جاء المقال تحت عنوان "فيدرالية، وليس تقسيما"، وتكمن أهميته في دور كاتبيه، فالأول يتولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بينما يشغل الثاني منصب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية، وهما وراء القرار الذي صدر عن مجلس الشيوخ الأمريكي نهاية أيلول - سبتمبر الماضي حول العراق يقول الكاتبان: "حيّت إدارة بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تصويت مجلس الشيوخ، الذي جرى في الاسبوع الماضي بصدد السياسة في العراق القائمة على خطة كنا اقترحناها في العام 2006 ، حيتها بعبارات الافتراءات والتلفيق.
وقد صوّت 75 سيناتورا، من بينهم 26 جمهوريا، من اجل تشجيع التوصل الى تسوية سياسية مستندة الى التشارك في سلطة لا مركزية. ومثَّل ذلك قارب النجاة لسياسة عراقية سائرة على غير هدى. بدلا من النظر في ذلك، عمد المالكي والادارة ـ وعبر سفارتنا في بغداد ـ الى تشويه تعديل بايدن ـ براونباك بعد الاعتراف بذلك، مدّعين اننا نسعى الى تفتيت او تقسيم العراق بالتخويف او القوة او بوسائل اخرى." وقالا "هنا، في مقالنا هذا، نريد اعادة الامور الى نصابها.
اذا كانت الولايات المتحدة لا تقدر على وضع فكرة الفيدرالية هذه في مسارها، فلن تكون امامنا فرصة لتسوية سياسية في العراق، ومن دون ذلك، لا فرصة في مغادرة العراق من دون ان نخلف وراءنا فوضى. فأولا، خطتنا ليست تقسيما، حتى وإن سمّاها بعض مؤيدينا ووسائل اعلام خطأ على انها كذلك. بل انها ستبقي العراق موحدا من خلال بث الحياة في النظام الفيدرالي الذي طُوِّق بالقدسية في دستوره. ذلك أن عراقا فيدراليا يعني عراقا موحَّدا لكنه واحد تؤول السلطة فيه الى حكومات اقليمية،مع حكومة مركزية تتحدد مسؤوليتها بالقضايا المشتركة من قبيل حماية الحدود وتوزيع عوائد النفط.
بالطبع لا يألف العراقيون الفيديرالية، تحت ظل دولة محتلة او ديكتاتور، الا انها بقيت تاريخيا السبيل الوحيد لحفظ وحدة بلدان شقّها الخلاف.وبوسعنا الاشارة الى نظامنا الفيدرالي وكيف ابتدأ بوضع اكبر سلطة بأيدي الولايات. وبوسعنا الاشارة الى حلول مشابهة في الامارات العربية المتحدة، واسبانيا، والبوسنة. يريد غالبية العراقيين الحفاظ على بلدهم كلا كاملا. لكن اذا ما بقي قادة عراقيون يستمعون الى قول قادة اميركيين بأن الفيديرالية ترقى الى التقسيم او انها ستقود اليه، فسيظلون يعتقدون بانها كذلك.
اما بديل بوش الخيالي فيتمثل في تعزيز حكومة مركزية قوية في بغداد.على ان تلك الحكومة المركزية معطلة؛ وينظر اليها في اوساط واسعة على انها لا تتصل بالواقع. ولم تتوصل الى ارساء مصالحة سياسية ـ وما من برهان على انها ستفعل. وثانيا، نحن لا نحاول فرض خطتنا. فان لم يبد العراقيون رغبة بها، فلن ياخذوا بها وهم غير مُجبرين عليها،كما اوضح تعديل مجلس الشيوخ.
ربما على العراقيين والبيت الابيض النظر في الحقائق. فالدستور العراقي ينص بالفعل على نظام فيدرالي.أما ان المناطق تتوازى مع خطوط طائفية، فالدستور يترك الخيار في ذلك لسكان 18 محافظة. بمقدور البيت الابيض ان يُثقل في شكواه من اننا نقسر العراقيين على حلول غير مرغوب بها، في حين ان الرئيس بوش لم يتردد قبلا في ازاحة رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري خارج منصبه ليفتح الطريق الى المالكي، ولعله الان يفعل الشيء نفسه مع المالكي. على عاتق الولايات المتحدة في العراق مسؤوليات لا مجال لنتهرب منها. وسيحتاج العراقيون مساعدتنا في تبيان الحل الفيدرالي والاصطفاف معه. اذ بوجود 160.000 اميركي يحيطهم الخطر في العراق، وانفاق مئات البلايين من الدولارات، وما يزيد عن 3،800 قتيل وحوالى 28،000 جريح، لدينا الحق ايضا في ان يستمع الاخرين الى ما نريد قوله.
أما ثالثا، فخطتنا لن تولد (المعاناة واراقة الدماء)، كما ذهب بيان السفارة الامريكية غير المسؤول. فمن الصعب تصور معاناة وسفك دماء اكثر مما رأينا من حكومة تتساهل مع ميليشيات، ومن جهاديين، وبعثيين، وحماقة ادارة. ودونك أكثر من 4 ملايين عراقي فروا من بيوتهم، وغالبيتهم فعلوا ذلك خوفا من عنف طائفي يصيبهم. والحال هذه، ينبغي لادارة بوش مساعدة العراقيين على القيام بالعمل الفيدرالي من خلال الاتفاق على التوزيع العادل لعائدات النفط؛ وتأمين عودة اللاجئين؛ ودمج عناصر الميليشيات بقوات الامن المحلية؛ وتنمية المصلحة المشتركة لبلدان اخرى في عراق مستقر؛ واعادة التركيز على قدرات الاعمار والمساعدات في المحافظات والمناطق ـ وليس اخافتهم بمساواة الفيدرالية مع التقسيم، والطائفية، والتسلط الأجنبي.
فامعانا منها في خلط الامور، نشدت الادارة العمل باستراتيجية (من الاسفل الى الاعلى) التي يبدو لونها لون الفيدرالية وطعمها طعم الفيدرالية ـ الا انها، في واقع الحال، وصفة للفوضى. اذ يبدو ان (من الاسفل الى الاعلى) يعني ان الولايات المتحدة ستقدم الدعم لأية مجموعة، وفي اي مكان، تقاتل فيه القاعدة او متطرفين شيعة. والان، تبين ان هذا يعني البحث بين اوساط رؤساء العشائرعن حلفاء يقاتلون الاعداءالارهابيين المشتركين.
ولكن مجرد دعم هذه الجماعات بالحال الذي تظهر فيه الان،من دون الاخذ باي سياق سياسي او غرض، فذلك يعني انها دعوة للفوضوية. وما من شيء يجعل العراق عرضة للتفتيت اكثر من مقاربة من الاسفل الى الاعلى التي تحرض مجموعة ضد اخرى وتفشل في ربط هذه الاطراف في كل واحد يمكن ادارته.
الفيدرالية هي الصيغة التي تتلاءم مع الرغبات المتناقضة على ما يبدو لدى غالبية العراقيين للبقاء معا، ولدى الجماعات المتنوعة في حكم انفسها لبعض الوقت. كما انها تعترف بحقيقة الخيار الذي نواجهه في العراق، والمتمثل بـ ( اما تحول منضبط الى الفيدرالية او تقسيم فعلي من خلال حرب اهلية.)"
https://telegram.me/buratha