وقد ارتأى موقع الروضة الحسينية أن تسلط الضوء على بعض من أولئك الذين ضحوا في سبيل الله ووقفوا موقف البطولة للدفاع عن مقدساتهم ومن بينها مرقدي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام في أحداث الشغب الأخيرة التي شهدتها مدينة كربلاء المقدسة في زيارة النصف من شعبان المبارك 1428هـ حينما هاجمتها الجماعات المعتدية الضالة.
وكانت لنا وقفة مع الأخ (طالب حميد چلوب) شقيق الشهيد (مؤيد حميد چلوب) وهو من مواليد كربلاء المقدسة (1978م) حيث أشار الأخ طالب إلى أن الشهيد مؤيد كان من الأوائل الذين التحقوا بركب خدمة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام عندما تشكلت لجنة رعاية وحماية بين الحرمين الشريفين التابعة للجنة العليا لإدارة عتبات كربلاء المقدسة المُشكلة في حينها من قبل المرجعية الدينية العليا بعد سقوط النظام الديكتاتوري البائد. وبقي الشهيد في هذه اللجنة إلى أن تحولت إلى قسمين تابعين لكلاًً العتبتين المقدستين، ثم التحق بعد ذلك لينضم الى فوج حماية الحرمين الشريفين الذي تشكل من منتسبي هذين القسمين وقسمي حفظ النظام في العتبتين والحق بوزارة الداخلية، واصبح الشهيد بعد ذلك في فصيل الاقتحام الخاص بالفوج.
وتابع أخ قائلا: (انه لم يترك واجبه إثناء أعمال الشغب التي حصلت في المدينة المقدسة أبان زيارة النصف من شعبان )، مبينا أن ( أخوه كان متواجدا في شارع السدرة بالقرب من مقام الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وحينها وصله نداء بجهازاللاسلكي يفيد بأن مجاميع تحمل القناصات والقاذفات والأسلحة الخفيفة قد انتشرت في شارع العلقمي تروم الهجوم على عتبات كربلاء المقدسة، فتوجه مسرعا إلى ذلك المكان للدفاع عن مرقد أبي الفضل العباس عليه السلام) وأوضح شقيقه بأنه (حدثت اعتداءات مسلحة على فصيل الاقتحام الذي ينتمي إليه شقيقه مؤيد الذي كان معه خمسة من أفراد فوج حماية الحرمين وبعد الاشتباكات المتواصلة مع الجماعات المعتدية نفذت ذخيرتهم مما حدى بهم اللجوء إلى إحدى البنايات القريبة من مكان الاشتباك وبعد فترة من الوقت خرجوا مرة أخرى لمعرفة ما آلت اليه الاحداث وحينها قام احد المسلحين المهاجمين للعتبات بتوجيه العيارات النارية نحوهم مما أدى إلى إصابة مؤيد باطلاقتين احداهما بالقرب من الكلية اليسرى والأخرى في فخذه الأيسر أدت إلى تهشم العظم، حيث تم نقله إلى العتبة العباسية المقدسة، ولكن حالته إستدعت نقله إلى المستشفى وإشراف دكتور اختصاص لمعالجته كون أن المفرزة الطبية في العتبة العباسية المقدسة لاتحتوي على غرفة عمليات لمعالجة هكذا حالات حرجة، فلذلك أراد الإخوة الذين كانوا مع مؤيد نقله إلى المستشفى العام في المدينة إلا أن تجمهر الجماعات المهاجمة بالقرب من أبواب العتبة العباسية المقدسة حال دون إسعافه لأنهم كانوا يرشقونها بالحجارة والعصي!!! إلى جانب انتشار المسلحين حولها والذين يطلقون النار على العتبة وعلى منتسبيها وأصبح من الصعوبة إخراج (مؤيد) من العتبة العباسية المقدسة، وازدادت حالته سوءا حتى فارق الحياة شهيدا مظلوما.
وبعد ذلك انتقلنا لتسليط الضوء على شهيد آخر وهو الشهيد (عبد الحسين هادود) وكان لقاءنا الأول مع إحد رفاقه الذي قضى معه فترة من الزمن في غياهب سجون النظام الديكتاتوري البائد، فقد أشار في حديثه إلى أن الشهيد (عبد الحسين هادود) كان من المؤمنين الذين كانت لهم مواقف بطولية ضد النظام الطاغوتي حتى اودع السجون ولسنوات طويلة قاربت التسع سنوات.
