وتعتقد الصحيفة أنّ تسليح هذه الدول باسم العمل معا على مقاومة التطرّف (كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس) ينتهي الى تسليح دولتين (السعودية ومصر) تنتهكان حقوق الانسان. وأوضحت أنّ رد الفعل في طهران كان متوقعاً. فالسياسة الأميركية "تخلق الخوف والقلق في بلدان المنطقة وتحاول إيذاء العلاقات الجيدة بين هذه الدول" طبقاً لما قاله ناطق باسم وزير الخارجية الايراني (محمد علي حسيني). وهو "بالتأكيد على حق". هكذا تعتقد الغارديان.
وإذا كان هدف الإدارة الأميركية تأجيج التوترات الشيعية السنية في أنحاء المنطقة ونشر النزاع الطائفي –تؤكد الصحيفة- من العراق عبر الأقطار المجاورة، فإنّ من الصعب جداً تخيّل الطريقة التي ستنتهي اليها المنطقة.تؤكد الصحيفة: في مصر ثمة أقلية من الشيعة تـُضايق من قبل السلطات التي تهددها بشكوكها. وبعض حقائق هذا الموقف موثقة من قبل مؤسسة مصرية مدنية تسمّى "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية Egyptian Initiative for Personal Rights". وتقرير هذه المؤسسة يتحدث عن المسلمين الشيعة الذين ألقي القبض عليهم بشكل ظاهري لأسباب أمنية، لكنّ سوء المعاملة التي يلقونها من قبل ضباط أمن الدولة المصرية، يؤكد أنّ الأسباب هي المعتقدات الدينية. وتتابع الغارديان قولها: وفي مقتبس من وثائق هذه المؤسسة المصرية يخبر أحد ضباط الأمن مشتبهاً به قائلاً: "انا سأبقي المراقبة عليك. إذا تحاول فعل أيَّ شيء، سوف أجعلك تأسف على فعل ذلك الشيء. أنا مستعد لإنْ أغفر للجماعة الإسلامية (أي الجماعة الإسلامية السنية المسلحة) على الرغم من أنهم يقتلوننا، لكنني لن أسامحك، لإنّ الجماعة الإسلامية في الأقل تشاركني طائفتي".
وفي المملكة العربية السعودية، حيث يكوّن الشيعة 20 بالمائة من السكان(وحوالي 75 بالمائة من سكان المناطق الغنية بالنفط) فإن السياسة الرسمية –كما لاحظ مؤخراً ماثيو مينين من معهد شؤون الخليج- هي معاملة الشيعة بأنهم مشركون، وعابدو أصنام، ووجودهم جزء من مؤامرة يهودية واسعة ضد الإسلام. وهي سياسة متطابقة مع المبادئ التي يتضمنها نظام التعليم العام في المملكة العربية السعودية، والممارسات الحكومية والسياسات التي تعزز فكرة أنّ الشيعة مسلمون ثانويون ودون مستوى الإنسان.
وتتحدث صحيفة الغارديان عن منع الكتب الشيعية والتعليم الشيعي والموسيقى والفنون في السعودية. كما تحظر الدولة على الشيعة بشكل مشدد أي دور ديني أو اجتماعي أو سياسي في المجتمع السعودي، وليس مسموحاً لهم الإدلاء بشهاداتهم في المحاكم.
وتؤكد الصحيفة مستندة الى ما يورده (ماثيو مينين) من معهد شؤون الخليج في إحدى وثائقه أنه "طالما أنّ السعودية مستمرة في ترويج وممارسة أيديولوجيا تركز على تعهد المسلمين السنة بتطهير الإسلام من الشيعة بالجهاد الأكبر، فإنّ المئات من السعوديين سوف يستمرون في عبور الحدود العراقية لإشعال المزيد من العنف الطائفي وبدون أي إعاقة من قوات الأمن السعودية".
تقول الصحيفة: كما لاحظت وزارة الخارجية الأميركية نفسها في تقرير عن الحرية الدينية في المملكة العربية السعودية: "إنّ أفراد الأقلية الشيعية في السعودية خاضعون لعملية تمييز سياسي واقتصادي مفروضة بشكل رسميّ". ويشير تقرير الخارجية الى أنّ "أفراد الأقلية الشيعية يعانون من تمييز مضاد في التوظيف الحكومي، خاصة في المناصب التي لها علاقة بالأمن الوطني، كالجيش ووزارة الداخلية. ومع أنّ هناك بعض الشيعة يحتلون مناصب عالية في الشركات المملوكة من قبل الحكومة وفي الوكالات الحكومية، فإن العديد من الشيعة يعتقدون بأن التعريف بمذهبهم كشيعة سوف يترك انطباعاً سيئاً في التقدم الوظيفي... بينما ليس هناك سياسة رسمية تتعلق بطريقة ترقية أو مكافأة الشيعة، وثمة أدلة مبنية على السماع تشير الى أنّ بعض الشركات (بضمنها شركات النفط وصناعة البتروكيمياويات) تشهد تفضيل وترقية عاملين سنة أقل كفاءة من عاملين شيعة فيها.
ويؤكد معهد شؤون الخليج في وثائقه أن "الحكومة السعودية تمارس التمييز رسمياً ضد الشيعة في التعليم العالي من خلال قيود غير رسمية على عدد من الشيعة المقبولين في الجامعات".
ولهذا تقول الغارديان فإنَّ ما تفعله واشنطن بتعزيز استبداد الأنظمة السنية ضد إيران، قد يبدو عملاً براغماتياً يفرضه (تقارب المصالح). إلا أنـّها بتأكيد الصحيفة براغماتية خطرة جداً لإنّ المصالح الأميركية والسعودية في النهاية تختلف. والحكومة السعودية ليست قلقة حقيقة بشأن طهران؛ إنها قلقة بشأن إبقاء (الغطاء) على السكان الشيعة في المحافظة الشرقية الغنية بالنفط، وفي المدى البعيد يمكن أنْ تؤثر هذه السياسة سلبياً على الولايات المتحدة.
وتعتقد الغارديان أن هناك حاجة لإنْ يفهم بأن اليهود في العموم ليسوا مسؤولين عن الأعمال التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية، ولا المسلمون العاديون مسؤولون عما ترتكبه القاعدة. وأنّ الدول العربية يجب أن تكون حذرة آلياً في تعاملها مع الجاليات الشيعية، أو اتهامها بأنها أدوات في يد الحكومة الإيرانية، أو تشجيع الرأي العام على الاقتناع بهذه الفكرة. إنّ ما تحتاج اليه منطقة الشرق الأوسط –طبقاً لتأكيد الغارديان- ليس الكثير من الأسلحة، بل المزيد من الجهود القوية لترويج التسامح الديني، ومحاربة التمييز والإجحاف الديني، وسحب المجتمعات الشيعية العربية للاندماج في العمليات السياسية لأوطانهم قبل أنْ يفوت الأوان ويندم الجميع.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)