اتهم عدد من العراقيين الذين نجوا بأعجوبة من نيران الجريمة البشعة التي فجّرت مسجد الخلاني، القوات الأميركية بأنها وراء تمويل عناصر القاعدة وتمهيد الطرق لهم والأماكن كي يرتكبوا جرائم السيارات المفخخة. وقالوا إنّ أميركا التي (تصلح أعطال المكوك الفضائي من دون لمسه) تتعمّد إهمال إحكام الرقابة على مجرمي القاعدة لكي يبقى الوضع على ماهو عليه. ونقلت صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر يوم الأربعاء عن مواطنين عدة تأكيدهم أنّ هناك أطرافاً أخرى تحاول صب الزيت على نار النزاع الطائفي، مؤكدين أنهم كانوا يعيشون معا جنباً الى جنب، وأنهم مصممون على العودة الى ذلك المنهج الانساني في الحياة.
ويصف (نجم عبد الواحد) 45 سنة الذي يعمل نجاراً بالقرب من ساحة الخلاني عملية الانفجار بقوله: "كانت أشبه بصعقة كهربائية هائلة. لقد شاهدتُ اللحم الحي كيف يـُشوى. عندما صرتُ أقوى على الوقوف ثانية، رأيتُ أجساداً متفحمة كثيرة. كان الناس يصرخون، وهم يطلبون العون. شاهدت عددا من الأشخاص يحترقون داخل سياراتهم. اختلطت الأجساد المتفحمة بكل ما في داخل السيارات الذي أذابته النيران".
وتؤكد (أليسا روبن) مراسلة النيويورك تايمز أنّ الكثيرين من العراقيين الذين قابلتهم في كل منعطف أنّ المحاولة جزء من سعي القاعدة لتأجيج النزاع الطائفي، وهي دليل آخر على أنّ الأميركان لا يستطيعون حمايتهم من المتشددين. والعديد من هؤلاء الناس الذين يعيشون بالقرب من موقع الجريمة الشنعاء قالوا إنهم يشكـّون أنّ الأميركان لابد أنْ يكونوا يساعدون الانتحاريين في تنفيذ جرائمهم.
ونقلت الصحيفة عن (أبو محمد) 55 سنة وهو أحد حراس مسجد الخلاني الذي تعرّض لعملية التفجير المروعة: "إنّ الأميركان يعرفون كل شيء. إنهم يفعلون أي شيء. يمكن أنْ يصلحوا المكوك الفضائي بدون لمسه. فلماذا يتركون مثل هذه الأشياء تحدث هنا في العراق؟". وأضاف قوله: "نحن نعتقد أنّ الأميركان يريدون هذه الأشياء تحدث في العراق، لكي تبقى الأمور على ما هي عليه". وأشار الى مكتب إمام المسجد الذي انهارت جدرانه وسقوفه، متحوّلة الى مئات من قطع الطابوق، التي اختلطت بحطام منضدته الخشبية وبقايا الكراسي. لكن إمام الجامع لم يصب بأذى لإنه كان قد غادر المكان قبل الإنفجار.
وعانتّ بغداد كثيرا من تفجيرات السيارات المفخخة، لكنّ هذا الانفجار الأخير ضرب قلب حي تسكنه عوائل من الطبقة العاملة الفقيرة، وهي مزيج من الأكراد والعرب الشيعة والسنة، الذين عاشوا جنباً الى جنب، يتعبدون في مساجد بعضهم البعض، ويشارك بعضهم أحزان بعضهم الآخر.
وعلى مقربة من جامع الخلاني الذي تعرض الثلاثاء لتفجير شنيع، كان إمام ضريح الشيخ عبد القادر الكيلاني الذي عبّر عن قلقه من الصراعات الطائفية قد دعا (كما فعل إمام مسجد الخلاني) الى البدء بتشجيع الناس على المشاركة في حضور مساجد الشيعة والسنة خلال صلوات الجمعة.
