لم ترغب (أم واثق)، ذات (59 سنة)، أن تفارق ولدها الراقد في المستشفى منذ اكثر من ستة شهور لأي سبب كان، وتقول انها قررت منذ ساعة سقوطه جريحاً عدم العودة ثانية الى بيته إلا بصحبته ليراه أبنائه ثانية يعيش بين الأحياء، أو تذهب لدفنه مع الاموات وأبيه الذي قتل في الحرب العراقية الايرانية.
وحكاية الجندي المصاب واثق عبد الكاظم لفتة، الذي يرقد منذ ستة أشهر، في مستشفى الديوانية التعليمي، بين الحياة والموت، تشكل نموذجاً لـ"إهمال" ضحايا أعمال العنف، وترك عوائلهم تعاني الأمرين من جراء ذلك، مما يتطلب إجراءات "خاصة" لمتابعة حالات أولئك الضحايا بما فيها تخصيص ميزانية خاصة لعلاجهم خارج العراق، كما يقترح مسؤولون في محافظة الديوانية، التي يسكنها واثق والتي اصيب في احد تفجيراتها.
وعود ذهبت أدراج الريح
وتقول أم واثق في حديث إلى (المدى برس)، أن "لمياء ابنة واثق ذات (التسع سنوات)، وأشقائها الصغار رقية (ست سنوات)، ومحمد (ثلاث سنوات) اشتد بكائهم يوم خرج ابوهم للالتحاق بوحدته العسكرية، وتضاعف حينما سمعوا دوي الانفجار الذي ضرب مركز مدينة الديوانية في (الـ29 من نيسان 2013)".
وتقول الأم، إن "وداعي لولدي وسكبي الماء خلفه، (عادة تمارسها الامهات العراقيات عند وداع الأبناء أو الأعزاء)، لم يكن كافياً لحفظه وحمايته"، وتشير إلى أن "شعوراً خفياً راودني عندها بأن خطباً ما سيحدث، وقبل أن تكتمل ساعة من مغادرته، سمعت دوي الانفجار، فصرخت باسمه من دون شعور، وركضت حافية القدمين إلى الشارع لاستطلاع ما حدث".
وتضيف أم واثق، "اتصلت بولدي ناطق، ليذهب ويعرف ما حدث في المدينة، وما هي إلا دقائق معدودات حتى رن هاتفي ليصدّق هواجس الليل والصباح، إذ أخبرني ناطق أن الانفجار قذف بواثق عشرات الأمتار، حيث وجده المسعفون غارقاً بدمائه فاقداً للوعي، بين الحياة والموت"، وتبيّن أن "واثق تطوع في الجيش لسببن، أولهما حبه لبلده، والثاني غياب فرص التعيين في الجهات الحكومية المدنية".
وتوضح أم واثق، أن "عشرات المسؤولين تهافتوا إلى مستشفى الديوانية التعليمي، حيث يرقد ضحايا التفجير، يوم الحادث، ووعدوا وعاهدوا أن ينقذوا حياة واثق الجندي البطل الملتحق لأداء واجبه"، وتستدرك "لكنهم سرعان ما تناسوا وعودهم ولم يكلفوا أنفسهم حتى بتكرار زيارته برغم مضي ستة أشهر على رقوده في المستشفى غائباً عن الوعي".
وتواصل أم واثق، أن "الاتصالات التي قام بها ولدي ناطق بأولئك النواب وأعضاء الحكومة المحلية فضلاً عن وحدته العسكرية، من دون جدوى، بل ولم يكن أحداً منهم يرد عليه أساساً".
وتتابع الوالدة المنكوبة بابنها البكر، "لم أسمح لبنات واثق وولده أن يشاهدوا والدهم منذ لحظة وداعه يوم الحادث حتى الساعة، اشفاقاً عليهم، لكنني لم ابارح المستشفى، إذ كيف لي العودة إلى بيتي من دونه"، وتستطرد "ربما يفيق وربما يذهب الى ربه ليلحق بوالده الذي مات من قبله، دفاعاً عن الوطن، وتركني أعاني في تربية أبنائي وحدي في ظل ظروف يعلمها من عاش داخل العراق سنوات الحصار".
الدولة تهمل ضحايا العنف
من جهته يقول، ناطق عبد الكاظم لفتة، شقيق المصاب واثق، في حديث إلى (المدى برس)، إن "واثق كان يهم مع رفاقه الالتحاق بوحدته العسكرية التابعة لقيادة الفرقة العاشرة، في منطقة العظيم، بمحافظة ديالى، يوم الحادث، وكان موعد لقائهم مقابل مطعم التأميم في (مركز مدينة الديوانية)"، ويستطر "لكن موعده مع القدر كان أقرب، بعد أن قذف به عصف الانفجار عشرات الأمتار عن مكان الحادث، مسبباً له ارتجاجاً بالدماغ وعدد من الكسور في ساقيه ويديه، وتناثر الشظايا في أجزاء متفرقة من جسمه".
ويؤكد لفتة، أن "الملاك الطبي في طوارئ مستشفى الديوانية التعليمي، أنجزوا ما عليهم من واجبات، وتمكنوا من السيطرة على النزيف الذي أصابه، كما أجروا له أربع عمليات جراحية، ساعدته على البقاء حياً"، ويضيف "لكن ضعف الإمكانيات المادية وغياب الأجهزة التخصصية، تسببت في عدم السيطرة على حالة الغيبوبة التي تمكنت منه لنحو ستة أشهر".
ويوضح شقيق الجندي المصاب، أن "واثق قضى أكثر من ثلاثة أشهر في غرفة العناية المركزة، معتمداً على الوسائل المساعدة، من أجهزة تنفس وغيرها، التي أبقته على قيد الحياة، وبعدها تمكن الاطباء ومساعديهم في المستشفى، من السيطرة على جهازه التنفسي، وأخرجوه من العناية المركزة إلى ردهة مفردة يرقد فيها حتى اليوم، لكن كثرة نومه فاقدا لوعيه دون حراك تسببت له بعدة مضاعفات منها قرحة الفراش والالتهابات".
ويذكر ناطق، أن "أعضاء مجلس النواب في المحافظة، والحكومة المحلية ووحدته العسكرية جميعهم، تخلوا عن التزاماتهم ومبادراتهم وواجباتهم، التي تعهدوا بها عند زيارتهم إلى الجرحى ساعة الحادث، أمام وسائل الإعلام"، ويبين أن "مبادراتهم لتدبير سفر علاجه خارج العراق لم تترجم إلى عمل، كما أن وزارة الصحة لا تتبنى سفر من هم في مثل حالة اخي حتى يستعيدوا وعيهم".
ويتابع شقيق الجندي المصاب، أن "قائد الفرقة وآمر اللواء زاروا واثق بداية الحادث، لكنهم انقطعوا بعدها ولم يكلفوا انفسهم عناء السؤال عنه أو متابعة احواله"، ويرى أن "وحدته ووزارة الدفاع قصروا عندما لم يطالبوا وزارة الصحة تسفير شقيقي إلى الخارج لاستكمال علاجه وانقاذ حياته".
ويؤكد ناطق، أن "الدولة مسؤولة عن حياة أبنائها لاسيما المصابين من جراء الأعمال الإرهابية ومن غير المنطقي تركهم وعوائلهم يعانون الأمرين بحثاً عن علاجهم وما يتطلبه ذلك من نفقات كطائلة"، ويضيف أن "العديد من المستشفيات الهندية بينت إمكانية علاج واثق، لكن لا حياة لمن تنادي".
الموت السريري
من جانبه يقول مدير شعبة العناية المركزة في مستشفى الديوانية التعليمي، الدكتور عماد محمد حسين، في حديث إلى (المدى برس)، إن "حالة المصاب واثق كانت خطيرة جداً عند وصوله، بل أنه عد ميتاً سريرياً في بادئ الأمر، نتيجة دخوله في حالة صدمة وما تعرض له من إصابة حرجة، إلا أن جهود منتسبي شعبة الطوارئ وسرعة قيام الأطباء بالإسعافات الأولية والعمليات المستعجلة، أسهم في بقائه على قيد الحياة".
