الأخبار

سيارة مفخخة من بغداد إلى قلب أمستردام


كانت ساحة "لايدسه بلاين" في قلب أمستردام مزدحمة كعادتها بالناس من أهالي المدينة وزوارها. هذه الساحة الممتلئة عادة برسامي البورتريت، وبائعي الخواتم والقلائد المصنوعة في بلدان بعيدة، وفناني الشوارع الذين يجذبون الجمهور بعروضهم الاكروباتيكية، كانت ظهيرة يوم الأحد الثالث من يونيو على موعد مع مشهد من نوع آخر تماماً. حوالي الساعة الثالثة ظهراً وصلت إلى الساحة شاحنة تحمل بقايا سيارتين محطمتين. جاءت الأنقاض من العاصمة العراقية بغداد، اجتازت بلداناً عديدة لتصل إلى أمستردام، لعل سكان هذه المدينة المتنعمة يتحسسون جزءاً مما يعيشه الأهالي في بغداد البعيدة، حيث العنف الأعمى يحصد عشرات الأرواح البريئة كلّ يوم.

بقايا المفخخات

وسط تساؤلات وحيرة المارة أُنزلت أنقاض السيارتين وسط الساحة لتضفي على المكان الضاج بالحركة والحيوية غلالة من الكآبة والحزن. نـُصبت أمام السيارتين منصة صغيرة صعد عليها الصحفي الهولندي يوستوس فان اول ليشرح للجمهور الذي بدأ يتجمع حقيقة الأمر: هاتان السيارتان قتلتا عشرات العراقيين، في شارع المتنبي وفي سوق بغدادية أخرى. إنهما سلاح الإرهاب وأداة العنف الأعمى، سائقا السيارتين ذهبا إلى جنتهما وأخذا معهما عشرات الأرواح التي لم تكن راغبة في الذهاب إلى الجنة، بل كانت تأمل بالعودة إلى المنزل والأسرة بعد ساعات من العمل أو التسوق.

تفجير الذكريات

أول المتحدثين إلى الجمهور، كان الفنان المسرحي العراقي المقيم في أمستردام، صالح حسن فارس.. بحركة مسرحية مثيرة قفز بين السيارتين ليفتش بين مجموعة من الكتب المتناثرة هناك. التقط من بينها ديوان بدر شاكر السياب وأخذ يقرأ بالعربية مقاطع من "أنشودة المطر". بعد ذلك تحدث إلى الجمهور باللغة الهولندية عن زيارته الأخيرة إلى بغداد التي عاد منها قبل أسابيع. عن الخوف والحزن والقلق الذي يطبع حياة الناس اليومية، ولكن أيضاً عن الإصرار المتجذر في النفوس على مواصلة الحياة والإبداع رغم الإرهاب والعنف.. تحدث أيضاً عن ذكرياته مع شارع المتنبي وباعة الكتب فيه، وعن الأحلام الكبيرة التي كان يحملها رواد هذه السوق وكيف جاءت سيارة مفخخة بالحقد والكراهية لتجعل من تلك الأحلام كابوساً مرعباً.توالى المتحدثون بعد ذلك على التعبير عن مشاعرهم إزاء هذا المشهد المرعب، مشهد السيارات المفخخة التي تقتل الناس في صراع عبثي لا تبدو له نهاية في الأفق القريب.

الكاتب الهولندي المعروف "كريس كولمانس" الذي قضى أربع سنوات من طفولته المبكرة في بغداد، حيث كان والده يعمل هناك في الستينات، ذكـّر الحاضرين بأن الكتابة وجدت للمرة الأولى في العراق، وأنه هو شخصياً تعلم الحروف الأولى في العراق. أخبر الحاضرين أيضاً عن العبارة التي كانت شائعة في العالم العربي عن القاهرة التي تؤلف الكتب وبيروت التي تطبعها وبغداد التي تقرأ، وكيف أن الأخبار القادمة من العراق تؤكد أنّ أعداد الكتب الجديدة في العراق في تزايد، كما يتزايد نهم القراء في بغداد لمتابعة كل جديد. قال كولمانس إن الكتب خالدة لأن مؤلفيها صبورون وغير متعجلين، أما الانتحاريون الذين فجروا أنفسهم في سوق الكتب أو في أماكن أخرى فهم عابرون، لأنهم يستعجلون الوصول إلى الجنة.

رسالة من بغداد

المتحدث باسم الجهات المنظمة، تحدّث عن الجهود الكبيرة التي بذلتها المنظمة الطلابية الديمقراطية في جامعة بغداد، وهي الجهة التي تعاونت في تنظيم أمر نقل السيارتين وإخراجهما من بغداد. قال إن الطلبة البغداديين يوجهون لنا رسالة من خلال هاتين السيارتين: هذا المشهد الصادم لسكان أمستردام، هو جزء بسيط من مشهد يومي في بغداد، فلتكن هذه الأنقاض التي ترونها الآن في قلب العاصمة الهولندية محفزاً للتفكير بمصائر الأبرياء في بغداد، ومحفزاً للفعل أيضاً، الفعل مهما كان من أجل عالم بلا سيارات مفخخة.بعد أكثر من ساعة من الأحاديث المثيرة للمشاعر انفض المجتمعون، ونـُقلت بقايا السيارتين إلى المتحف الحربي الهولندي. المهتمون توجهوا بعد ذلك لحضور نقاش موسع حول العراق والشرق والأوسط في قاعة "ميلك فيخ" التي تقع على مرمى حجر من الساحة التي عرضت فيها الأنقاض.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو حسنين النجفي
2007-06-10
انا لله وانا اليه راجعون العالم كله يبحث عن العلم ويطور فيه لحياة افضل كما نحن العراقيون نبحث عنه في شارع المتنبي فيه الفكر والحلم والغد المشرق ولكن انظروا ماذا فعل المصريون بنا سرقوا حتى هذه منا وذهبوا للتمثيل واشهار شارع محمد علي شارع الراقصات والمطبلين والدعارة على اصولها ويتبجحون فيه واما شارع العلم والفكر فلا يريدونه فيبعثون له من يفجره ليمسحوا ثقافة العراق وفكره ليخلى لهم شارع محمد علي شارع الثقافة المصرية الاسلامية الخليعةقال عادل امام الراقصات اكثر من المدرسين /20/درجة
ابن العراق
2007-06-10
الله يجزي كل خير من قام بهذه البطولة والجراة في نقل مشاكلنا على العالم المتحضر لكن مال بغداد والمفخخات هل نجرأ ولو همسا بين انفسنا من المسبب ومن يحمل كل دمة سكبت بغير حق هل نجرأ هل نجرأ اللهم انتقم ممن جعل العراق على حاله
حاج عايش
2007-06-10
اقول هل راى بعض الاعراب الذين هربوا من بلدانهم هذا المشهد وهل فكروا ماذا لو كان في بلدانهم المحررة!!!مثل هذه الاعمال الدنيئة وهل تعاطفوا مع الشعب العراقي المسلم كما تعاطف معه النصارى ان كانوا من اهل ملة لان هؤلاء لا ينتمون الى دين بل هم ارذل خلق الله وهل سمع بهجت الثور العفلقي بذلك وماذا يقول نبيل في فضائية الهاشمي وماذا يكتب عبدالدولار وعلوان وسرمدليقنعوا الاخرين بالمجاومة التي عرفها الداني والقاصي بالتاكيد يقولوا الاحزاب الشيعية فجروها في مساجد السنة.
السيدة ام حازم
2007-06-10
شكرا لمن نقل بقايا الشاحنه الى امستردام. وشكرا لكل من شارك بهذا العمل البطولى. ممن نقلو الشاحنات او اللذين تحدثو عن هذا الارهاب المرعب .اما هولاء المفخخين القتله انهم جهله لايفهمون مامعنى سوق المتنبى . ولا يعرفون ماقيمة الكتاب وماقيمة الحرف .بكيت على ذكريات طفولتى. وعندما يسئلونى ماثقافتك ومن اين تخرجتى ؟ اقول انا خريجة شارع المتنبى شارع الادباء والشعراء والمثقفين العراقين . هل يفهم اللذين فجرو وقتلو الناس الابرياء كم هم اغبياء.
جعفر الساعدي
2007-06-10
أقول لكل ارهابي قبل كل شيء فكر في الأمر ملياً اسأل نفسك بانك بعد ضغطك على زر التفجير تكون قد أنهيت حياة العشرات من الناس. هل هؤلاء يستحقوا القتل؟ لنفرض جوابك نعم. اذن هل خولك الله بقتلهم؟ نعم من باب الجهاد. هل يرضى الله بتقطيع أوصالهم؟ نعم. اذن بالله عليك ما معنى آية (أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً). فكر بآخرتك ولا تجعل تقربك الى الله بأسخط فعل عند الله وهو قتل النفس. ابحث عن الحقيقة ولا تكن كبش فداء لذوي المصالح
الهدهد
2007-06-10
أنا متأكد لو أنه بقايا هذه السياره وضعتوها في أية عاصمه عربيه داعمه للأرهاب لرأيتم كيف يفرحون بها وربما جعلوها مزار يحجون له لأنها وببساطه قد قضة على العشرات من العراقيين الأبرياء ....فأنا لله وأنا أليه راجعون
ابو حسين
2007-06-10
شاهدنا ذلك قبل ايام في احد القنوات الهولندية ونتمنى ان يشاهد زعيم الجامعة العربية السيارات المفخخة في عراقنا الجريح وطبعا من خلال الفضائية المجاهدة تحت راية امير قطر الذي انقلب على ابيه وركله ركلة مابعدها ركلة عسى او لعلل الزعيم عمرو موسى يتحرك له رمش او يهتز له جفن
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك