رسم ضباط كبار في جهازي الشرطة وشؤون الداخلية صورة قاتمة للأوضاع الداخلية للأجهزة الأمنية، تكشف عن خلافات شخصية تصل درجة الانتقام بين الضباط والجنود تكلف الأمن العراقي الكثير.
وفي وقت يؤكد الضباط تأثير "الفساد في ملفي التغذية والجنود الفضائيين"، على بقية الجنود، يشيرون إلى أن "عمل نقاط التفتيش يشهد إهمالا واضحاً من قبل بعض الجنود".
وقال ضابط في الشرطة الاتحادية، ، إن "الجهات الامنية تحاسب السيطرة التي تقصر في اداء واجبها بعد حصول اي انهيار امني، لكن المشكلة تكمن في طريقة والية المحاسبة".
وأضاف، "الضابط يعاقب الجندي بطريقة السجن او النقل او محاولة ايذائه بالطريقة التي كانت متبعة في نظام الجيش السابق، في حين هناك طرق اخرى يمكن اتباعها بحق المخالف او المقصر بطريقة مهنية لا انتقامية".
ويؤكد أن "هذا يؤدي إلى خلافات شخصية بين عناصر الجيش تشتت تركيزهم".
ومضى الضابط إلى القول، "تبدأ الأزمة في داخل صفوف الجيش بعد تمكن الجماعات الارهابية من اختراق السيطرات وتفجير السيارات لا سيما في المناطق المغلقة المنافذ مثل السيدية او مدينة الصدر والشعلة والغزالية والاعلام وابو غريب وغيرها".
وتابع، "عندما تتم معاقبة امر القاطع المشرف على الاداء الامني في تلك المنطقة، تثور ثائرته ليفرغ اثار عقابه بالجنود الذين لم يتلقوا تدريبات مكتملة او صحيحة، والذين يتم اطالة واجباتهم بسبب الفضائيين، والذين لم يتسلحوا بطريقة صحيحة، وهم ذاتهم غير مقتنعين بجهاز كاشف المتفجرات الذي يجبرون على استخدامه في المنافذ".
وأشار أيضاً إلى أن "بعض الاحيان يقوم الضابط بمعاقبة بعض من جنوده بسبب عدم تواجدهم في الواجب او تركهم السلاح، فيقرر نقلهم على اقل تقدير ان لم يقم باعتقالهم وسجنهم لفترة حسب القانون الذي يطبق بانتقائية عجيبة"، على حد تعبير الضابط.
في المقابل، تحدث ضابط اخر يعمل في دائرة شؤون الداخلية، برتبة عقيد، لـ"العالم"، عن اجراءات رقابية يقوم بها ضباط في الجهاز في محاولة للحد من أخطاء العمل الأمني في السيطرات، لكن هذه الجهود تصطدم بواقع أمني عصيب، بسبب وجود تقصير وفساد في بعض الأحيان.
وقال الضابط، "نقوم بجولات تفقدية للسيطرات والمرابطات ومعظم نقاط التفتيش في العاصمة بغداد، ونجد عدم التزام من قبل الجنود في كثير من الاحيان، بسبب انشغالهم بالهواتف النقالة، او الحديث الجانبي مع اصحاب المركبات ما يسبب اختناقات مرورية تنعكس على امنهم وامن المواطن".
وكشف الضابط عن "حالات فردية لبعض الجنود والمراتب الدنيا المتعاونين مع الجماعات الارهابية، وثبت بالدليل القاطع اتصالهم بعناصرها، وتم اعتقال بعضهم بالجرم المشهود".
وقال، "في الاشهر الثلاثة الماضية تم ايقاف 3 ضباط برتب مختلفة كانوا متورطين بتمرير سيارات مفخخة الى بعض المناطق".
وفي هذا السياق اكد الضابط أن "تردي اداء الجنود يعود الى التسليح والمواد اللوجستية المتمثلة بالتغذية التي يتم استقطاع جزء من مرتبات عناصر الاجهزة الأمنية لإيصالها لهم".
