جددت المرجعية الدينية العليا تأكيدها على ضرورة التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد محذرة كذلك من مخاطر تهدد المنظومة الاجتماعية وتؤدي الى ضعف التماسك الاجتماعي داعية كذلك الحاجة الى حوار موضوعي ودقيق وايجابي ونقد بناء بعيداً عن الانتقاص والاستفزاز.
وذكر ممثل المرجعية في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة التي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف اليوم " بيّنا في الخطبة السابقة ان الاسلام حرص على اقامة الروابط والعلاقات الاجتماعية المتماسكة بين المؤمنين المنتمين اليه لكي يحفظ هذا الحرص الشديد من الاسلام على اقامة علاقات اجتماعية متماسكة.. من اجل ان يحفظ للمجتمع تماسكه وقوته حتى يستطيع ان يواجه المشاكل الداخلية والخارجية والتحديات والمصاعب التي يمر بها الفرد والمجتمع.. وفي نفس الوقت يعطي القدرة للفرد والمجتمع ان ينهضا بأعبار التنمية والتطور والاستقرار والازدهار، في نفس الوقت حذّر من المخاطر الكبيرة في الدنيا والاخرة من التحديات والخروقات وعدم الالتزام بالمنظومة الاجتماعية منظومة التعايش الاجتماعي".
واضاف " نحن بيّنا منظومة التعايش الاجتماعي والثقافي بين مكوّن له دين مع مكوّن له دين آخر وبين مكوّن له انتماء قومي معين مع مكون له انتماء قومي آخر وبين مكوّن له انتماء مذهبي مع مكون له انتماء مذهبي آخر".
وتابع الكربلائي ان" هناك مخاطر تؤدي الى ضعف التماسك الاجتماعي بحيث لا الفرد ولا المجتمع يستطيعا ان يواجها المشاكل والمصاعب الداخلية والخارجية ولا يستطيع الفرد او المجتمع ان ينهضا بأعباء المهام من التطور والازدهار والاستقرار وغير ذلك.. وذكرنا من جملة الامور المهمة التي تهدد العلاقات الاجتماعية مسألة التعصب والنظرة الفوقية والاستعلاء على الاخرين".
واشار الى ان" الانسان عادة قد يواجه اختلافات ونزاعات ومشاكل اجتماعية سياسية اقتصادية ثقافية وقد يواجه مشاكل في داخل الاسرة اوالمدرسة اوالوظيفة اوالمجتمع.. قد ايضاً تحصل احتكاكات مع الافراد في المجتمع أو قد يواجه اختلاف مع الاخرين في المواقف والآراء وقد احياناً يحصل تجاوز من الاخرين عليه".
وتساءل الكربلائي " كيف يتعامل مع هذه الامور واحياناً قد يكون هناك اختلاف شديد و اختلاف في مفصل مهم من مفاصل الحياة كيف يتعامل مع هذا الاختلاف؟ "ما هو الاسلوب الاسلامي الذي لو تعامل به الانسان مع الاخرين في مختلف هذه القضايا أمكنه ان يحافظ على قوة العلاقة والارتباط مع مع الاخرين ولو نهجَ اسلوباً آخر ادّى ذلك ان تتوتر العلاقة ويحصل التصادم ويحصل نتائج غير المحمودة؟".
وبين " نلاحظ ان الانسان يلجأ الى الاسلوب العنيف تارة بالكلام وتارة بأسلوب الخطاب وتارة بالتصرّف ، واحياناً هناك انسان قادر
على ضبط انفعالاته وعواطفه ومواقفه اتجاه هذا النزاع والمشكلة، ولكن احياناً هناك انسان يلجأ الى الاسلوب العنيف حتى في الكلام وفي مواجهة هذه المشكلة او التجاوز والاساءة من الاخرين يرد عليها بأسلوب عنيف بعيد عن ضبط المشاعر والاعصاب.. والاسلام حذّر من استخدام هذا الاسلوب لأنه يؤدي الى تعقيد المشكلة والى صعوبة الحل وربما يواجه بأسلوب مماثل من العنف فيؤدي ذلك الى المشكلة تتعقد اكثر والنزاع يتصاعد".
وقال الكربلائي" انه قد تكون المشكلة بسيطة ولكن اسلوب العنف الذي يستخدم يحوّل القضية الى شيء معقّد ويصعب حلّه.. ولاحظوا ان الاسلام اعتبرضبط ردود الافعال والمشاعر والعواطف اعتبره جهاد النفس والجهاد الاكبر و واعتبر الجهاد بالسلاح من الجهاد الاصغر لماذا؟ لأن الآثار المترتبة على عدم ضبط المشاعر وردود الفعل آثارها خطيرة جداً".