تقول مراسلة النيويورك تايمز: إنّ (جلال الجاف) وهو سني من الكرد، يعيش مباشرة خلف الشارع الذي شهد الانفجار الإجرامي، وأسرع –عند سماعه أصوات الإنفجارات- الى مكان الحادث لينتزع الناس من سياراتهم التي احترقت. لم يستطع إبان الحديث معه إلا أنْ يدير رأسه عن أكوام السيارات المحترقة التي تفحّم فيها كل شيء مختلطاً باجساد الكثيرين الذين احترقوا داخلها. وتنقل عن (الجاف) قوله: "لم يكن هذا الذي قاد السيارة وفجر المسجد إلا إرهابياً مأجوراً، كيف يمكن وصفه بأنه انسان. لا هو ليس انساناً. إنّ عوائل الضحايا لم تستطع التعرف على جثث بنيها. لقد تحوّلت الى مزق أو تفحمت وتشوهت بالكامل، ولم يبق من الوجوه شيء". ويقول (الجاف): "القاعدة مثل الأخطبوط بأذرع وأيد عديدة. هذا التفجير كان تحدياً للأميركان وللقوات العراقية، الذين لا يستطيعون التخلص من هؤلاء الإرهابيين". بينما ذهب آخرون الى أبعد من ذلك، متهمين الأميركان بمساعدة القاعدة التي يعتقد معظم الناس أنها مسؤولة عن التفجيرات الانتحارية. والتقت مراسلة الصحيفة رجلاً عرّف نفسه فقط باسم (قاسم) خوفاً من انتقام الارهابيين، وقال إن العديد من أصدقائه قتلوا بينما كانوا واقفين بالقرب من ساحة المسجد. وأضاف قوله: "إنّ الأميركان يموّلون القاعدة. إنهم يفتحون لهم الطرق والأماكن كي يمارسوا هوايتهم في التفجيرات".
لكنّ آخرين –كما تقول مراسلة الصحيفة أليسا روبن- ينظرون الى تفجيرات القاعدة على أنها جزء من جهود المتطرفين الدينيين لصب الزيت على نار الانقسامات الطائفية. يقول (الجاف) يدرك الناس هنا أنّ هناك مؤامرة لإشعال الفتن والأحقاد والضغائن. ويؤكد أن رئيس الوزراء (نوري المالكي) قال ذلك في بيانه حول الحادث الإجرامي.
وأكدت الصحيفة أنّ المسؤولين والدبلوماسيين في بغداد يحذرون من أن السيارات المفخخة ستبقى سلاحاً فعالاً بالنسبة للانتحاريين. وفي مقابلة مع مسؤول كبير في الجيش الأميركي قال في إجابته عن سؤال بشأن الجهد المكثف لاجتثاث القاعدة إنه يتوقع أنْ يبقى هؤلاء الانتحاريون يمارسون "هجماتهم الفظيعة".
وقال المقدم (كريستوفر كريف) الناطق باسم الجيش الأميركي في بغداد إنّ زملاءه من القادة العسكريين يعتقدون أنّ معظم السيارات المفخخة تصنع في مناطق ريفية، حيث يمكن اخفاؤها بسهولة. لكنه لم يحسب أنّ هناك آخرين يعملون في هذا المسار الاجرامي في بغداد. يقول المقدم: "من المحتمل هناك البعض منها في العاصمة".
ويعود النجار (عبد الواحد) ليؤكد أن الانفجار كان قوياً جداً، بحيث شعر بدويه اناس كانوا في مكان بعيد جداً. وقد تسبب الانفجار في مذبحة راح ضحيتها أكثر من 79 شهيداً ومئات الجرحى. ولم ينج من كان قريباً (مثله تماما) إلا باعجوبة. وبينما كان (عبد الواحد) يضع اللمسات الأخيرة على بناء خشبي يجسد بغداد القديمة، قذفت به صعقة الانفجار الى نافورة ماء، هي التي أنقذت حياته. وقال إن ستة من زملائه قتلوا ولم ير الا واحدا منهم فقط بقي على قيد الحياة بينما كان الباقون شهداء.
أما (ابو محمد) حارس المسجد فقد كان يتفقد ما بقي من مخطوطات المكتبة القديمة التي تعود طباعة نسخها الى خمسين عاماً أو أكثر. وتضم أيضا مخطوطات قيمة. كان يومئ بيده الى المجلدات التي بُعثرت على الأرض، والى الطابق الثاني الذي انهار. وقال: "الشيعة ناس مسالمون. لماذا يحدث هذا؟".
وتقول الصحيفة: وفي مناخ هذه الفاجعة التي عاشتها بغداد يوم الثلاثاء أعلن عن العثور على 21 جثة في اطراف بغداد. ويشار الى أن انفجار الخلاني خلف أكثر من ثمانين قتيلاً وثلاثة أضعاف هذا العدد من الجرحى الذين كانت الكثير من حالاتهم خطرة.
الملف برس
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)