ويذكر رفيق الشهيد السعيد " إنه وفي هذه المحنة رأيناه مؤمنا ورعاً وصاحب خلق رفيع جدا يكاد لايسمع له صوت لهدوءه، وعشنا معه بعد خروجه من السجن، وكان يعاني من ضيق المعيشة كثيرا لكن لم نسمع له شكوى أو تذمر يوما ما رغم استمرار مطاردته من قبل أزلام النظام البائد حتى أضطره الحال للفرار من محافظة البصرة الى كربلاء المقدسة ليتوارى عن أعين البعثيين وقد شاهدناه بعد سقوط النظام البائد من المتطوعين لخدمة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام واعتبرها اكبر مكرمة قد حضي بها بأنه قد وفق لهذه الخدمة وكان سعيدا بها، ومن خلال معاشرتي له ألفيته يتأمل من مؤسسة السجناء السياسيين للحصول على قطعة ارض لكي يستطيع أن يسكن زوجته واولاده الثمانية دارا تأويهم لأنه يسكن في مكان لا يقيهم من برد الشتاء ولا من حر الصيف، إلا انه مضى إلى بارئه ولم يحقق حلمه الذي انتظره طويلا، فلذلك ارجو من الحكومة العراقية والمعنيين الإسراع لإنقاذ عائلته وأطفاله ومنحه مستحقاته الدستورية".
وانتقلنا بعد ذلك للقاء الطفل اليتيم (علي عبد الحسين هادود) الذي سرد لنا قصة استشهاد أبيه حيث قال:(مع حلول الزيارة الشعبانية كنت قد طلبت من والدي أن اعمل في هذه المناسبة لكسب الرزق وفعلا قمت بشراء بعض المناديل وتجولت بالمنطقة المحيطة بالحرمين المطهرين لأقوم ببيعها ثم ذهبت الى والدي الذي كان عمله تفتيش الزائرين في مزارالتل الزينبي ، وحينها طلب مني الجلوس بجواره لأخذ قسطٍ من الراحة ومن ثم العودة للعمل مرةً أخرى) وأضاف الطفل (بينما أنا جالس بجوار والدي إذ حصلت اشتباكات عنيفة في تلك المنطقة بين المسلحين ورجال الشرطة، ورغم تلك الاشتباكات وإطلاق العيارات النارية شاهدت والدي ملازما لعمله ولم يتركه حرصا منه على حفظ مقام التل الزينبي من أي اختراق يحصل حيث استمر والدي بعمله في هذا المكان، وبعد تزايد الاشتباكات جاء احد المسلحين من خلف التل الزينبي وأطلق النارعلى والدي من جهة الخلف وأصابه في منطقة الظهر فسقط أمام عيني على الأرض وهو ينزف دما ولا اعرف ماذا افعل، وقد أجرى المنتسبون الذين كانوا مع والدي اتصالات بمسؤولي العتبة الحسينية المقدسة واخبروهم بما جرى عليه إلا أن شدة الاشتباكات منعت وصول فريق الإنقاذ إلينا وقد ازدادت حالة والدي سوءا، وبعد أن هدأت الأحداث قليلا وصل فريق الإنقاذ من العتبة الحسينية المقدسة ونقلوا والدي إلى المفرزة الطبية فيها).
مضيفاً (وبعد إجراء الفحوصات الطبية تبين أن حالته مستعصية وتطلب ذلك نقله إلى المستشفى إلا أن الاشتباكات المستمرة منعت من خروج والدي من العتبة لإنقاذه، وعلى أثرها فارق الحياة شهيدا وقد كان طلبه الأخيرمن زميله الذي كان بجنبه هو (أن لا تنساني بالدعاء حينما تقوم بزيارة الإمام الحسين عليه السلام).وبين (علي) في ختام حديثه انه هو الولد الوحيد في العائلة وأن له سبع أخوات وان والدهم هو المعيل الذي كان يعيل العائلة وليس لديهم من يعينهم على معيشتهم، مطالبا الجهات المسؤولة في الحكومة العراقية الأخذ بثأر والده ومن سقط من الشهداء دفاعا عن عتبات كربلاء المقدسة .
هذه حالتين من عشرات الحالات التي حصلت في الزيارة الأخيرة حيث تبين حجم الجريمة التي اقترفها المجرمون بحق الامام الحسين واخيه العباس عليهم السلام وبحق الزائرين، ومن جهة اخرى نطالب الجهات المسؤولة سواء في الحكومة المحلية او المركزية الالتفات الى كل الحالات التي حدثت في الأحداث الأخيرة وبضمنها الحالتين اللتين ذكرناها ومنحهم مستحقاتهم التي يستحقوها.
العتبة الحسينية المطهرة
https://telegram.me/buratha