كشفت إفادات آباء وأقارب عدد من الارهابيين الوهابيين السعوديين المشاركين في قتل وتدمير الشعب العراقي والجيش اللبناني في منطقة مخيم نهر البارد لـ "الوطن" أن أبناءهم لجؤوا إلى "ذرائع كاذبة" لتغطية نواياهم المبيتة قبل الهروب إلى مناطق الصراع الدائرة في العراق ولبنان، والانخراط في العمليات الارهابية هناك.وتباينت ذرائع هؤلاء الارهابيين السعودين أمام أهاليهم واختلفت حججهم بين من يريد الذهاب في رحلة صيد مع رفاقه في الصحراء، وبين من يريد البحث عن عقد عمل أو زيارة صديق له في منطقة أخرى بعيدة.وأكدوا أن أبناءهم "نجحوا في خداعهم باستخدام هذه الحجج والحيل الكاذبة" كغطاء لأهدافهم المشبوهة التي تبينت لاحقا، في الوقت الذي "أسقط في أيديهم" ولم يعد لهم حول ولا قوة في إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، وإنقاذ أبنائهم من أنفسهم.
وحملت روايات الآباء الذين كانوا يتحدثون لـ "الوطن" بلسان الحسرة والشفقة على مصير أبنائهم في جبهات القتال مشاعر من الصدمة والذهول كونهم لم تبد عليهم أي إشارة تنم عن نيتهم الذهاب إلى مناطق الصراع الساخنة في العراق ولبنان، وأن هناك من خطط وقام بتمويل وتسهيل وصولهم عبر حدود ومنافذ سوريا البرية والجوية. وتحدث عميش الحربي وهو والد بتال الحربي (22 عاما) المحكوم حاليا بالسجن لمدة ست سنوات في سجن بادوش العراقي في مدينة الموصل عن الظروف التي سبقت اختفاء ابنه من منزل الأسرة فقال " ذهب مع بعض رفاقه إلى المقناص (صيد الطيور) في أواخر شهر شوال عام 1425 ولم يعلم بعدها عنه شيئاً" إلى أن جاءته مكالمة تلفونية قبل نحو خمسة أشهر يخبره ابنه فيها أنه ألقي القبض عليه داخل الحدود العراقية بتهمة الدخول غير المشروع لها".
وفي مكالمته الأخيرة أبلغ (بتال) والده عميش بأنه محكوم عليه بالسجن ست سنوات، وتم تحويله من سجن أبو غريب (قرب بغداد) إلى سجن بادوش (شمال العراق) بعد صدور حكم قضائي عليه. إلا أن والده المسن عميش الحربي لم تأته أية أخبار تطمئنه على مصير ابنه بعد عملية الهروب الشهيرة التي قام بها بعض المساجين من سجن بادوش قبل نحو أربعة أشهر. وقيل حينها إن القاعدة فجرت أحد أسوار السجن لتمكين المساجين التابعين لها من الهرب. وأضاف الحربي أن أحد أصدقاء ابنه الذين ذهبوا معه في رحلة الصيد المزعومة، واسمه خالد الرويلي ألقي القبض عليه مع ابنه بتال، وكان موجودا معه في سجن بادوش لكنه فجر نفسه في عملية انتحارية (وصفها الحربي بالاستشهادية) بالقرب من بغداد بعد هروبه من سجن بادوش.
أما أبو أحمد الزهراني وهو الشقيق الأكبر للشاب كليب الزهراني (27 عاماً) المتحفظ عليه الآن داخل أحد السجون في السعودية بعد أن سلم نفسه طواعية للسفارة السعودية في العاصمة السورية دمشق بعد هروبه من سجن بادوش في الموصل، فأكد أن كليبا كان طالبا متفوقا في حياته التعليمية، وحاز المركز الأول مع مرتبة الشرف على دفعته في إحدى الجامعات السعودية وتم تعينه بعد تخرجه معيدا في كلية التقنية في مدينة أبها. وهو أب لثلاثة أبناء أكبرهم ابن يدرس الآن في الصف الثاني ابتدائي وابنتين الصغيرة منهما كانت في أيامها الأولى حين قرر تركها والسفر إلى العراق عبر سوريا أيضا.
وشرح أبو أحمد قصة هروب شقيقه كليب إلى العراق بقوله "عاد كليب إلى الرياض لمواصلة دراسته العليا في الجامعة التي تخرج فيها، وبعد انتهاء العام الدراسي كان أهله يستعدون لاستقباله بعد آخر يوم دراسي وكان ذلك في شهر رمضان عام 1425. لكن كليب لم يأت في الموعد المحدد، وطال انتظار أهله وحيرتهم عن سبب تأخره، قبيل أن يتلقى (أبو أحمد) بعد مرور عدة أيام اتصالا على هاتفه من شقيقه كليب يبلغه فيه قبل أن ينقطع الاتصال "أنه في العراق" من دون أن يمكنه من الإجابة على أي استفسار آخر.
أضاف "مرت شهور لم نسمع فيها أي خبر أو معلومة تفيد عن وضع شقيقي أو مصيره في العراق. بعدها تلقيت اتصالا منه ذكر فيه أنه ألقي القبض عليه داخل الأراضي العراقية، وأنه تنقل في عدة سجون عراقية قبل أن ينتهي به المطاف في سجن (بادوش) في شمال العراق". وبعد عملية هروب المساجين من بادوش، فوجئ أبو أحمد باستقبال اتصال آخر من كليب، وهذه المرة من سوريا، يخبره بعملية هروبه من سجن بادوش وتمكنه من الخروج عبر الحدود السورية العراقية، مبديا ندمه وحاجته للمساعدة. وطلب كليب من أخيه خلال المكالمة أن يدله على أفضل طريقة ممكنة للعودة إلى الوطن.
