أكد رئيس الجمهورية جلال طالباني أن خير ما يهدى لذكرى استشهاد آية الله العظمى محمد باقر الحكيم، هو بذل الجهد لإنجاح مشروع المصالحة الوطنية. فيما يلي نص كلمة رئيس الجمهورية في ذكرى استشهاد شهيد المحراب: "بسم الله الرحمن الرحيم "و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عن ربهم يرزقون"
صدق الله العظيم
أيها الحفل الكريم:مثلما أشاع في حياته، و هو يتصدى لأعتى دكتاتورية باطشة، فضيلة التحدي و العزيمة و الإيمان و الثقة بالانتصار على الطغيان، جسد باستشهاده المثل بالتضحية و الفداء و نبل القصد، و خلف إرثاً من قيم البسالة. و تقاليد العمل المشترك المبني على روح التسامح و احترام الآخر و نصرة المظلوم، و اعتماد المعايير الأخلاقية السياسية التي تميز بين من ساموا الشعب العذاب و الأمرّين ، و أولئك الذين انساقوا دون دراية أو وعي، أو سوء تدبير، أو خشية جلاد ، أو بدافع العيش و المرارة، في دوامة الطغيان. و في ذكراه الثرة، كم نحن أحوج ما نكون اليوم إلى شهيد المحراب الجليل الحكيم آية الله العظمى محمد باقر الحكيم، خلُدت ذكراه، و إلى بصيرته و حكمته و آرائه الصائبة.
لكن غيابه، وقد أنتقل إلى جنات الخلد، إلى جوار ربه الجليل الغفور الرحيم، لم يغيب عنا إشعاعات فكره و نهجه و تصوراته فيما ينبغي أن يكون عليه العراق الجديد، عراق ما بعد سقوط الصنم المتهرئ أصلاً. لقد عايشته مثلما، فعل قادة الأحزاب و الشخصيات الوطنية المقارعة للدكتاتورية، طيلة العقود التي حكم البلاد طاغيته، و تواصلنا معاً حتى استشهاده، و نحن نتفاعل في كل ما يعني الشأن العام، وإعادة بناء العراق وسبل مقارعة قوى الظلام و التكفير من الإرهابيين و الصداميين و أزلام القاعدة و المصّدَرين لنا من وراء حدود لا تريد لشعبنا العيش الكريم و لا لبلادنا الأمن و السلم و الاستقرار و الرفعة و العّزة الوطنية .
لقد لمس كل من كان على علاقة نضالية به، كم كان حريصاً على تحقيق العدالة، و إحقاق الحق و إنصاف المظلومين ، و إشراك كل مكونات الطيف الوطني في إنجاز ما تتطلبه المسيرة الديمقراطية في العراق الجديد وتحقيق وحدة وطنية قومية تضم العرب و الكرد و التركمان، السنة و الشيعة منهم بل المسلمون و غير المسلمون أيضاَ.
و كم كان مثابراً في الممانعة للإقدام على أي خطوة أو رد فعل يجر البلاد إلى هاوية المواجهة بين أبناء الشعب على أساس الهوية الطائفية أو الدينية أو المناطقية أو السياسية. و لولا قوة بصيرته و تأكيده دائماً على أن الإسلام هو دين السماحة و المساواة، و أن الدين لله و الوطن لكل أبنائه، ولولا إصراره على التمييز بأن الإرهابيين مهما كانت أقنعتهم وبين انتماءاتهم الطائفية وعدم اخذ البريء بجريرة القاتل، لما أمكن في كل الظروف و الأحوال ، الحيلولة دون الانجرار وراء العواطف الملتهبة بفعل أعمال القتل و التفجير و التفخيخ التي استهدفت بني جلدته و مريديه و أتباع أهل البيت أولاً و سائر العراقيين ثانياً.
إن الاستشهاد، كقيمة إيمانية و إنسانية رفيعة لم يكن يوماً بمفهوم الإسلام و الأديان السماوية و الشرائع الإنسانية، دعوة للانتحار أو القتل، بل سمواً و رفعة لكل ما يرسى أسساً صلدة لخير الناس وتقدم و تطور البشرية .
و إذا كان استشهاد إمام الشهداء و سيد شهداء شباب الجنة الحسين عليه السلام، تضحية بالنفس في مواجهة التجبّر و مصادرة رأى المحكومين و إدارة شؤونهم الدنيوية، و التبصير بمسلمات دينهم، فإن المنافقين المسيئين للإسلام و الأديان السماوية كلها الذين ينشرون الموت و الدمار و الخراب في عراقنا العزيز تحت أي واجهة كانت، ليسوا سوى كفرة بالإسلام ومشوهين لقيمه السامية، و آياته البينات التي ترفع من قيمة الإنسان، باعتباره أكرم معجزات الخالق العظيم.
إننا إذ نحيّي ذكرى الحكيم الجليل، آية الله العظمى محمد باقر الحكيم قدست ذكراه، إنما نسترجع العبر و الدروس التي من شأنها استنهاض قوى شعبنا الخلاقة، و رص صفوف قواه الوطنية بكل الطيف العراقي المتعدد المتنوع، و بكل التنوعات السياسية و الدينية و الفكرية و الطائفية، في وحدة صلدة لوضع البلاد على طريق المعافاة و السلم الأهلي و المشاركة في القرار و المصير، و في مجابهة الإرهابيين و القتلة و المتربصين بالعراق الجديد أعداء الوطن و الجميع لا فرق بين هوية و هوية طائفة و أخرى فريق و أخر.أن خير ما نهديه لهذه الذكرى العطرة، بذل الجهد بمثابرة و دون كلل من أي صعوبة، لإنجاح المصالحة الوطنية التي أطلقها الأخ العزيز المالكي، رئيس الوزراء، و لقي كل التجاوب من لدن الأحزاب و القوى و التيارات الوطنية المشاركة في البرلمان أو المتفاعلة من مواقعها في عدم المشاركة أو المعارضة بروح إيجابية. هذه المصالحة المرجوة التي كان شهيد المحراب الخالد من روادها الأوائل قبل إسقاط الدكتاتورية و بعدها. وإنني أتذكر جيداً انه كان يحثنا في كل لقاء على ضرورة تعزيز التحالف الكردي العربي و جعله تحالف الشيعة و السنة منهم، و أتذكر جيداً حرصه الشديد على العمل المشترك من أجل العيش و الخير المشترك مع إخوتنا العرب السنة الذين عانوا مثل سائر العراقيين من بطش النظام و أزلامه ومن جرائمها و خياناتها للوطن و إجرامها بحق الشعب العراقي جميعاً.
وكان شهيدنا الغالي و بحكم بصيرته النافذة و فكره النير و تفهمه العميق لحقائق العراق و مستلزمات تعزيز وحدة الوطنية و إقامة الحكم فيه على أسس ديمقراطية و مشاركة الجميع فيه، كان شهيدنا الخالد من أوائل و طليعة المجاهدين من أجل الحقوق القومية و المساواة المذهبية للجميع و بين الجميع . لذلك حمل عالياً راية الجهاد من أجل إنهاء الدكتاتورية و آثارها و إقامة عراق جديد خال من الطغيان و التفرقة القومية و التمييز الطائفي على أسس الديمقراطية و الفدرالية و المشاركة الحقيقية في حكم البلاد.
و جسد في شخصه العظيم معاني و قيم الوحدة الوطنية و النضال المشترك و التسامح و التآخي بين الجميع. و اليوم حيث تمر ذكراه المجيدة علينا جميعاً ما أحوجنا إلى التعلم منه و الاسترشاد بأفكاره و الاستمرار على نهجه الجهادي و الوطني لتظل المسيرة حاشدة و متواصلة حتى تحقيق النصر النهائي على الصداميين المجرمين و الإرهابيين التكفيريين و عصابة الاغتيال و الاختطاف حتى تحقيق جميع الأهداف النبيلة التي خصص لنيلها شهيد المحراب المفضال طاقاته و قدراته الفكرية و العملياتية بل و حتى حياته الغالية. ونحن إذ نحيي هذه الذكرى الفواحة بعبق البطولة و الاستشهاد و الفداء، نعبر عن تعاطفنا و دعمنا لإخواننا في لبنان ضد العدوان الإسرائيلي و نتضامن معهم للتخلص من آثار العدوان و الاحتلال و بسط سيادة دولتهم على كامل تراب لبنان و ندعم مبادرة الحكومة اللبنانية للوصول إلى حل مشرف العاجل و السريع و الوقف الفوري للقتال.
أيها الشهيد الجليل، شهيد المحراب، لك الخلد في جنة الخلد، و لك في قلوبنا جميعاً المحبة و الاعتزاز، و في ذاكرتنا كل القيم الخيرة السامية التي آمنت بها، و عملت من أجل إشاعتها وعهداً بمواصلة النضال و الجهاد حتى النصر المبين.
بسم الله الرحمن الرحيم "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيمو السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهجلال طالبانيرئيس جمهورية العراق"
https://telegram.me/buratha