لمّح وزير التخطيط والتعاون الانمائي العراقي علي بابان الى عدم امكان اجراء التعداد السكاني العام في العراق المقرر في نهاية كانون الاول الجاري، نظراً الى "الانقسام بين العراقيين". وشكك في حوار مع "النهار" في امكان اجرائه اصلا، معتبرا ان التعداد" دخل مرحلة المساومات بين الكتل السياسية" وانه لن يضع اسمه على تعداد يلغي هوية اي عراقي، وذلك رداً على مطالبة الاكراد باخضاع كل الاقليات الدينية والعرقية في اقليم كردستان للقومية الكردية، لافتا الى ان التخطيط يعتمد اساسا على الاستقرار السياسي والامني، و"اذا لم يتوافر للعراق استقرار أمني وسياسي، فلاجدوى من الحديث عن التخطيط".
وعلق على خسارته في محافظة نينوى في الانتخابات مرشحاً لـ"ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، بانه تعرض لعملية "تزوير حقيقية" وان السيطرة في نينوى "للقاعدة ولحزب البعث حتى هذه اللحظة". ورفض مقولة ان الموصليين عاقبوه نتيجة تركه جبهة الحزب الاسلامي العراقي وجبهة التوافق العراقية السنية والتحاقه بائتلاف ذي غالبية شيعية.
وهنا نص المقابلة:• كان يفترض ان يجرى التعداد السكاني العام الماضي، لكنه أجّل الى هذه السنة وكان يفترض ان يجرى في تشرين الاول الجاري، ثم أجّل شهرين اضافيين، لماذا؟
- السبب معروف، فهناك انقسام وطني حول التعداد، اذ ان المتحمسين يطالبون به وغير المتحمسين يرفضونه لاسباب سياسية، الكرد متحمسون له ويريدونه لاسباب سياسية، والرافضون وهم الاطراف العرب والتركمان، او لاقل المكون السني في العراق بشكل عام، يرفضونه لانهم يشعرون ان أهالي المدن والبلدات التي تقع تحت السيطرة الكردية، يتعرضون لضغوط لعدم تسجيل انفسهم كافراد، اذا رفضوا ان يسجلوا انفسهم كقومية كردية. هناك مناطق متنازع عليها في العراق وخصوصاً في محافظات كركوك ونينوى وديالى وحتى في صلاح الدين، وسكان هذه المحافظات يخشون اجراء التعداد في هذه الظروف.كان بيننا وبين اقليم كردستان جدل حول موضوع القومية، فالاكراد يعتبرون، الكرد الفيليين (اكراد يتحدرون من اصول ايرانية) والشبك والايزيدية (وهما اقليتان دينيتان) اكرادا، ونحن قلنا لهم ليس لدينا مانع في ذلك، لكن يجب ان يترك الامر للمواطن نفسه، هو حيث يضع نفسه، اذا اراد ان يكون كرديا فله ذلك، واذا اراد ان يصف نفسه ايزيديا او شبكيا او فيليا فهو حر وارادته محترمة. كان رأيي ان يكون المواطن العراقي حر في اختيار مايشاء. ولن اضع اسمي على تعداد يلغي هوية اي عراقي .
• وهل يصر الكرد على رفض مقترحاتك؟- لا اقول انهم مصرون، لكنهم في الوقت نفسه لاينظرون اليه بارتياح.
• انتم كوزارة مهنية وحيادية ما الذي فعلتموه لتقريب وجهات النظر بين الافرقاء؟- فعلنا الكثير والتقينا كل الاطراف، وحاولنا اقناعهم بان لا صبغة سياسية للتعداد، وانه لن يقرر مصير المناطق المتنازع عليها، ولكن ليس لدي قدرة على ان اجبر الاكراد على الانسحاب من هذه المنطقة او تلك. او ان اجبر التركمان على القبول بنتائج تعداد ينظرون اليه بريبة في ظل الظروف القائمة. هناك مخاوف حقيقية عند الناس لاينبغي اهمالها.
هذا العراق
• تأجل التعداد العام الماضي وتأجل هذه المرة شهرين، فما الضامن لقيام التعداد اصلاً؟هذا العراق، وهذا هو وضعه ومشاكله. لاحظ مضى الان سبعة اشهر على اجراء الانتخابات النيابية، فهل تمكنا من تأليف الحكومة؟ السبب نفسه الذي أخّر تأليف الحكومة، أخّر التعداد، انه الانقسام بين العراقيين.
* وهل تتوقع اجراء التعداد في الموعد الجديد الذي هو في نهاية كانون الاول المقبل؟- علينا تقديم ما نستطيع، فضمن قرارات مجلس الوزراء الذهاب الى المحكمة الاتحادية لسؤالها، حول ما اذ سيقرر التعداد هوية المناطق المتنازع عليها ام لا؟ وثانيا نحن مكلفون من مجلس الوزراء اقناع الكتل السياسية والمجموعات العرقية والطائفية بقبول التعداد. سنبذل جهدنا وننتظر جواب المحكمة الاتحادية. نأمل خيرا ولكن لست متأكدا من النتيجة.
* اجريتم تعداداً تجريبيا في عموم العراق، فهل اتت نسبة سكان اقليم كردستان الى عموم سكان العراق مطابقة لنسبة 17 في المئة التي يدعيها الأكراد؟- عذرا، لا ارغب في الاجابة عن هذا السؤال، لاننا لانريد اعلان هذه النسبة الى ان يكتمل التعداد الحقيقي، وهذا تعداد تجريبي لايعتمد عليه سواء كانت النسبة اقل او اكثر، لقد التزمنا عدم ذكر الارقام حتى نستكمل التعداد العام بشكل رسمي.
• التأخير في تأليف الحكومة، هل له علاقة بتأخر التعداد العام؟- عدم استقرار الوضع السياسي له تأثير كبير على عمل وزارة التخطيط. دعني اضرب لك مثلا واحدا، خطة التنمية الخمسية التي سعت اليها منذ اكثر من سنة وحظيت بالموافقة قبل اشهر وزارة التخطيط وعملت عليها بقوة، وتبناها مجلس الوزراء، ولكن يفترض ان تقر بقانون، يلزم الوزارات تنفيذها، لكن شيئا لم يحدث من ذلك.والامر ذاته ينطبق على التعداد السكاني، فالوضع السياسي محتقن والحكومة منتهية ولايتها، والاكراد وضعوا التعداد مطلبا اساسيا في ورقتهم التفاوضية، ولذلك دخل التعداد مرحلة المساومات بين الكتل السياسية.
* انت على رأس اعلى سلطة تخطيط في البلاد، فكيف ترى الامر؟- والله... كل شيء يعتمد على الاستقرار السياسي والامني، لا سمح الله اذا لم يتوافر للعراق استقرار امني وسياسي، فلاجدوى من الحديث عن التخطيط، اذ انه لاينجح الا في بيئة مستقرة.التخطيط في حاجة الى شرطين: بيئة مستقرة وادارة حكومية متجاوبة. وكلا الامرين مفقود في وضع العراق الحالي.
الكهرباء هي المفتاح
• ماهي اولوياتكم في التخطيط؟- اولوياتنا بناء الاقتصاد العراقي واعادة تاهيل القطاعات الانتاجية، هذه نظرية اكررها منذ اربع سنوات في وسائل الاعلام، والبداية في القطاعات الانتاجية في حل مشكلة الكهرباء لانها البداية لكل شيء، فمن دونها لانستطيع الذهاب الى اي مجال سواء في الصناعة او في الزراعة وغيرها. الكهرباء هي المفتاح لحل مشكلة العراق الاقتصادية.
* عينت وزيرا للتخطيط عن الحزب الاسلامي المنضوي تحت لواء جبهة التوافق السنية، وحين اعلنت الجبهة انسحابها من الحكومة في آب 2007 رفضت الانصياع لقرارها. كيف هي علاقتك بها اليوم؟- علاقتي بجبهة التوافق والحزب الاسلامي هي الان على افضل ما تكون، عالجنا الموضوع بسرعة، صحيح لم اعد منتميا الى جبهة التوافق، لكن العلاقات قائمة، وانا هنا اتكلم عن الحزب الاسلامي باعتباره مكونا اساسيا في الجبهة. علاقتي بالحزب الاسلامي لا تزال طيبة اشخاصا وافرادا، فكرا ومنهجا، وربما يعتبرونني ممثلاً له في الوزارة الآن. لقد عالجنا الموضوع بسرعة، لأنهم ايضاً عادوا الى الحكومة بسرعة، اعتقد انهم اقتنعوا ان قرار الانسحاب من الحكومة لم يكن موفقاً او مجدياً.
• لماذا لم تلتحق بهم في الانتخابات النيابية الأخيرة وفضلت الانضمام الى "ائتلاف دولة القانون"؟- ذكرت لك ان الموقف تغير ولم اعد منتمياً الى الحزب الاسلامي. احمل تقديراً واحتراماً لبعض قياداتهم، وليس للجميع (يضحك) ووجدت ان "دولة القانون" هي الاقرب الي ولأكثر من سبب.
تربطني علاقة وفاء شخصية مع رئيس الوزراء، وأنا وقفت معه في قرار العودة، وهو وقف معي عندما ضغطت جبهة التوافق لاخراجي من الحكومة، ووقف أمام الضغوط وتمسك بي، كان موقفه يدل على الوفاء، وانا سبقته بالوفاء، فصار بيننا تاريخ من الوفاء المتبادل ومن الصعب التخلي عنه. ولذلك وجدت انه الاقرب الي.
• أنت ذهبت بعيداً مع السيد المالكي ودخلت مرشحاً عن ائتلاف "دولة القانون" عن محافظة نينوى، لكنك لم تتمكن من الفوز بمقعد نيابي؟- محافظة نينوى قصة كبيرة، من يخسر الانتخابات، ويا للأسف، لا أحد يصدقه، وفي واقع الحال تعرضنا لعملية تزوير حقيقي وغير مصطنع، ضغط علينا كثيراً في الانتخابات.
محافظة نينوى، لها وضع خاص، السيطرة فيها للقاعدة ولحزب البعث حتى هذه اللحظة، حزب البعث والقاعدة يملكان نفوذاً كبيرة في المحافظة، ويؤثران كثيراً على القوى السياسية النافذة، وكان هناك قرار ان لايفوز احد من ائتلاف دولة القانون من محافظة سنية، لافي الأنبار او نينوى او كركوك او صلاح الدين، كان هناك قرار باسقاط اي مرشح سني عن دولة القانون.
• هناك من يقول ان الموصليين وجهوا اليك نوعاً من العقوبة كونك التحقت بقائمة ذات غالبة شيعية؟- أنا لا أدعي ان دولة القانون لها شعبية كبيرة في الموصل، هذه حقيقة، القائمة العراقية هي صاحبة الشعبية الكبرى، ولكن كنا لنفوز لو كانت الانتخابات طبيعية، ولتمكنا من الفوز بمقعدين او ثلاثة. لكننا تعرضنا للتزوير والغاء الاصوات، ولدي قصص كثيرة، لكنها اليوم وراء ظهورنا.
• هل تتوقع من المالكي ان يكافئك على ذلك، اذا فاز بولاية ثانية لرئاسة الوزراء؟- المكافأة حاضرة بغض النظر عما اذا اصبحت وزيراً مجدداً او لا، الرجل يحترم ويقدر، وقضية المنصب تخضع للتقديرات وحسابات الكتل السياسية، لا نريد ان نضغط على الرجل وهو حر في اختياره.
بغداد - من فاضل النشمي
https://telegram.me/buratha