وشدد " لذلك اذا واجه الفرد مشكلة نزاع في داخل البيت او الاسرة او داخل العشيرة او بين عشيرة واخرى او بينك وبين شخص آخر تجاوز عليك وغير ذلك.. لابد ان يكون هناك ضبط لردود الفعل ويتعامل بهدوء مع مثل هذه الحالات.. احياناً تلاحظون مشكلة بين فرد وفرد آخر او بين اسرة واخرى او بين عشرتين او مكونين مهمين.. اذا كان رد الفعل والتعامل برد فعل عنيف يؤدي الى عنف مقابل فالآخر يرد فعنف اكبر ثم يأتي رد من الاول بعنف أكبر وهكذا تتحول الحالة من أمر بسيط الى حالة من الصراع العنيف لذلك الاسلام حثّ في مثل هذه الحالات على ان يكون التعامل بضبط العواطف والانفعالات والتعامل بالأسلوب الهادئ.. لذلك من اجل الحفاظ على هذا التماسك الاجتماعي يدعو الاسلام للتعامل بهدوء مع هذه الاختلافات والمشاكل والنزاعات مع الاخرين".
وتطرق الكربلائي الى ان " الامر الاخر الذي يهدد سلامة العلاقات الاجتماعية هو استخدام الحوار السلبي والنقد غير البنّاء ، ويعتبر الحوار من أهم الاساليب وافضل الاليات للتعايش الفكري والاجتماعي الايجابي، ايضاً من الاساليب المهمة والفعّالة في معالجة واصلاح العيوب والزلاّت والعثرات وتصرفات الاخرين هو النقد البنّاء."
واوضح " نحن في الغالب هذه ثقافة الحوار والنقد البنّاء غائبة عن اوساطنا الثقافية والاجتماعية والسياسية في كثير من الاحيان الحوار لا يكون موضوعياً ولا يكون مبنياً على اسس علمية ويكون حواراً سطحياً..لابد ان يكون الحوار بيني وبين الاخر حوار موضوعي علمي واذا كان هناك نقد لا يكون النقد مبني على اظهار عيوب وزلاّت الآخرين".
واكد الكربلائي " لذلك ننصح في مثل الحوارات والندوات التي تقام في الفضائيات او الندوات العامة او الجلسات الاجتماعية او ان مجموعة تجلس مع مجموعة اخرى..يحاول ان يكون حواره علمياً دقيقاً مبنياً على الادلة والعمق و في نفس الوقت اذا كان لديه نقد خاصة اذا كان طرح النقد من خلال وسائل يشاهدها ويسمعها الكثير من الناس..لابد ان يكون هذا النقد مبنياً على الوثوق والتأكد من حالة الزلل والخطأ عند الاخرين وان يكون الاسلوب الذي يستخدم اسلوب لا يكون فيه جرح لمشاعر الاخرين ولا يكون فيه انتقاص لشخصيتهم او الاستهانة بهم.. من هنا اخواني نحتاج الى الحوار الايجابي والنقد لابد ان يكون نقداً بنّاء".
ولفت الى ان " من الامور التي تهدد سلامة العلاقات الاجتماعية هو هتك حرمة الآخرين والاستخفاف بهم وتحقيرهم وفلتات اللسان والتسقيط الاجتماعي" .
ونوه الى ان " التسقيط الاجتماعي للمؤمن الذي هو أشد من القتل الجسدي فالقتل الاجتماعي بتسقيط شخصية الآخرين تؤدي الى ان هذا الانسان سيبقى يعاني طوال حياته
واستطرد بالقول " الآن هذه وسائل التواصل الاجتماعية والعناوين المتعددة من [تويتر، وفيس بوك] وغيرها هذه من اخطر ما تمثله آفات اللسان".
وبين الكربلائي " فقد يتكلم شخص امام عدد قليل من الاشخاص اثنين او ثلاثة او اربعة اشخاص يتكلم عن عالم او مرجع او شخصية اجتماعية فسيتأثر بهذا الكلام ويترتب موقف عن هذا الكلام هؤلاء الاشخاص الثلاثة او الاربعة مثلاً، بينما عندما يكتب الشخص في الفيسبوك مثلاً فربما عشرة الاف سيطلعون على كلامه".
وختم بالقول لذلك اذا كانت الاحاديث تحثنا على ان نتوقف مثلاً مرة واحدة حينما اريد ان اتكلم بلساني فان مقتضى هذه الاحاديث اذا اردت ان اكتب في أي موقع او وسيلة من وسائل التواصل الحديثة والتي تنشر كلامي لعشرات الالاف ينبغي ان توقف الف مرة ولا اتسرع فيما اكتب خصوصاً ان بعض الكتابات تولد موقف ورأي عند مجموعة كبيرة من الناس.. وهذه الآثار كلها تُكتب والانسان هو غير ملتفت ولكن في الواقع هذا وصل الى الالاف من الناس الذين صار لهم موقف ورد فعل قد يمتد عبر سنوات.. لذلك علينا ان نلتفت الى الاثار الخطيرة المترتبة على ذلك.
https://telegram.me/buratha
