على ضفاف الفرات بنيت الحيرة ملتقى الشعراء ومرابض الأبل ومزدلف الأسِّنة. الحيرة التي أسست مملكة العرب وناطحت الروم وبقيت عصية على فارس، وكانت مملكة مستقلة رغم إحاطتها من جميع الجهات بإمبراطوريات كانت تتزعم الكون في ذلك الزمان.
الحيرة التي امتد سلطانها إلى أواسط الجزيرة العربية وكان لملكها عامل على البحرين وسلطان على مملكة كندة. الحيرة اليوم تلبس ثوبا جديدا مطرزا بمنمنمات الماضي وبمخشلات التاريخ، يحدوها أمل باستعادة تاريخِها الذي لا يأفل الا وعاد أكثر توهجا. حول أهمية الحيرة تحدث لـ "راديو سوا" المؤرخ علي عباس حسن:
"أطلق ملوك المناذرة على أنفسهم لقب ملوك العرب، فنجد شاهد قبر امرؤ القيس الأول المتوفى سنة 288 م، نقش على الشاهد هذا قبر امرؤ القيس بن عمر ملك العرب كلهم، وهذا الشاهد أعطى دلالة للعلماء بإن الحيرة هي مهد الخط العربي."
في الوقت الذي تخضع فيه مدن أخرى في الازبك والهند ومصر للتنقيب والتمحيص، فإن الحيرة التي تقع جنوب النجف لا زالت تقبع على تلال من الخزائن النفيسة دون أن يكون في ذلك محفز لمن يهمه أمر استكشافها، سواء في العراق أم في خارجه لإماطة اللثام عن ماضيها العريق.
ولإيضاح هذا المسألة اوضح منقب الآثار الدكتور شاكر جباري، قائلا: "إشتهرت الحيرة بالأديرة والكنائس والقصور، ومن أشهرها قصر الخورنق والسدير ودير هند، وتم الكشف عن مرفق معماري ضخم يتألف من 46 غرفة مختلفة القياسات والمساحات ويرجح أن يكون هذا المرفق أحد أديرة الحيرة لما يتضمنه من صلبان متعددة وزخارف نباتية وهندسية."
وفضلا عن أهمية الحيرة التأريخية فإنها تشكل مركزا إبداعيا أدبيا يحدثنا عنه المفكر الإسلامي الشيخ فرحان الساعدي: "هنا في هذه الوهاد تأسست إمكانية ضخمة ليس في مجال الدولة فقط وإنما في مجال الأدب، وكانت تنبثق منها معالم أدبية لشعراء كبار من أمثال النابغة والحارث بن حلزة ولبيد".
في الحيرة هنا حيث الأدب والفروسية وحيث الجمال وشقائق النعمان والمياه المتلألئة في الجداول المنتشرة عبر البساتين هنا يحسن للتأريخ أن يستلقي في أحضان الأدب ليشكلا معا ثوبا يرفل به من يشتغل في حقل التراث والتأريخ.
https://telegram.me/buratha