ويوضح حسين، أن "واثق اخضع لعدة عمليات طارئة، منها عملية فتح للبطن وأخرى لهندمة الجروح، وعدة عمليات لترميم العظام المكسورة في يديه ورجليه وزراعة البلاتين"، ويشير إلى أن "فقدان الوعي وفشل التنفس كانت من أخطر التحديات التي واجهت عمل أطباء الاختصاص والمسعفين، لكنهم تمكنوا من إخراجه من العناية الفائقة بعد أكثر من ثلاثة أشهر لاستقرار تنفسه، ونقل إلى غرفة خاصة لأن رقوده سيكون طويلاً، ولا نعرف متى سيستعيد وعيه الذي غاب عنه طوال ستة أشهر تقريبا".
ويتابع مدير شعبة العناية المركزة في مستشفى الديوانية التعليمي، أن "الضرر الذي أصاب دماغ واثق من جراء شدة الصدمة بجسم صلب، سبب له تلفاً في جزء من خلايا الدماغ المسؤولة عن الوعي والاتصال بالعالم، وهي حالة أخف بقليل من ما يعرف بالموت السريري"، ويؤكد أن "سفر المصاب إلى خارج العراق مبكراً، كان سيسهم في سرعة شفائه، التي أصبحت اليوم بعيدة المنال وصعبة التحقيق، فحتى في الدول المتقدمة ليس من علاج لمثل حالته، التي اصبحت تعتمد على عامل الوقت فقط".
ويرى الطبيب المعالج، أن من الضروري "تطوير قدرات وإمكانيات المستشفى من خلال تبني مشروع توأمة العناية المركزة مع ألمانيا"، ويطالب "حكومة الديوانية بدعم المشروع مادياً ومعنوياً، لأنه سيقدم خدماته إلى محافظات الفرات الأوسط والجنوب وينهض بمستوى الملاكات الطبية والعاملين في اقسام وشعب الطوارئ بالمحافظة".
حكومة الديوانية تدعو لتخصيص ميزانية لعلاج ضحايا الإرهاب بالخارج
على صعيد متصل يقول النائب الثاني لمحافظ الديوانية، مالك الحسيني، في حديث إلى (المدى برس)، إن "المصابين نتيجة العمليات الإرهابية يحتاجون إلى العلاج خارج العراق"، ويضيف "لكن ذلك يزيد من معاناة وزارة الصحة".
ويؤكد الحسيني، أن "الحكومة المحلية تدعم رغبة ذوي الجرحى الذين يستعصي علاجهم داخل المستشفيات الحكومية، وتعمل على تسريعها والتعجيل بها، من خلال مطالباتها المستمرة إلى وزارة الصحة".
ويذكر النائب الثاني لمحافظ الديوانية، أن "السلطة التنفيذية تدعم اصدار أي قرار أو قانون من مجلس المحافظة، يتبنى موضوع علاج جرحى الأعمال الإرهابية خارج العراق، على أن يتم تخصيص موازنة لها ضمن مشاريع تنمية الأقاليم، أو سحب المبالغ المخصصة لعلاج الجرحى والمرضى من وزارة الصحة بحسب النسبة السكانية".
البترو دولار يحل مشاكل ضحايا الإرهاب
بدوره يقول رئيس لجنة الصحة في مجلس محافظة الديوانية، باسم الكرعاوي، في حديث إلى (المدى برس)، إن "حالة الجريح واثق بحاجة لوقفة جادة وحقيقية من المجلس"، ويؤكد على أن "لجنة الصحة ستقف معه ومع غيره من ضحايا الإرهاب بشرف، وستعمل على علاجهم خارج العراق، خاصة بعد أن بدأنا مشروع دعم ومساعدة الجرحى والمرضى في ذلك من أموال البترو دولار وإيرادات مجلس المحافظة".
ويطالب الكرعاوي، وزارتي الدفاع والداخلية بضرورة "تخصيص نسبة من أموالها إلى منتسبيها لعلاجهم في حالة إصابتهم خلال الواجب أو من جرائه".
https://telegram.me/buratha
