منوعات

الثقة بالله والأمل في الأمثال الشعبية العراقية

9318 2022-11-29

د.أمل الأسدي ||

 

تعد الأمثال الشعبية مصدرا للحكمة، وخلاصةً مكثفة مختزلة لتجارب الحياة التي يمر بها الإنسان، فتأخذ منه، وتعطيه وتقومه، وقد يكون المثل  مرتبطا بحدث ما أو قصة ما، تنتهي بجملة  تمثل مغزی الحكاية، فتشتهر  الجملة وتشيع لتصبح مثلا تتناقله الألسن، وتستشهد به في حوادث الحياة وأحداثها المشابهة لقصة المثل.

ومن هنا سنقف  عند الأمثال الشعبية العراقية المتعلقة بالأمل والتفاؤل والثقة بالله سبحانه وتعالی،والجدير بالذكر أن الحياة في العراق وعلی مر العصور كانت صعبة وفيها تعقيدات كثيرة، فبيئته الغنية الزاخرة بالثروات، جعلته هدفا  في عيون الطامعين والمستعمرين وكل من يعتاش علی ثروات غيره؛ لذا جاءت الأمثال الشعبية العراقية  عميقة، معبرة بتكثيف واختزال عما يدور في  العراق من أحداث.

وبما أننا نمر بأوضاع غير مستقرة،ونعيش في أزمات كثيرة، ناهيك عن النزعة المادية التي  طغت علی حياتنا بعد الانفتاح المفاجئ  الذي حدث بعد التغيير، وإطلاق وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت بلا قيود أو تقنين؛ اخترت أن أعود بالمتلقي إلی الأمثال الشعبية التي تحث علی الصبر والتفاؤل والأمل، والتي اعتدنا  أن نسمعها من الامهات والجدات، سيدات الفطرة والتلقائية الجميلة،  ولاشك أن لهذه الأمثال أنساقا مضمرة مرتبطة بثقافة  الشعب العراقي، وهويته الإسلامية المهيمنة،وبعد انتشار المثل ، يصبح  سياقا عاما  يستعمله الجميع،ومن أهم تلك الأنساق هو القرآن الكريم والآيات التي تتحدث عن حضور المدد الإلهي، وحضور الفرج واليسر حين يمر الإنسان بأزمة ما، ومن ذلك قوله تعالی:((( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) ) سورة الشرح، الآيتان:٥-٦

وكذلك قوله تعالی:((وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ )) سورة الطور، الآية ٤٨

وأيضا قوله تعالی:((...سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)) سورة الطلاق، الآية: ٧ وغيرها من الآيات القرآنية الحاثة علی التفاؤل والصبر والجلادة والثقة بالله والتوكل عليه، فضلا عن طبيعة المجتمع العراقي والبيئة العراقية المرتبطة برسول الله الأعظم وأهل البيت(صلوات الله عليهم) وقصصهم وبطولاتهم وتأييد الله لهم ونصره لهم في الشدائد، كل ذلك جعل حضورهم في واقعنا اليومي مقرونا بالثقة بالله والتوكل عليه وانتظار فرجه الذي يأتي من حيث لا نعلم ولا نحتسب، فحين تمر الأسرة بضيق تسرع الأم لقراءة  قصة " حلال المشاكل" وتجتمع الأسرة حولها وحول طبق الحلوی(الزبيب والحمص) ويردد الجميع:

  ناد عليا مظهر العجائب

  تجده عونا لك في النوائب

   كل هم وغم سينجلـــي

بولايتك يا علي ياعلي ياعلي

وقد تجد الأمهات يرددن وقت الغروب:

ـ يا صاحب الغروب وياعلي المندوب"

أو تجد الأم تضع رأسها في فوهة التنور وتنادي:" يا الزهرة حضرينا" وهذا ما يُعرف بتنور الزهرة في المخيال الشعبي العراقي،  وهكذا ترتبط  البيئة الاجتماعية العراقية بالإسلام  وبرسول الله وأهل بيته، ارتباطا وامتزاجا لم يستطع الطغاة علی مر العصور  تذويبه أو تمييعه أو تغييره، وإلی هذا الارتباط وهذا الإيمان تعود جُل الأمثال الشعبية والقصص وحكايات السمر المتعلقة بالثقة بالله والتفاؤل، ومن تلك الأمثال:

⭕ ساعة من ساعة فرج

⭕ دورة ولفتة

⭕ ما تضيق  إلا ما تفرج

⭕تبات نار تصبح رماد

⭕ من الباب للكوسر فرج

⭕تگضي وتصير سوالف

⭕ شربت وشربت يازبيب، ويالنادب الله ما تخيب!

