"بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الكريم خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود المبجل ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة.سادتي الاكارم اصحاب السمو و الفخامة و المعالي رؤساء دول وحكومات الدول المصدرة للنفط المحترمين و السيد الامين العام . السيدات والسادة الحضور المحترمون.
أود في بداية حديثي ان أتقدم باسمي وباسم شعب وحكومة العراق بالشكر الجزيل لأخي الفاضل صاحب الجلالة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الموقر على دعوة جلالته لنا للمشاركة في مؤتمر القمة الثالث لملوك و رؤساء حكومات الدول الاعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).و أن اهنئ جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز بتسنمه رئاسة منظمتنا واثقا بانه سيقودها بنجاح تام.
سادتي، إن الشعب العراقي يشعر بالفخر والاعتزاز لأن أرض العراق قد شهدت ولادة هذه المنظمة المهمة في بغداد، مدينة السلام، عام 1960. ومنذ ذلك التأريخ ولحد الآن ولأحقاب طويلة سبقته، كانت الأحداث السياسية والنفطية في العراق، بلاد الحضارات و صاحب التاريخ المجيد، مصدراً ومحفزاً رئيسياً للتغيير في السياسات النفطية في الدول الأعضاء في المنظمة وفي الصناعة النفطية العالمية برمتها. فالعراق هو قلب الشرق الأوسط وقلب العالم العربي الإسلامي ولهذا فان لأحداثه تداعيات وآثارا كبيرة وطويلة الأمد على المنطقة برمتها.
إن ما يهمنا، ونحن نشارك في مؤتمر قمة الأوبك الثالثة، هو تأشير وتوضيح دور العراق في رسم الخطوط العامة لاستراتيجية وسياسات منظمتنا خلال السنين المقبلة منطلقين من كوننا جزءاً من هذا العالم الذي تعتمد رفاهية كافة دوله، ككل وعلى انفراد، على بعضها البعض. آخذين بنظر الإعتبار مبدأ المنافسة الإنسانية للوصول إلى الأفضل و كذلك معايير منظمة التجارة العالمية و سياسات حماية البيئة العالمية من التلوث وآثار كل ذلك على مصالح الدول الأعضاء في المنظمة
فبالرغم من حقيقة كون العراق أحد أقدم الدول المنتجة والمصدِّرة للنفط في الشرق الأوسط، وبالرغم من مصادره الطبيعية الهائلة من النفط والغاز، فإن العراق لم يصل لحد الآن الى المستوى المطلوب من استغلال هذه المصادر بالشكل الأمثل وبالتالي فإن شعب العراق لايزال محروما من نعمة التمتع بثرواته الطبيعية وتحقيق ما يطمح إليه من مستوى لائق من الرفاهية.
إننا نعتقد بأن هنالك أسباباً كثيرة بعضها خارجية ولكن أكثرها أهمية كان داخلياً. حيث كانت البيئة السياسية التي سادت العراق خلال الحقب الأربع الماضية التي تجسدت بالنظام الدكتاتوري الدموي ليست ملائمة أو مشجعة لتنمية وتطوير مصادر العراق الهائلة من النفط والغاز. ونعتقد بان سقوط النظام الدكتاتوري في 9 نيسان 2003 وما أعقبه من تأسيس دولة ديمقراطية حديثة مبنية على دستور دائم اختاره شعب العراق بحريته التامة واختياره لممثليه في مجلس النواب والحكومة، قد خلق الاجواء السياسية الضرورية والملائمة ومهد الطريق للتطوير السريع لمصادر العراق النفطية والغازية الكبيرة وبناء صناعة نفطية متكاملة بكافة مراحلها، من الاستكشاف والانتاج وحتى التصفية والتوزيع.
و قد شرَّع البرلمان العراقي قانوناً جديداً لصناعة تصفية النفط وقانوناً لاستيراد المنتجات النفطية و سوف يناقش البرلمان العراقي قانوناً جديداً للنفط والغاز يهدف الى وضع الإطار العام لتطوير مصادر العراق الهيدروكاربونية الغزيرة. وبموجب هذا القانون ستؤسس شركة نفط وطنية جديدة هدفها تشغيل وتطوير أغلب حقول النفط والغاز المكتشفة والمطورة. ويفتح القانون الأبواب لمساهمة شركات النفط العالمية في مشاريع الاستكشاف وتطوير الحقول النفطية والغازية التي تقع خارج نطاق عمل شركة النفط الوطنية كما يفسح المجال لشركة النفط الوطنية للاستفادة من خبرات شركات النفط العالمية في تطوير الحقول النفطية. ونتوقع من خبرات شركات النفط العالمية مساهمة كبيرة في تطوير الصناعة النفطية العراقية من خلال الاستثمار والخبرات الفنية والادارية التي تمتلكها.
وإننا من هذا المنبر التاريخي وأمام الملوك والأمراء ورؤساء الدول الاعضاء في منظمة الأوبك، نعلن للعالم أجمع، استعداد العراق للمساهمة بصورة جدية وكبيرة في تغذية الطلب العالمي المتزايد على النفط. فلدينا من الاحتياطيات النفطية المؤكدة مايزيد على 115 مليار برميل في الوقت الحاضر، قابلة للزيادة في المستقبل الى اضعاف هذا الرقم وفقا لتقديرات الجيولوجيين. كما لدينا احتياطيات مهمة جدا من الغاز الطبيعي. وهذه الاحتياطيات تكفي لإدامة انتاج نفطيٍ يزيد على 6 مليون برميل يوميا لعشرات السنين القادمة.
إننا في العراق نخطط ونتوقع القيام بدور أكبر في تغذية مايحتاجه العالم من الطاقة في المستقبل. فالاقتصاد العالمي يستهلك الآن اكثر من 220 مليون برميل معادل نفط يوميا منها 87 مليون برميل يوميا من النفط . ومع ركود انتاج النفط الخام في العديد من مناطق العالم وانخفاض حجم الإنتاج في مناطق كثيرة أخرى، فان الطلب العالمي على النفط العراقي سيزداد للتعويض عن النقص في انخفاض إنتاج النفط في بعض مناطق العالم من ناحية ولمواجهة التزايد في الطلب العالمي على النفط والطاقة في المستقبل.
ونحن في العراق إذ نسعى إلى خلق الأجواء الملائمة للتنمية السريعة والمستديمة للاقتصاد العراقي بصورة عامة والصناعة النفطية بصورة خاصة، نواجه تحديات مهمة جدا ولابد لنا من مواجهتها وإيجاد الحلول الناجعة لها.
ومن أبرز هذه التحديات وأولها هي المشكلة الأمنية حيث استهدف النشاط الإرهابي الشعب العراقي بكافة مكوناته كما استهدف الإقتصاد العراقي برمته وتعرض القطاع النفطي بكافة مفاصله إلى هجمات مستمرة وقاسية حيث دمرت خطوط الأنابيب الناقلة للنفط الخام ومنتجاته وتعرضت صناعة التصفية الى أضرار جسيمة كما عانت صناعة إنتاج النفط الخام من النشاط الارهابي المستمر، مما اثر سلبياً على انتاجنا من النفط الخام.
واما التحدي الثاني فهو استخدام موارد النفط لاعادة إعمار العراق وبناء اقتصاد وطني متطور قادر على النمو في المستقبل دون الحاجة إلى موارد النفط لتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية و نعتقد بان الاقتصاد الحر المبني على الحوافز والمبادرات الفردية وحرية الاختيار وتشجيع حركة رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية مع نظام مالي وضريبي كفوء سيساهم بتحقيق هذه الغاية.
لقد استغل نظام صدام موارد البلاد النفطية لتمويل حملات الإبادة ضد أبناء الشعب العراقي دون استثناء حيث عانى الكورد والعرب الشيعة والعرب السنة والتركمان وبقية مكونات الشعب العراقي من الابادة المنظمة على أيدي جلاوزته وأجهزته القمعية وإن مجزرة حلبجة وما حدث لانتفاضة شيعة العراق وما حدث لمدينة الدجيل امثلة صارخة لانتهاكات ذلك النظام لحقوق الإنسان. كما استعمل نظام صدام موارد النفط لتمويل حروبه ضد جمهورية إيران الإسلامية ودولة الكويت، وسخر ما تبقى منها لأفراد عائلته ولأعوانه في الداخل ولشراء أعوان له في مختلف بقاع العالم.
إن الشعب العراقي الذي عانى من الإرهاب الصدامي يواجه الآن أعنف أنواع النشاط الإرهابي، وهو يرفض بشدة أن يُستخدم النفط من قبل أي جهة او منظمة أو حكومة كوسيلة إرهابية لابتزاز حكومات الدول المستوردة للنفط. فالنفط سلعة اقتصادية مهمة يجب ان لا تسيس وأن تتاح لكل من يحتاجها دون تمييز وهذا هو موقف العراق الجديد. وندعو كافة دول المنطقة إلى احترام حرية تجارة النفط الدولية وضمان أمن وإمدادت النفط إلى الدول المستهلكة وحماية الممرات الدولية التي تمر عبرها تجارة النفط العالمية.
لقد عانت منطقة الشرق الاوسط من الحروب الصدامية التي تركت آثاراً سلبية بليغة على الصناعات النفطية في كلٍ من العراق وايران والكويت ويتذكر العالم اجمع جريمة حرق آبار النفط الخام الكويتية.
إن العراق الجديد ينشد السلام والوئام مع كافة جيرانه دون استثناء ونحن عازمون على بناء علاقات وطيدة، مستقرة مع جيراننا ومع كافة دول العالم مستندين إلى المصالح المشتركة واحترام حقوق الآخرين. ونعتقد بأن العراق الجديد سيساهم بصورة فعالة وإيجابية في إشاعة روح السلام والأمان في هذه المنطقة المهمة من العالم ولما لهذا من آثار إيجابية على أمن إمدادات النفط والطاقة إلى الدول المستهلكة.
إن العراق الجديد عازم على دعم وحدة منظمة الأوبك وتماسكها وتعزيز دورها البناء في إشاعة الاستقرار في أسواق النفط والطاقة العالمية. و بالرغم من حاجة العراق الملحة للموارد المالية لإعادة بناء اقتصاده، إلا أننا نعتقد بأن الاتجاه التصاعدي المستمر لأسعار النفط لايخدم مصالح الدول النامية الأعضاء في المنظمة وأنه يتعارض مع الهدف الأساسي الذي أُسست المنظمة من أجله وهو استقرار أسعار النفط العالمية، عند مستويات مجزية للمنتجين ولاتلحق ضرراً بالاقتصاد العالمي .
إننا ندعم الاستراتيجية البعيدة المدى لمنظمة الأوبك التي تدعو الى خدمة مصالح الدول الأعضاء من خلال اتباع سياسات طويلة الأمد تلعب دورا ايجابيا في موازنة سوق الطاقة العالمي. وإن العراق كجزء من هذا العالم يتعامل بشفافية مع إيجابيات العولمة ويسعى للاستفادة من منافعها وتعجيل النمو الاقتصادي في العراق وزيادة كفاءة استغلال موارده الاقتصادية النادرة. وسيساهم العراق بايجابية في دعم السياسات المتخذة على المستوى العالمي لحماية البيئة العالمية من التلوث ويدعم الجهود والسياسات الرامية الى تعزيز التنمية المستديمة، لكي ينعم العالم بالرفاهية في بيئة نظيفة خالية من التلوث و على أن توزع اعباء وتكاليف حماية البيئة العالمية بصورة عادلة بين الامم.
لا بد لي في ختام كلمتي أن أتمنى لقمتكم هذه النجاح التام و لمنظمتنا الاستمرار في العمل الجاد لتحقيق الاهداف التي تاسست المنظمة من اجلها. و أن ابارك انضمام أنغولا و الإكوادوراليها راجياً أن تتجاوز قريباً (13) الى الرقم (14) المشهود له تاريخياً.
وأود ان اختتم حديثي هذا، بكلمة شكر وامتنان لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية لاستضافة هذا المؤتمر والحفاوة والتكريم التي نلناها من السعودية الشقيقة ملكاً وشعباً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
https://telegram.me/buratha