ثم رقي الى عقيد وشغل لفترة منصب آمر الفوج الأول في اللواء الخامس في الشرطة الوطنية(مغاوير). وهو لواء ساهم في اخماد المنازعات الطائفية في منطقة البياع خلال فترة الأزمة الطائفية.
ثم اخرج من قيادة اللواء الذي يضم نحو الف عنصر الى ضابط ميرة " يوقع بريد" على حد تعبير احد اصدقائه. وعلى ما يقول الأهل فانه كان شديد المقت للطائفية وهم يبدون معه في حمل المشاعر ذاتها بهذا الخصوص. وتعتبر حوادث الإنتحار نادرة في البلدان العربية والإسلامية. كما ان الشعور بالغضب اقوى من الشعور بالشفقة تجاهها.
https://telegram.me/buratha