⭕بين المغرب والعشا، يفعل الله مايشا

⭕ دوام الحال من المحال

⭕ ياغافلين الكم الله

⭕شدة وتزول

⭕الي يطيح من السما تتلگاه الگاع

⭕ الي يشوف بلاوي الناس، تهون عليه بلواه

⭕ اصبر علی الحصرم تاكله عنب

⭕طول البال يهدم جبال.

وهنا سأتحدث لكم عن  حكاية " شربت وشربت يا زبيب ويالنادب الله ما تخيب" إذ يرددها الناس أوقات الشدائد والمحن، وملخص هذه الحكاية هو:

كان هناك رجل يبيع عصير الزبيب،وذات يوم مرّ  السلطان من قربه، وشرب من عصيره فأعجبه كثيرا، وطلب منه أن يأتيه كل يوم  بالعصير، وصار الرجل يأتي يوميا بالعصير، ويعطيه السلطان  مبلغا جيدا مقابل ذلك، وصار لهذا الرجل الحظوة والمكانة لدی السلطان، مما أثار حسد  العاملين  في القصر بما فيهم صديق  بائع العصير!!

فقد زار صديقه وقال له: جلبت لك طعاما شهيا ممتازا، وحين أكله، بدت رائحة الثوم من فمه، فأشار عليه أن يذهب الی السلطان مُلثّما حتی لايشم رائحة الثوم وكي لا يكرهه السلطان ويكف عن شراء عصير الزبيب!!

ثم سبقه الی السلطان وأخبره أن صاحب العصير يقول: إنه يشم رائحة كريهة تنبعث من السلطان!!

وحين قدم بائع العصير وكان مُلثّما، استيقن السلطان من الأمر، فكتب له كتابا، وقال له: هذا الكتاب مفاجأة لك وجائزة، لاتفتحه وسلمه لقائد الجند!!

فخرج الرجل فرحا، ووجد  صديقه. فأعطاه الكتاب، وقال له: خذ  الجائزة لك، تستحقها!

فأخذ المنافق الكتاب وذهب لقائد الجند مسرعا!!

وحين فتح الكتاب قرأ فيه: اقطع رأس من يسلمك الكتاب فورا!!!

فقطع رأس  المنافق بدل بائع العصير!!

وفي اليوم الثاني،  اندهش السلطان حين رأی بائع العصير، وروی له حكاية صديقه، الذي ذهبت حياته نتيجة حسده وحقده! ومن يومها صار بائع العصير يتجول في الأسواق وينادي:

شربت وشربت يا زبيب

ويالنادب الله ما تخيب!!

ويردد الناس مقولته للدلالة علی رعاية الله لكل غافلٍ متوكلٍ، مسلِّم أمره إلی الباري سبحانه وتعالی!!

وهكذا تقودنا هذه الأمثال الحاضرة في واقعنا اليومي إلی الثقة بالله والصبر وعدم  الانجرار الی اليأس والجزع، فإن الله حاضر شاهد قريب من عباده، وأن أبوابه مُفتّحةٌ للوافدين، وعلينا أن نتشبث بهذا المنطق ولا نسلّم ولانذعن  إلی ما يحاول الشيطان وماكنته الخبيثة  بثه  بين الناس، من توهينٍ وتيئيسٍ وتثبيط وإحباط، فلن تفلح العدمية في بلد كالعراق، تربی علی محبة محمد وآل محمد(صلوات الله عليهم) وتربی علی إحياء ذكراهم  علی الرغم من الفاصل الزمني البعيد، فنجده في شهر المحرم الحرام يتصرف وكأن يوم عاشوراء الآن، وفي الأربعينية وكأن السيدة زينب قد أتت الآن لزيارة الحسين(عليهما السلام)، وفي شهر رمضان يشعر أن ضربة ابن ملجم الشقي قد وقعت الآن، وفي شهر رجب يشعر أن الإمام موسی بن جعفر(عليه السلام) قد اُستشهد الآن!!

وهكذا يعيش  بمشاعر طازجة، وإيمانٍ فطريّ، وتسليم مطلق، وبهذا الإيمان و التسليم  انتصر علی القوی الظلامية التي استهدفته بشتی الوسائل، حروب ودمار وحصار وطائفية ومفخخات وسبي وتهجير ...الخ

فهو شعب محبّ للحياة، يبتسم ويرحب ويكرم  في كل الأحوال، شعب يردد:

من الباب للكوسر فرج!

 

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك