بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه واشرف بريته محمد وعترته الطاهرين وبعد :لا يخفى على المؤمنين الكرام في جميع أقطار العالم أن للحوزات العلمية دور أساسيا وهاما في نشر الأحكام الدينية والثقافة الإسلامية .وأخص بالذكر الحوزة العلمية الكبيرة في النجف الأشرف على أساس أنها أم الحوزات وأقدمها تأسيساً لأنها قد أسست قبل أكثر من ألف سنة وتخرج منها الآلالف من العلماء الكبار والمراجع العظام والأساتذة والخطباء في كافة أنحاء العالم بهدف نشر الأحكام الإسلامية والثقافة الدينية والمثل والقيم الأخلاقية .وتمر هذه الحوزة العلمية المباركة طوال هذه القرون بفترات عصيبة وحرجة بين فترة وأخرى من حكومات الوقت الظالمة حيث انها كانت تحاول بين حين وآخر السيطرة عليها وجعلها أداة لها و تجريدها عن مقاماتها المعنوية و مكانتها القدسية في قلوب المؤمنين .ولكن بفضل جهود العلماء العظام والمراجع الكبار و ما تحملوا من ضغوطات وإنتهاكات وتجاوزات مقيتة وتصفيات جسدية وحملات تشويهية من جانب ، ووقوف المؤمنين الكرام خلف قيادتهم الدينية و مراجعهم العظام كالبنيان المرصوص من جانب آخر قد بائت تلك المحاولات بالفشل الذريع لأن العلماء كانوا مصممين و بإرادة لا تلين وبإيمان راسخ للتضحية والفداء في سبيل الحفاظ على الحوزة العلمية وإستقلاليتها وعدم إرتباطها بالدولة ولا بالأحزاب السياسية لا في نظامها التعلميي ولا الإقتصادي ولا السياسي والدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة ولهذا كانوا لا يقبلون من الحكومات أية معونة مالية وغيرها .ومن أصعب الظروف التي مرت على الحوزة العريقة هي فترة الحكم البعثي في العراق فإن هدف البعث المشؤوم طوال فترة حكمه كان يتمثل بهدم الحوزة نهائياً بجعلها أداة بيده يلعب بها لأهدافه الخبيثة ولهذا حاول تفكيك الحوزة المباركة وقام بقمع فضلائها بالقتل والتشريد والسجن و بأساليب مختلفة وتهم متنوعة بين حين وآخر ولا سيما في زمن الحرب حيث زاد من ضغوطاته وانتهاكاته وأساليبه القمعية على الحوزة وعلى زعيم الطائفة السيد الخوئي(قده) حيث أخذ يطالبه بتأييد موقف النظام في الحرب ومن الواضح ان هذا التاييد لا يمكن صدوره من السيد(قده) لأن فيه إسقاطاً لمعنوية زعامته الدينية وتسليماً للحوزة بيد البعث المجرم مجاناً ، وقد زاد في إجرامه وأقدم على إعدام خمسة من العلماء والفضلاء من حواشي السيد المقربين ومعاونيه بهدف اضعاف موقفه و لكن بحمد الله ومنه كل ذلك باء بالفشل وقد حافظ السيد(قده) على مكانة الحوزة وإستقلاليتها ومكانة المرجعية وصلابة موقفها .وبعد سقوط النظام اخذت الحوزة تستعيد عافيتها وترجع إلى سابق عهدها تدريجاً حيث بلغ في الوقت الحاضر عدد الطلبة إلى قرابة خمسة آلاف طالب رغم قلة المدارس وعدم توفر السكن لأن النظام قام بتهديم الكثير من المدارس الدينية .ثم ليعلم المؤمنون الغيارى إن الحوزة العلمية المباركة تمثل المذهب وتحافظ على إعتداله وسلامته من الأفكار المتطرفة والمنحرفة ولهذا وذاك تتطلب مسؤولية الكل شرعاً أمام الله تعالى وأمام هذه الحوزة الحفاظ على كيانها ومكانتها ،ا لأنه حفاظ على المذهب وهو وظيفة الجميع من دون استثناء ، غاية الأمر إن مسؤولية العلماء والمراجع العظام بذل العلم ونشر الثقافة الإسلامية والحفاظ على نظامه التعليمي والإقتصادي وتطويره وتوسيعه حتى يعالج مشاكل المؤمنين في كل عصر ، ومسؤولية المؤمنين الكرام من الأثرياء والتجار والكسبة تأمين ميزانيتها وهي متمثلة في الحقوق الشرعية وعلى رأسها سهم الإمام(ع) وليست من أموالهم الخاصة حتى لا يكون لأحد منّة لا على الحوزة ولا على العلماء لأن إخراج الحقوق الشرعية وإرسالها إلى المراجع العظام واجب إلهي عليهم كسائر الواجبات الشرعية .نعم اذا أراد هؤلاء المؤمنون الأخيار إنشاء مدارس دينية أو سكن للطلبة في الوقت الذي تكون الحوزة في امسّ الحاجة إلى هذه المشاريع الدينية فإن كان من أموالهم الخاصة فهو صدقة جارية عظيمة له يصل ثوابها إليهم في الآخرة وبركة في عمرهم وأولادهم ومالهم في الدنيا ومصداق لقوله تعالى : ((إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) وإن كان من الحقوق الشرعية كسهم الإمام(ع) – حيث ان التصرف فيه بحاجة الى سبق الاجازة فاذا طلبوا منا الاجازة – فنجيز لهم بكل احترام وتقدير في صرفها في هذه المشاريع الهامة الدينية الثقافية حيث انها خدمة للدين والمذهب ولهم اجر وثواب عظيم .وفي الختام نسأل الباري عزوجل أن يمن على الباذلين المؤمنين بالصحة والعافية والبركة والتوفيق والله هو الموفق والمعين .
محمد اسحاق الفياض14 جمادى الاخرة 1429 هـ
http://www.alfayadh.com/site/index.php?show=news&action=article&id=111