ان خمسين عاما من تاريخ العراق الحديث، يشكل رصيدا غنيا من التجربة التاريخية، التي تختزل الامال والالام، وتنطوي على رحلة تخللتها، ومضة مشرقة، وفواجع انهكت شعبنا وبددت ثرواته وعطلت مسيرة تطوره.
ورغم المكاسب التي حققتها الثورة، فأن قوى الظلام والردة، نجحت في اجهاضها ووأد مكتسباتها، بفعل الاخطاء والثغرات التي ارتكبتها قواها وقيادتها، ليس بمعزل عن ضعف الخبرة وعدم القدرة على تحديد وجهةالتطور بالاستناد الى الظروف الموضوعية وطبيعة المرحلة ومتطلباتها.
لقد كانت ثورة 14 تموز حصيلة العمل المشترك لكل القوى والاحزاب الوطنية والقومية، بالتظافر والتنسيق مع الضباط الوطنيين الاحرار وبالاستناد الى دعم اوسع تحرك جماهيري مبادر.
ولم تكن مجرد مصادفة عرضية، ان التمهيد السياسي لانتصار الثورة، تجسد في ميلاد جبهة الاتحاد الوطني، الاطار المشترك للحركة الوطنية التي ساهمت عبر نضالات وتضحيات في بلورة الوعي الوطني وصياغة الشعارات والاهداف المعبرة عن ارادة الشعب العراقي.
لقد تحققت الاهداف الكبرى للثورة بالاستناد الى تلك الوحدة الوطنية والارادة الشعبية، التي شهدت نهوضا لا مثيل له، تغذيها الامال والطموحات لبناء عراق حر ديمقراطي متقدم.
لكن تلك الوحدة التي تفككت، والارادة التي انقسمت، هي التي عصفت بالثورة وبقواها، وادت الى اشعال فتيل الاحتراب والانقسام، وانتهت مأساويا، بوأدها في انقلاب 8 شباط 1963 الدموي.
ان عراق اليوم ، وهويستعيد ذكرى ثورة 14 تموز، يبدو اقرب الى تحقيق تجربة ديمقراطية رائدة في وطن يجسد تطلعات وطموحات ابنائه الذين لم يستطع الاستبداد والقهر والتضحيات الجسيمة النيل من عزيمته.
ان التفاؤل يتحول هذه الايام الى قوة دفع خلاقة للعراقيين وهم يتابعون الهزائم التي تلاحق الارهابيين والميليشيات والمجموعات الخارجة عن القانون والخطوات التي تتخذ لاستعادة هيبة الدولة واعادة بناء اجهزتها ومؤسساتها على اسس وطنية.
وتجربة تموز التي نحتفل اليوم بذكراها العطرة تؤكد على ان ذلك يتطلب تكريس التوافق بين مكونات وقوى شعبنا لتحويله الى ارادة موحدة على العمل المشترك، لا تستطيع اي قوة ان تضعف من شكيمتها.
فالتنوع والاختلاف وتباين الاراء ووجهات النظر في اطار وحدة العمل، قوة لشعبنا واداة فعالة لمواجهة التحديات وتذليل الصعوبات.
ان ذكرى ثورة14 تموز ينبغي ان تتحول في وجداننا ونشاطنا الى رافد ايجابي يغني العملية السياسية الديمقراطية الجارية ويعززها ويحصنها.
اننا ونحن نستذكر دروس الثورة ونحتفل بما هو مشرق في صفحاتها، نبني تجربتنا الواعدة ونتطلع بثقة الى مستقبل يزدهر فيه عراق اتحادي ديمقراطي متقدم ومتطور.
جلال طالبانيرئيس الجمهورية14 تموز 2008"
https://telegram.me/buratha