عادل عبد المهدي
اية سرعة هذه، واية تطورات؟ ما ان يحصل امر عظيم، وتحول خطير، الا وينتهي الحدث ليحل محله اخر لامر عظيم وتحول خطير. الاحداث متسارعة، وتهتز البلدان والعالم، فهناك امور تسقط وسياسات تتهاوى ومصائر البلدان والشعوب متشابكة ومتداخلة. لن نتكلم عن الاستفتاء البريطاني الذي سيخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي بكل تداعياتها التاريخية على بريطانيا واوروبا والعالم، بل سنمر سريعاً بتطورات قريبة منا خصوصاً الحرب ضد \"داعش\" وتطورات المنطقة.
انتصارات الفلوجة لم تكن حدثاً معزولاً.. فانهيار العاصمة الحقيقية لـ\"داعش\" ليس انتصاراً عادياً، بل نقطة تحول مهمة في الحرب ضد \"داعش\".. لذلك جاء الرد سريعاً في الكرادة الشرقية، والذي الهب العواطف وفجر تعاطفاً شعبياً عراقياً واسعاً ودولياً بحيث رُفعت الاعلام العراقية في العديد من عواصم العالم تضامناً مع ضحايانا وشعبنا.. لم نتداوى من جروح الكرادة بعد الا ونقلت الاخبار الجريمة المروعة في مدينة \"نيس\" الفرنسية، فاية اساليب جهنمية يبتكرها الارهاب و\"داعش\".. فالمسألة ليست مفخخات ومتفجرات يمكن رصدها والكشف عن اصحابها، بل هي نفوس مريضة وعقول شيطانية يهمها القتل وابتكار اية وسيلة لتهديد امن الناس.
وجاء الانقلاب في تركيا لتترك الشعوب والعواصم جميع هذه الامور وتتابع التطورات والاحداث واثارها ونتائجها لما لتركيا من دور مهم عالمياً واقليمياً. صحيح ان الانقلاب العسكري في تركيا ليس من ذات طبيعة الاعمال الارهابية اعلاه.. لكنه حدث كبير ستكون له تأثيرات كبيرة على التطورات في بلدان المنطقة وفي العالم وعلى المعركة مع \"داعش\". فالانقلاب له علاقة مباشرة بالتدافعات والانقسامات التي اخذت اشكالاً متعددة والتي نشهدها منذ فترة في المجتمع التركي.. وله علاقة مباشرة بدور الجيش الذي لعب تاريخياً دوراً اساسياً في نشأة الدولة التركية المعاصرة وفي الحياة السياسية التركية.. وله علاقة بالصراع الحساس بين القوى التي تستظل بالعلمانية وتلك التي تستظل بالمفاهيم الدينية الاسلامية.. وله علاقة بالنظام الانتخابي التركي والتوجهات نحو تغيير الدستور والتوجه نحو نظام رئاسي.. وله علاقة بالمواقف الداخلية من القضايا القومية والمذهبية.. وله علاقة بتطورات كثيرة شهدتها تركيا خلال العقد الماضي مع جيرانها الغربيين والشرقيين والروس والايرانيين او المنطقة العربية خصوصاً في القضية السورية وفي العراق ومصر وفي قضية محاربة الارهاب في المنطقة وتحديد توجهات البلاد الاستراتيجية التاريخية.
فشل الانقلاب ويبدو ان الحكومة القوية للرئيس اوردغان تستطيع الاعتماد على تاييد شعبي واسع يستطيع ان يحميها من انقسامات الطبقة السياسية المؤيدة لحزب العدالة وتلك المخاصمة له.. وتم اعتقال مئات الضباط وهرب كثيرون. ولم تتكرر تجربة مصر مع الرئيس السابق \"مرسي\".. فالقوى الانقلابية في تركيا امتلكت الكثير من الجنرالات، لكن ميزان القوى الشعبي لم يكن في صالحها في هذه المعركة.. كما ان التجربة الديمقراطية في تركيا ومؤسسات البلاد باتت اكثر ترسخاً ورصانة من مصر او الكثير من البلدان.
والان وبعد ان اعلن عن سيطرة الحكومة الشرعية.. فهل سنشهد اعمال انتقام وتداعيات متزايدة لتتعمق الازمة ام سنشهد تطورات تأسيسية ودستورية تستطيع فيها جارتنا الشمالية الشقيقة من احتواء تناقضات المجتمع التركي سواء الايديولوجية او القومية لتتعايش مع نفسها وقواها الداخلية المختلفة بعيداً عن العنف والانقلابات، وليتسنى لتركيا الشقيقة من تحديد استراتيجياتها الاقليمية والعالمية خصوصاً في قضية اولوية محاربة \"داعش\" والارهاب، وتعايش دول وبلدان المنطقة. فالعراق من اول البلدان الذين سيتأثرون بهذه التطورات فيما يخص اقتصاده وامنه ومعادلاته القومية والايديولوجية. اذ يجب ان لا ننسى بان العراق كان جزءاً من الدولة العثمانية، وانه سيبقى متأثراً بما يحصل في تركياً سلباً او ايجاباً.. ومن هنا مسؤوليتنا في ان نقف ضد اية امر سلبي يضر بتركيا وبنا، وتشجيع اي امر ايجابي تحتاجه الجارة تركيا شأننا في ذلك مع الجمهورية الاسلامية او الدول العربية.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha