في مواجهة رحيل الالاف من زملائه في اطار موجة واسعة من "فرار الادمغة" يبدو الطبيب منير فرج مصمما على الاستمرار في عمله في العراق لمعالجة الادمغة التي تفضل البقاء.وبقليل من الامكانيات وكثير من التفاني بات هذا الطبيب البالغ من العمر 40 عاما والمتخصص في جراحة الاعصاب الوحيد في بلاده التي تعمها الفوضى واعمال العنف الذي يجري جراحات بالغة الدقة على هذا الجزء المعقد من جسم الانسان.وفي حديث لوكالة فرانس برس قال الرجل المتخرج من كلية طب بغداد المتوقد النظرات وراء نظارته الصغيرة وشنبه الدقيق "انه رهان يجب ان نربحه".وليتمكن من كسب هذا الرهان تعين عليه منذ نيسان/ابريل 2003 ان يسهر شخصيا على نظافة مستشفاه الذي تعرض للنهب وان يلعب ايضا دور المهندس لتحسين اداء تجهيزات تجاوزها الزمن والسعي لدى الدبلوماسيين للحصول على ما يحتاجه من دعم.تلقى الطبيب تهديدات من مجهولين اجبرته على اللجوء الى سوريا مع زوجته وولديه لفترة اربعة اشهر قبل ان يعود ليستأنف عمله مجددا.وكان الاطباء -- على غرار "الدكتور منير" كما يطلق عليه فريقه -- مستهدفين بشكل خاص باعمال العنف التي كانت تحاول حرمان المجتمع المدني من الساهرين الاساسيين على حياته والحؤول دون تشرذم طوائفه.وفي مستشفى يقع وسط الحقول بشمال بغداد ينجز الدكتور منير مع فريق صغير عمليات جراحية يمكن ان يحصل مقابلها في الخارج على مبالغ سخية.لكنه يقول "اريد البقاء في العراق". قبل ان يجري عملية تستغرق عشر ساعات, لزرع شريحتين كهربائيتين صغيرتين في دماغ مريض مصاب بمرض باركنسون.وتابع الجراح الذي يقضي اوقاته بين مستشفى الاعصاب ومكتبه الخاص في وسط بغداد "يبدو لي انني اذا رحلت لن اتمكن من انجاز ما اصبو اليه".ويشرح الطبيب في ثوبه الاخضر للمريض اثير شعلان (45 سنة) الذي ترتعش يداه دون ان يتمكن من السيطرة عليهما تفاصيل الجراحة التي سيجريها له بينما يقر المريض النحيل الحليق الراس الجالس على كرسي متحرك مرتديا بيجامة ذات خطوط زرقاء هامسا بانه "خائف".ويتكلم الجراح بصوت عذب وحركات حازمة وهو يثبت فوق راس المريض طوقا بلاستيكيا لمنعه من الحركة خلال المرحلة الاولى من العملية: الفحص بالرنين المغناطيسي لالتقاط سبعين صورة مقطعية لدماغه.واخرج الجهاز المستخدم صورا غير دقيقة قام الدكتور منير بتحسينها يدويا وهو يقول ضاحكا "هذه هي الشطارة العراقية".يحلم الطبيب بجمع ثلاثة ملايين دولار لتجهيز قسمه باجهزة اكثر حداثة تمكنه من استخدام مشرط باشعة غاما اشتراه قبل 2003 لمعالجة اورام الدماغ.وتبدا جراحة اثير باجراء ثقب في الراس باستخدام آلة معدنية ثاقبة. واوضح الجراح ان "المريض خاضع لتخدير موضعي ولا يشعر بشيء. الدماغ مركز كافة احاسيس الجسد لكنه هو ذاته عديم الاحاسيس".ويدخل الطبيب ميليمترا بميليمتر خمسة منافذ كهربائية على كل جانب من الدماغ لتحديد الاماكن التي سيتم فيها الزرع باكثر دقة ممكنة.واضاف "قليلا ما تجرى هذه الجراحة نجز في دول المنطقة وفي العراق ورغم الوضع هذه خامسة عملية من نوعها نجريها هنا" وهي مجانية.وتابع الجراح "عندما يتم تثبيت المنافذ الكهربائية سيتم وصلها بمحفز يوضع على صدر المريض" معلنا لاثير الذي بدا عليه التوجس "اننا جاهزون".وفي اليوم التالي في رسالة الكترونية لوكالة فرانس برس اوضح الدكتور منير "بفضل الله جرت العملية وبقي المريض واعيا وطلب ان يشرب "بيبسي كولا"