وتابع الضابط، "هناك ملاحظات على عملية توزيع الأغذية، حيث ينتفع منها بعض المتنفذين في وزارة الداخلية بالحصول على عقود الطعام، يقومون بتحضيره بطريقة سيئة لا تعجب الجنود في الغالب".
وقال، "في معظم الاحيان تتأخر وجبات الطعام عنهم او حتى لا تأتي (...) الجندي يشعر بالغبن، وبما ان معظمهم غير متعلم ولا يحمل الوعي الامني، فإنه يقوم بالانتقام من هذا الوضع بإهمال واجباته".
وفي سياق متصل، أكد الضابط "اعتقال بعض الجنود لتركهم واجباتهم، كما نفذت عمليات تفتيش مفاجئة في بعض الاحيان برفقة الضباط المعنيين او امراء القواطع لكشف اداء الجنود ووضع اليد على الخلل الذي يمنع الجنود من تأدية واجبهم".
وفي ملف الجنود الوهميين الذين يعرفون باسم الفضائيين، أكد الضابط أنهم "يشكلون خطراً كبيراً لا يمكن معالجته بالوقت الحاضر، وهو يؤثر بطريقة غير مباشرة على الجنود اذ ان وجود فضائيين اثنين في كل سيطرة مثلا يلقي بثقله على بقية الجنود المتواجدين الذين يضطرون الى تقاسم ساعات واجبات الجنود الوهميين".
وقال الضابط، "في بعض السيطرات يصل واجب الجندي الى 14 ساعة، ما يؤدي الى ارهاقه، وبالتالي كرهه لواجبه الذي يكلفنا الكثير".
ولم يكن الفضائيون المشكلة الوحيدة في اداء الاجهزة الأمنية، فبحسب الضابط الذي تحدثت معه "العالم"، فإن ما وصفه بـ"التعليمات الغريبة" تربك العمل الأمني وتكشف عن حقائق مؤلمة عن تسليح الجيش وطبيعة إدارة الملف الأمني.
وضرب الضابط مثالاً، "حين نشر ضباط في الجيش مدرعات عدة في أحد شوارع بغداد الرئيسة، وفي كل مدرعة 3 الى 6 اطلاقات فقط، وتم اصدار اوامر للجنود بعدم استخدام هذه الطلقات والاعتماد على الكلاشنكوف فقط في حال تعرضهم الى هجوم ما، دون ان يبينوا للجنود السبب من عدم استخدام الاطلاقات".
وقال، "هذه الأوامر دفعت الجنود الى ابلاغ ضباط الشؤون بوجود متواطئين مع الارهابيين واتهام ضباطهم بالأمر لانهم اصدروا اوامر بعدم استخدام الاطلاقات، لكن بعد التحري عن الموضوع تبين ان مخازن القوات لا تحتوي على طلقات اضافية ليتم تزويدهم بها لذلك يجب المحافظة على هذه الاطلاقات".
واكد مسؤول رفيع في وزارة الدفاع، لـ"العالم"، أن ضباطا في الجيش يقومون بعمليات رقابية مختلفة للحد من ظاهرة التسيب أثناء الواجب.
وقال المسؤول، "اتجول بسيارتي الشخصية عبر نقاط التفتيش، واعلم ان مروري بأول سيطرة سيجعل جميع نقاط التفتيش التابعة للفوج تعلم بعملية التجول التي اقوم بها، وذلك عن طريق تخابر الجنود فيما بينهم".
وأضاف، "اجد بعض نقاط التفتيش التي يفترض ان تشهد انسيابية سير في غير ساعات الذروة، مزدحمة بشكل غريب، وارى الجنود يفتشون معظم المركبات المارة، وذلك لأنهم يعلمون أنني أقف في طابور السيارات التي يفتشونها".
https://telegram.me/buratha
