قالت صحيفة واشنطن تايمز إن انقلاب السنة في العراق على القاعدة يرجع أصلا إلى الزيجات القسرية التي يفرضها إرهابيو القاعدة على العشائر السنية، ولا فضل لاستراتيجية "الاندفاع" الأمريكية في ذلك، بل قد تتهدد الاستراتيجية الأمريكية العامة كلها في العراق.
وأوضحت الصحيفة في عددها الصادر، الجمعة، إن العشائر السنية العراقية ابتدأت بالانقلاب عندما ضغط تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي يهمن عليه عدد كبير من الأجانب، من اجل ترتيب زيجات قسرية من نساء المناطق المحلية ليؤمنوا لهم موطئ قدم في البلاد، حسب ما يقول كبير المستشارين في مكافحة الإرهاب في قوات التحالف في العراق.
ونقلت الصحيفة عن الاسترالي الكولونيل ديفيد كيلكولن، الذي أكمل لتوه جولة في العراق بوصفه مستشارا مساعدا في شؤون مكافحة الإرهاب لقائد القوات الأمريكية الجنرال ديفيد بيترايوس، قوله في تحليل موسع إن القرار الذي اتخذته العشائر السنية بقطع التعامل مع القاعدة ربما يشكل برهان دعم كبير ـ إن لم يكن غير مسبوق ـ لاستراتيجية الرئيس بوش الحالية في العراق. وكتب الكولونيل كيلكولن في مدونة عسكرية تدعى "جريدة الحروب الصغيرة"، إن "هذه الانتفاضة تمثل تقدما سياسيا كبيرا باتجاه عملية المصالحة في المستوى الشعبي، وتقدما امنيا كبيرا في تهميش المتطرفين والتقليل من عمليات قتل المدنيين."
وأضاف كيلكولن في تحليله، الذي حمل عنوان "تشريح الانتفاضة العشائرية"، إن ما يقدر بـ 30.000 مقاتل سني في العراق يقاتلون الآن حلفائهم السابقين في القاعدة، وقال إن "الانتفاضة العشائرية هي بنحو لا يقبل الجدل أهم تغير في البيئة العراقية السائدة منذ عدة سنوات."
لكن الصحيفة أشارت إلى الانتقادات التي تتردد في أوساط الكونغرس والحركة المناهضة للحرب تحذر من أن هذا التحول السني قد يكون وقتيا، وقد يخلق مشكلات أخرى للحكومة المحاصرة في بغداد، في إشارة إلى إقدام الجيش الأمريكي على تسليح جماعات سنية في مناطق من العراق.
إلا أن الصحيفة تنقل عن بريان كاتولس، وهو باحث لامع في مركز التقدم الأمريكي Center for American Progress، قوله إن الانخفاض الظاهر في مستويات العنف في عدد من المناطق العراقية قد يكون فقط نتيجة للتطهير الطائفي الذي طرد السنة والشيعة إلى خارج المناطق المختلطة مذهبيا. كما أن نقاد الحرب قد تحدوا تأكيدات الإدارة الأمريكية بان عمليات القتل الطائفي قد شهدت انخفاضا في الشهور القليلة الماضية. وقال كاتولس "في الشهور التسعة الأخيرة، شهدت استراتيجية الاندفاع فشلا حقيقيا في تحقيق شيء مما ذكره الرئيس."
وقالت الصحيفة إن تحليل الكولونيل كيلكولن، الذي نشره الصحيفة المدونة المذكورة التي تعد مدونة عسكرية ذات وقع في أوساط المعنيين، أعطى تفصيلا دقيقا لديناميكية العشائر السنية بطريقة لم يسبق أن التفت إليها المسؤولون الأمريكيون العسكريون، ويناقش ابرز مزايا وعيوب هذا التحول من منظور امني.
وذكرت الصحيفة إن الكولونيل الاسترالي قال أن استخبارات الحكومة العراقية سبقت بكثير قوات التحالف في إدراكها تحطم العلاقات بين المتمردين السنة وتنظيم القاعدة ، وقد كان هذا الواقع يتطور في الانبار ومحافظات أخرى على مدى العامين الماضيين.
وأكد الكولونيل كيلكولن إن تكتيك الزواج القسري معيار ثابت لدى القاعدة، وقد استخدمته بنجاح في باكستان، وأفغانستان، والصومال، وأماكن أخرى من العالم، والغاية من وراء هذا الفعل هو "إحكام طوق" هذه الشبكة الإرهابية العالمية على القرابة المحلية والشبكة العشائرية.
وكتب كيلكولن قائلا "لكن في العراق يبدو أن هذا التكتيك قد ارتد عليهم،" ويرجع جزء من السبب في ذلك إلى أن هذه الحركة الاسلاموية الراديكالية فشلت في تقييم نمط الإسلام في العراق. فالزواج القسري خارج إطار العشيرة غير مقبول أبدا في ثقافة المجتمع العراقي التقليدي، ويرفض رؤوساء العشائر زواجا من هذا النوع. إلا أن عملاء القاعدة يطالبون بمثل هذه الزيجات ـ وغالبا ما يكون طلبهم عنيفا، فيقتلون احد الشيوخ، ويقتلون أبناء شيخ آخر بوحشية. ويتابع الكولونيل في تحليله قائلا أن "القاعدة، بنسخة "إسلامها" الاختزالي المفرغ من المحتوى الثقافي، يسقطون العشائر من الحساب، ويرون فيها جهلا وغباء وإثما."
لكن الانتفاضة السنية قد دفعت إليها عوامل أخرى أيضا. فإرهابيو القاعدة قطعوا واستولوا على طرق التهريب القائمة منذ زمن طويل، وكذلك الطرق التجارية.
إن "صحوة" السنة الآن تضم عشائر كبيرة في الانبار، وديالى، وصلاح الدين، بل حتى في بعض المناطق الحضرية ببغداد، حيث ما زالت خطوط الهويات العشائرية قائمة بين السكان الحضر. كما سجل الكولونيل ملاحظاته بان الانتفاضة السنية لم تطلق شرارتها قوات "الاندفاع" الأمريكية، بل وتطرح هذه الانتفاضة مخاطر بوجه الاستراتيجية الأمريكية برمتها.
ومن بين هذه المخاطر: تشكيل جماعات سنية مسلحة لا تخضع لسيطرة الحكومة المركزية تماما؛ معارضة بعض الفرقاء الشيعة في داخل الحكومة والشرطة الوطنية للعمل مع العشائر السنية؛ كما أن ما يقع "خارج الفرصة" هو أن العشائر السنية التي "استدارت" ضد القاعدة قد "تستدير ثانية" إن رأت في الحكومة المركزية حكومة معادية لها.
وقال الكولونيل كيلكولن إن هذا التحول الكبير على ارض الواقع في العراق قد يجري تجاهله في خضم تصاعد النقاش في واشنطن حول استراتيجية "اندفاع" بوش، وهي خطة "من الأعلى إلى الأسفل" تهدف في جوهرها إلى إعطاء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وكبار الفصائل العراقية في المنطقة الخضراء الزمان والمكان المناسبين لتسوية الأمور في ما بينهم. واختتم كيلكولن تحليله قائلا "بصدق تام، إن النموذج الذي نراه يجري الآن يناقض ما كنا نتوقعه من "الاندفاع"، وبالتالي فهو يقع خارج "نقاط" التقدم التي هي في صلب حرب النقاشات بين البيت الأبيض والكونغرس."
https://telegram.me/buratha
