في ذكرى وفاة أم البنين "ع"
أحمد الحسيني
توفيت بتاريخ 13 جمادي الاخر سنة 94 هجري
الموافق 15 آذار 713
أم البنين هي السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية العامرية (أم البنين) (ع) زوجة الإمام علي أمير المؤمنين (ع). أنجبت له أربعة أولاد وقيل خمسة أولاد وكلهم قتلوا في معركة الطف الخالدة بكربلاء، وقد أظهرت هذه المعركة بشكل واضح جلي إخلاص آل البيت الكريم وتضحيتهم في سبيل إعلاء كلمة الإسلام والحق، وتمسكهم في الدفاع عن المثل العليا والكرامة ضد الجبروت والطغيان. فضربوا بذلك مثلاً يقتدى به في التضحية ونكران الذات، وكان أبرز شجعان هذه المعركة أولادها الأربعة وهم: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان وقيل عون، وأمهم أم البنين فاطمة بنت حزام, لقد كان هؤلاء الأبطال المثل الأعلى للناس آنذاك في النهوض والاستبسال والتحرر من ذل والهوان والكسل ومن يتبصر في سيرهم يقف إجلالاً لهم وإعظاماً لمقامهم الشامخ.
أم البنين (ع) شخصية كريمة والمثال العالي للمرأة وفخر الشخصيات النسوية.
قامت السيدة أم البنين برعاية سبطي رسول الله (ص) وريحانته وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام)، وقد وجدا عندها من العطف والحنان ما عوّضهما من الخسارة الأليمة التي مُنيا بها بفقد أمّها سيدة نساء العالمين فقد توفيت، وعمرها كعمر الزهور فقد ترك فقدها اللوعة والحزن في نفسيهما.
لقد كانت السيدة أم البنين تحمل في نفسها من المودة والحبّ للحسن والحسين (عليهما السلام) ما لا تكّنه لأولادها اللذين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم. لقد قدّمت أم البنين أبناء رسول الله (ص)، على أبنائها في الخدمة والرعاية، ولم يعرف التاريخ أن ضرّة تخلص لأبناء ضرّتها وتقدّمهم على أبنائها سوى هذه السيدة الزكية، فقد كانت ترى ذلك واجباً دينياً لأن الله أمر بمودّتهما في كتابه الكريم، وهما وديعة رسول الله (ص)، وريحانته، وقد عرفت أم البنين ذلك فوفت بحقّهما وقامت بخدمتهما خير قيام.
أم البنين (ع) هذه الشخصية التاريخية الباهرة الفذة التي أفنت حياتها كلها في تربية الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة (عليهما السلام).
الموقف الذي لا ينسى: كانت أم البنين من أول الناس الذين خرجوا لاستقبال بشر بن حذلم، وهو ينادي برفيع صوته:
يـــــا أهـــــل يــــثرب لا مــقام لكم بها***قـــــــتل الحســــــين فـــــأدمعي مـدرار
الجـــــسم مـــــنه بــــكربلاء مضــــرج***والـــــرأس منـــــه عـــــلى القناة يدار
ولما وقع بصرها على الناعي لم تسأله عن العباس، ولا عن أي واحد من أبنائها الذين قتلوا مع أخيهم الحسين، وإنما سألته عن الحسين؛ خبرني عن الحسين؟ وعلت الدهشة وجه بشر بن حذلم عندما عرف أن هذه المرأة هي فاطمة بنت حزام العامرية، وهي أم البنين بالذات كيف لا تسأله عن أولادها؟؟؟ وظنها لوقع الصدمة ذهلت عن أبنائها، فراح يعددهم واحداً بعد الآخر، وفي كل واحد منهم كان يعزيها ويقول لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر. فتقول: أخبرني عن ولدي الحسين(ع).ولم يلتفت بشر إلى هذا الموقف وراح يخبرها ببقية أولادها، إلى أن وصل إلى العباس، فما كاد يخبرها بقوله: يا أم البنين عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس (ع)، حتى نظر إليها وقد اعتراها اضطراب شديد في تلك اللحظة التي سمعت فيها نبأ مصرع أبي الفضل العباس، بحيث اهتز بدنها ولكنها تحاملت واستمرت في إلحاحها على بشر؛ أخبرني عن ولدي الحسين؟
يقول بشر: وحينما أخبرتها بمقتل الحسين ومصرعه صرخت ونادت: واحسيناه، وا حبيب قلباه… يا ولدي يا حسين.. نور عيني يا حسين.. وقد شاركها الجميع بالبكاء والنحيب والعويل على الحسين، ولم تذكر أبناءها إلا بعد أن ذكرت الحسين وبكت عليه.
وهذا موقف آخر وما اكثر مواقفها المشرفة: قيل إن أم البنين أتت ذات يوم إلى أمير المؤمنين وقالت له: لي إليك حاجة…قال لها: قولي ما عندك.
قالت: أنا أطلب منك أن تغير اسمي، قالت عندما تناديني فاطمة، أرى الانكسار بادياً على وجوه الحسن والحسين وزينب، فإنهم يذكرون أمهم فاطمة الزهراء (ع) ويتألمون فما كان من الإمام إلا أن غير اسمها وسماها أم البنين. هذه المواقف المثيرة من أم البنين، وقد ملئ قلبها بالإيمان والمحبة والإخلاص.
هذه السيدة الجليلة التي أحباها الله وخصها بعناية تامة، إذ استطاعت أن تصمد بكل اقتدار وحزم وإقدام وثبات أمام تحديات الزمن. وظلت محتفظة بشخصيتها القوية وسماتها الأصيلة، رغم ظروف الدهر القاهرة، وتداعيات الزمان الجائرة. واستكملت الفضائل بالصبر والتضحية بإيمان راسخ فكان لها الشرف الكبير حتى انتهى بها المطاف إلى مثواها الأخير في بقيع الغرقد وظلت ذكراها العطرة وشعلتها القدسية مازالت تذكر على مر العصور جيلاً بعد جيل فهي في طليعة اللواتي خدموا وضحوا وجاهدوا في سبيل الله.
أم البنين كانت مدرسة لتعليم البنات وتربية النساء وحياتها كلها مدرسة تفيض من الدروس الأخلاقية والإيمانية والجهادية.
وهاهي ذكرى وفاتها الأليمة تمر على المؤمنين والمحبين لآل بيت النبوة (ع) (( آجركم الله )).
24/5/505
https://telegram.me/buratha