يقول أبو أحمد في روايته "أخبرت كليبا بسرعة بأن عليه التوجه للسفارة السعودية في دمشق التي استلمته بدورها وقامت بتأمين ترحيله إلى السعودية قبل نحو ثلاثة أشهر ليتم التحفظ عليه حتى الآن في سجن داخل المملكة".
من جهته كشف منصور الأحمري والد فيصل أحد السعوديين المشاركين في جبهة القتال في العراق "أن ابنه يحمل الجنسية الأمريكية لأنه ولد في أمريكا". موضحا أن ابنه فيصل يعمل موظفا في أمانة مدينة جدة بعد أن أنهى دراسته في جامعة الملك عبدالعزيز وحصل على درجة البكالوريوس.
ووصف ذريعة ابنه في الهروب من منزل الأسرة في جدة إلى العراق بقوله " أخبرنا صباح يوم الخميس برغبته في السفر إلى مدينة الطائف متذرعا بعيادة أحد أصدقائه هناك الذي زعم تعرضه لحادث مروري مؤسف، وأنه سوف يذهب لزيارته والاطمئنان عليه، وأنه سوف يعود في نفس اليوم إلى جدة".
ويتذكر الأحمري أن زوجته طلبت من ابنها فيصل أن يسمح لها بمرافقته لزيارة خاله المقيم في مدينة الطائف والعودة معه، لكن فيصل رفض ذلك متحججا بأنه سوف يذهب برفقة أصدقاء وبسيارة أحدهم". اتصل فيصل بوالده من الطائف في مساء يوم خروجه وأبلغه بأنه سوف يتناول طعام العشاء في منزل صديقه ويعود. لكنه لم يفعل، وبعد تأخره كررت الاتصال بولدي للاطمئنان عليه لكن جهاز هاتفه النقال كان مقفلا. يضيف والد فيصل أن أحد الأشخاص طرق باب المنزل في اليوم التالي (الجمعة) وقابل ابني الصغير (11 عاما) عند الباب وأبلغه بأن شقيقه فيصل ذهب إلى العراق. يقول أبو فيصل إنهم ذهبوا مسرعين إلى الباب الخارجي حين أخبرهم ابنه الصغير بما قاله الرجل الغريب ولم يجدوا أحدا حيث اختفى سريعا بعد أن أوصل الرسالة. وأضاف أن ابنه اتصل بأهله يوم السبت وهو اليوم الثالث لاختفائه من هاتف يعمل بالأقمار الصناعية (الثريا) وأبلغهم في اتصال قصير إنه في مدينة (الفلوجة) في العراق، وأنه برفقة صديقه في الطائف وزميل ثالث لم يكشف عن هويته.
وبعد مرور شهرين من اختفاء فيصل، يقول والده إنه تسلم ظرفا بريدا من مدينة الجوف (شمال السعودية) يحمل في طياته وكالة شرعية له من ابنه فيصل بالتصرف في كافة ما يملكه من سيارة وقطعة أرض ممنوحة له من الدولة وغيرها من المقتنيات الخاصة الصغيرة. لكن والد فيصل لاحظ أن تاريخ إصدار الوكالة جاء بعد اتصال ابنه عليه وقوله إنه في (الفلوجة) مما يبين أن ابنه كان ما يزال في مدينة الجوف حين الاتصال.
ولحسن دلباح الصيعري قصة مماثلة مع شقيقه عبدالله (25 عاما) الذي كشف عن اسمه في قائمة السعوديين الذين أعلن عن وجودهم في منطقة (نهر البارد) في لبنان. يقول حسن عن شقيقه عبدالله إنه "قدم معي من منطقة شرورة (جنوب السعودية) إلى العاصمة الرياض حيث يقيم أقاربنا للبحث له عن فرصة عمل مناسبة كونه يحمل شهادة المرحلة المتوسطة". أضاف "بعد مكوثه في الرياض ثلاثة أيام فقط سافر إلى قطر، وطال بقاؤه فيها نحو 40 يوما، قبل أن يعود إلى الرياض ويكشف عن نيته السفر مجددا إلى الإمارات من دون أن يحدد سببا لذهابه إليها".
وزاد "لم أعلم سببا لاختفاء عبدالله وسفره المستمر إلا بعد أن "فتحت حقيبة له يحتفظ فيها بأوراقه الثبوتية وبعض مقتنياته الشخصية، لأفاجأ بوجود وصية كتبها بخط يده يوصي فيها بسداد بعض الديون المالية عليه، حينها تأكدت مع الأهل حينها أن عبدالله ذهب إلى بلد ما من البلدان التي تشهد صراعات مسلحة في المنطقة"، ولم نعرف بعدها عنه أي معلومة. يؤكد حسن أن شقيقه عبدالله لم يكن يحمل سوى 70 ريالاً فقط عندما غادر المنزل في طريقه للإمارات عبر الطائرة. وحسب ما وصل إلينا من معلومات علمنا بعدها بأنه انتقل من هناك إلى سوريا قبل عبوره إلى مخيم نهر البارد في لبنان.
https://telegram.me/buratha
