وبلغت احصاءات القتل المجهول في الأنبار ارقاماً مخيفة. ففي الفلوجة وحدها قتل السنة الماضية تسعة خطباء ابرزهم مفتي المدينة الشيخ حمزة العيساوي واياد العزي العضو في الحزب الاسلامي، كما يتعرض العلماء في الانبار من جهة اخرى الى الاعتقال على نطاق واسع من جانب القوات الاميركية والعراقية بسبب خطب قد تصنف كتحريض على العنف.
وغيّرت هذه المخاطر التي يتعرض لها خطباء المساجد في الانبار نمط خطب الجمعة في هذه المحافظة، ويقول الشيخ (ث ج) خطيب احد مساجد الفلوجة «ان خطب الجمعة في الانبار تحولت من خطب ملتهبة توجه الانتقاد من دون ان يخشى في الله لومة لائم الى خطب رتيبة يشوبها الحذر ويخشى الخطيب فيها ان يخرج عن موضوع الخطبة الفقهي الى ما يغضب التنظيمات التكفيرية التي لا تنتظر طويلاً قبل ان تعتبره مرتداً وتبيح هدر دمه». ويضيف: «وعلى رغم ان القوات الاميركية اعتقلت عشرات الخطباء من الانبار بسبب تحريضهم ضدها وحضهم الناس على التصدي لها الا ان نبرة التحدي لم تغب عن خطب الجمعة فيما يخص التصدي لقوات الاحتلال وانتقادها، علماً أن الكثير من هؤلاء الخطباء باتوا يتجنبون الخوض في هذه المواضيع الا عند وجود مستجدات تستوجب ذلك». ويلفت الى ان «الخطر الذي يمثله الاحتلال هان على خطباء الجمعة وتصاغر امام الخطر الذي مثلته الجماعات التكفيرية التي ليس لديها عقوبة اقل من الموت لمن يخالفها الرأي او الاجتهاد. اذ فقد الشيخ حمزة العيساوي حياته لأنه اجتهد بأن عدم المقاومة في معركة الفلوجة الثانية اجدى للمدينة. كما قتل الشيخ شوكت العاني بعدما حرم قتل الشرطة والجيش من دون توفر بينة على تعاونهم مع القوات الاميركية. كما قتل كثيرون ضحية كلمات حق قيلت من على المنابر».
وادى الخوف من غضب الجماعات المتشددة الى حد أخذ بعض الخطباء بالترويج لأفكار هذه الجماعات والتملق لها والخروج عن الاعتدال والوسطية اتقاءً لشرها. غير ان الاكثرية التزمت الصمت ازاء الاحداث التي تشتعل بها المنطقة.
فعامرية الفلوجة، مثلاً، تعيش منذ اكثر من شهر اجواء متوترة بين عناصر تنظيم «القاعدة» وبعض عشائر المنطقة. وعلى رغم مقتل العشرات في هذا الصراع لم يأت على ذكره احد من خطباء الجوامع، لأن الجميع يعلمون ان انتقاد «القاعدة» يعني القتل حتى ولو جاء هذا الانتقاد تلميحاً لا تصريحاً.
وتتكرر هذه الحالة في الرمادي، معقل الجماعات المسلحة، ولكن على نطاق اوسع، كما يقول الشيخ (أ ج) إمام وخطيب احد مساجدها : «فالوضع في الرمادي بات غير مقبول تماماً. فالخطباء فيها بين مطرقة الجماعات التكفيرية وتشدد القوات الاميركية واعتقالاتها العشوائية». ويضيف: «ان من يريد ان يقول كلمة حق في الرمادي يتعرض لموت محقق، اذ قتل الشيخ عبد الغفور الراوي، احد ابرز الدعاة في الرمادي، والعضو البارز في «الحزب الاسلامي» لمجرد انه دعا الى المشاركة في العملية السياسية قبيل الانتخابات الأخيرة. كما قتل الشيخ نصر الفهداوي، وهو شيخ عشيرة البو فهد واستاذ جامعي متخصص في الكيمياء النووية بالاضافة الى كونه امام احد المساجد في منطقة السجارية شرق الرمادي».
ولا يجد رجال الدين في الرمادي من وسيلة يقاومون بها القتل المتفشي سوى اللوذ بالصمت وتناول المواضيع العامة، ومع ذلك يفسر هذا الموقف من جانب «القاعدة» بأنه «حياد سلبي» اذ يفترض بهم ان يناصروا الجهاد ويقفوا ضد المحتلين ويحرضوا الناس ضدهم.
اما في العامرية، التي شهدت مقتل اربعة علماء خلال هذه السنة ابرزهم أياد العزي وشوكت العاني وعمر حوران العاني فيقول أحد علمائها الشيخ (زع) ان «هنالك اشاعة في العامرية بأن «القاعدة» اصدرت فتوى بقتل كل من لا يحرض على الجهاد ويدعم المجاهدين من علماء الدين والخطباء هناك» موضحاً أن الشرطة التي اعتقلت اثنين من قتلة الشيخ العزي أكدت انهما عراقيان من عشيرة تسكن منطقة ابو غريب ينتمي الكثير من افرادها الى «القاعدة».
وفي تكريت (تكريت) التابعة الى محافظة صلاح الدين (196 كلم شمال بغداد) تصاعدت ظاهرة الاغتيالات العشوائية في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ لتشمل شخصيات مهنية وحرفية من سكان المدينة والوافدين إليها من المدن الأخرى، كان أبرزها اغتيال الطبيبة في مستشفى تكريت أميرة الربيعي (وهي الزوجة الثانية لمحافظ صلاح الدين حمد حمود الشكطي) فضلاً عن اغتيال نجار وضباط شرطة وفتاة تبلغ العشرين من العمر وتعليق رأسها في سوق (الجمعة) وسط المدينة.
ويرى بعض سكان تكريت ان ما تشهده مدينتهم هو نتيجة لدخول عناصر غريبة إلى المدينة مع النازحين من مدن بعقوبة والمقدادية والرمادي، بينها عناصر اجرامية ترتبط بالجماعات المسلحة وتمارس الاغتيالات بطريقة عشوائية.
ويقول الضابط في شرطة المدينة الملازم علاء ان «عمليات الاغتيال جديدة في المدينة من حيث الأسلوب، وتطال المواطنين من الشيعة والسنة». ويؤكد ان بعضها يندرج ضمن اطار الجرائم الجنائية لأغراض السرقة او الثأر، فيما تتهم بعض الجهات الرسمية في المحافظة عناصر «القاعدة»، التي تتسلل من منطقة حمرين القريبة من مدينة الطوز (150 كلم شمال بغداد)، بالمسؤولية عن هذه الحوادث.
وجاءت هذه الاغتيالات بعد أيام قليلة من إصدار مفتي الديار العراقية الشيخ جمال الدين الدبان فتوى بتحريم عمليات خطف المواطنين وقتلهم تحت أي ذريعة ومن أي جهة كانت.
الحياة
https://telegram.me/buratha