في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة وتصاعد الخروقات اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار، تتزايد التساؤلات حول مستقبل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومدى قدرتها على وقف الحرب وفتح الطريق إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الذي تبناه مجلس الأمن الدولي.
وبين ضغوط اليمين الإسرائيلي لعودة الحرب والقضاء على حماس، وتباين الموقف الأمريكي، وصمت الوسطاء، يبدو أن واقع الميدان في غزة يسير في اتجاه مغاير لما نصت عليه الخطة الأمريكية.
ومنذ اللحظة الأولى لإعلان وقف إطلاق النار، ظلت الهشاشة سمة ملازمة للاتفاق، فمع مرور الأيام تتكثف الهجمات التي يشنها الجيش الإسرائيلي في مختلف مناطق القطاع، وسط اتهامات متبادلة بين إسرائيل وحركة حماس بخرق الاتفاق.
وبحسب إحصاءات فلسطينية رسمية، خلفت الخروقات الإسرائيلية أكثر من 340 شهيدا و800 مصاب، نتيجة عمليات قصف وتوغل ونسف لمنازل ومنشآت مدنية.
ووفق تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي اليوم الثلاثاء فإن إسرائيل خرقت اتفاق وقف إطلاق النار 500 مرة، مؤكدًا أن بلاده لن تنشر قوات في القطاع، لكنها مستعدة للمساهمة في تدريب الشرطة الفلسطينية.
هذا الواقع الميداني الملتهب يطرح التساؤلات فيما إذا كانت خطة ترامب قابلة للحياة أم أنها دخلت فعليًا مرحلة التعثر، وسط تعالي أصوات اليمين الإسرائيلي التي تطالب الجيش بالتحضير لخطة بديلة تقوم على نزع سلاح حماس بالقوة، إذا ما فشلت الجهود الدبلوماسية التي تدفع بها واشنطن عبر خطة الرئيس ترامب.
ووفق مراقبين فإن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تستخدم التهديد بخطة بديلة كوسيلة ضغط على إدارة ترامب والوسطاء، في وقت تتزايد فيه هيمنة التيارات المتشددة داخل الحكومة الإسرائيلية.
ويرى الخبير العسكري الجنرال ضيف الله الدبوبي أن السؤال ليس ما إذا كانت الخطة قد فشلت، بل "هل ما زال ترامب يملك القدرة السياسية لإكمالها؟"، ويقول إن الرئيس الأمريكي يتمسك بإنجاح الخطة مهما كانت التطورات، لكن في الوقت ذاته تتبنى واشنطن موقفًا يعتبر ما تقوم به إسرائيل جزءًا من الدفاع عن النفس.
ويشير الدبوبي في حديث لـ "إرم نيوز" أن الاشتباكات تتمركز حاليًا قرب "المنطقة الصفراء"، وأن هناك توجهًا دوليًا وإسرائيليًا لتقسيم غزة إلى شطرين شرقي وغربي، مع نشر قوات طوارئ دولية في الشطر الشرقي وبدء عمليات إعادة الإعمار، بينما يستمر الشطر الغربي في مواجهة تدمير واسع.
لكن المشكلة الأساسية، وفق الدبوبي، تكمن في عدم قدرة واشنطن على تأمين قوات الطوارئ الدولية، إذ بدأت الدول التي كانت مرشحة للمشاركة بالتراجع، فأذربيجان رفضت إرسال ألفي جندي، وتركيا ترفض المشاركة قبل ضمان الاستقرار، ولا يبدو أن مصر وقطر سترسلان قوات.
ويضيف الدبوبي أن مجلسًا عسكريًا شكل في مستعمرة "كريات غات" للإشراف على دخول هذه القوات، لكن ما هو موجود فعليًا نحو 200 خبير أمريكي فقط، وهو رقم لا يغير شيئًا في الميدان.
ويتوقع الدبوبي أن تتواصل العمليات العسكرية بوتيرة منخفضة، وأن دخول قوات الطوارئ قد يحتاج إلى شهرين أو ثلاثة أشهر، مؤكدًا أن خطة ترامب لا تزال قائمة، لكنها تحتاج إلى عودة الاهتمام الأمريكي المباشر بشكل أكبر لضمان عدم فشلها.
بدوره، يرى المحلل السياسي محمد الشياب أن إسرائيل تسعى لفرض أمر واقع أمني في غزة، حيث تستغل المنطقة الصفراء، وهي المنطقة الفاصلة بين المرحلتين الأولى والثانية من الاتفاق، لفرض وقائع جديدة عبر عمليات اغتيال واستهداف من دون إثباتات واضحة.
ويضيف الشياب لـ "إرم نيوز" أن الإدارة الأمريكية راضية ضمنيًا عن السلوك الإسرائيلي، وأن الوسطاء الإقليميين لا يمتلكون القوة الكافية للضغط على واشنطن لوقف الاعتداءات، فيما يحاول نتنياهو استثمار الفراغ الدبلوماسي لإعادة رسم خريطة السيطرة داخل القطاع قبل دخول الخطة الأمريكية حيز التنفيذ الكامل.
ويقول الشياب إن الكرة الآن في ملعب الوسطاء، لكن غياب الضغط المباشر على ترامب يسمح لإسرائيل بالاستمرار في سياستها الحالية، والهدف الإسرائيلي النهائي هو تفكيك حماس بالكامل.
وعلى الصعيد السياسي الداخلي، يعيش نتنياهو وفق مراقبين تحت ضغط أزمات متراكمة تهدد بانهيار حكومته، حيث إن التصعيد في غزة وجنوب لبنان، بما في ذلك الإعلان عن اغتيال أبو علي الطبطبائي رئيس أركان حزب الله، يمثل محاولة للهروب إلى الأمام للحفاظ على بقائه السياسي.
وكان مجلس الأمن الدولي اعتمد القرار الأمريكي الداعم لخطة ترامب، بموافقة 13 دولة، وامتناع روسيا والصين، لكن خلف الكواليس تدور تساؤلات حول مدى استعداد واشنطن للتنازل عن شرط نزع سلاح حماس، المحور الأساسي للخطة.
ووفق تسريبات نشرتها صحيفة "الغارديان"، تتجه الرؤية الأمريكية نحو تقسيم غزة بين منطقة خضراء لإعادة الإعمار تحت إشراف دولي وإسرائيلي، ومنطقة حمراء مدمرة تترك للفلسطينيين المكتظين بلا خدمات، وهو ما يعكس بحسب الصحيفة اضطرابًا في سياسة واشنطن تجاه غزة.
وعلى الأرض تتفاقم الأزمة الإنسانية، فإسرائيل تسمح بدخول 200 شاحنة مساعدات فقط يوميًا من أصل 600 تم الاتفاق عليها، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الذي اعتبر الأمر سياسة تجويع متعمدة.
خلاصة المشهد، رغم تصاعد الضربات الإسرائيلية وتزايد الخروقات، يرى محللون أن خطة ترامب لم تفشل بعد، لكنها على حافة التعثر، في ظل واقع ميداني مشتعل وغياب الحسم الأمريكي من القضايا الجوهرية، وفي مقدمتها نزع السلاح، وتوحيد إدارة غزة، ودخول القوات الدولية.
https://telegram.me/buratha

