النور: خاص لم يصل التحقيق مع (رانية إبراهيم مطلب) المراهقة (الانتحارية) التي قبض عليها في بعقوبة الى تحديد ماهية قضيتها (هل هي وغدة؟) كما يقول المحلل السياسي جوناثان ستيل مراسل صحيفة الغارديان البريطانية في بغداد، أم (هي ضحية من ضحايا القاعدة وإرهابييها) ومنهم زوجها الذي أخبرها أنه ينتظرها في الجنة، فكانت (رانية) بعد أن قبض عليها، هي التي أخبرت رجال الاستخبارات، أن زوجها ربما يكون في مدينة (هيت) ولهذا قبضت عليه الشرطة، ولم يكن قد سبق (زوجته) الى الجنة. وإذا كانت تصورات استخباريي القوات الأمنية العراقية، أو استخبارات القوات الأميركية، تنحصر في أن حوافز انخراط النساء وبكثرة -40 انتحارية حتى الآن نفذن عملياتهن فعلا منذ 2003- في تفضيل القاعدة لهن بسبب سهولة اجتيازهن لشبكة نقاط التفتيش الأمني، فإن المحلل السياسي البريطاني يجد أن الأمر ربما يكون أعمق بكثير حتى من تلك التصورات الاستخبارية الأميركية التي تحدثت عن الاعتداء الجنسي والخوف من الفضيحة والانتقام لقريب أو بسبب تأثيرات الزوج أو الأهل.
ولهذا عمد (ستيل) الى كل صغيرة وكبيرة في تجربة المراهقة (15 سنة) التي وجدت نفسها بعد كل جملة تنطق بها أمام اللجان التحقيقية (الأميركية أو في مركز الشرطة مباشرة أو في المؤسسات الأمنية الأكبر) تصيح: ((أريد أمي)). وركزّ المحلل السياسي البريطاني سؤال بحثه في التقصي عن الحقيقة على نقطة حساسة جداً (هل الانتحارية وغدة أم ضحية) في مجتمع تخضع فيه النساء –لاسيما الريفيات- لدرجة عالية المستوى من الاضطهاد، والى مستوى تلاشي شخصيتهن تماماً. وفي حال مثل حال (رانية) التي تعد أصغر من مراهقة، ليس لأنّ عمرها الجسدي أو البدني 15 سنة، ولكن لأن عمرها العقلي ربما يكون أدنى من ذلك، لأنها أمية تماماً وإنسانة متحدرة من عائلة ريفية فقيرة، تعيش في قصبة قصية من قصبات محافظة ديالى التي تطحنها العلاقات العشائرية والدينية المتطرفة. لقد وجدت (رانية) نفسها –كما يؤكد جوناثان ستيل- تقترب من نقطة التفتيش تحت تأثير المخدّر الذي سقيت (زقومه) وربما كانت قد تعمدت إخراج طرف (سلك المتفجرات) الى ما فوق ثيابها، ليراه الشرطي الذي ارتاب منها ثم صاحت: ((أنا انتحارية وأربط حزاماً ناسفاً)). وبشهادة (سجى قدوري) المرأة الوحيدة العضو في اللجنة الأمنية (ممثلة عن مجلس محافظة ديالى) والتي حضرت جوانب من التحقيق الأولي في مركز الشرطة ببعقوبة، أن (رانية) كانت تتحدث ببطء وتشعر بالنعاس، وثبت أنها تناولت (مخدرات) أي أنها قد تناولت نوعاً من أنواع الحشيشة التي تدفعها الى أن ترمي بنفسها الى التهلكة، لكنها ما أنْ أفاقت من المخدر، حتى صرخت كطفلة أريد أمي.
إن المحلل السياسي إذ يتناول القصة الكاملة للانتحارية الوحيدة في العراق التي لم تستطع تنفيذ (مهمتها) والتي أدلت بمعلومات أسفرت عن القبض على زوجها الإرهابي في تنظيمات القاعدة بمدينة هيت، ذهب الى أبعد من المشكلة الفردية، ليبحث في مشكلة (نساء عراقيات) ينتمين للقاعدة أو يتطوعن في مهمات انتحارية مع أنهن يعيشن في مجتمع علماني مثل المجتمع العراقي، لكنه يصل –على الرغم من ذكره لكثير من حقائق تطور المرأة العراقية في المدينة ومساهمتها في أنشطة المجتمع كافة بما فيها الأنشطة السياسية- الى أن حال التخلف الثقافي والاجتماعي في الأرياف تنعكس على حياة المرأة سلباً، فتعامل هناك كقطعة من الأثاث، وقد تكون أرخص من ذلك بكثير، عندما تقتل وترمى جثتها في العراء، لمجرّد أن ترتكب خطأ (أخلاقياً) يكون مجلبة للعار من دون الرجوع الى معالجات الدين وقوانين الدولة.
https://telegram.me/buratha