سوريا - لبنان - فلسطين

الأنظمة العربية المعتدلة في مواجهة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة


د. مصطفى يوسف اللداوي||

 

قد تبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض في السياسة الإسرائيلية، ولم يعد هناك أدنى شك في سياستهم التي يظن البعض أنها جديدة، في حين أنها ذات السياسة القديمة التي نشأ عليها والتزم بها، ولم يطرأ عليها أي تغيير يذكر سوى في الشكل والمظهر، التي تبدو أحياناً ناعمة لطيفة كالأفعى، تعطي المجتمع الدولي من طرف اللسان حلاوةً، بينما تروغ في شعبنا الفلسطيني وأرضه وحقوقه كما يروغ الثعلب، وتلغ في دمائنا كالضباع والذئاب الضارية، وتظهر في أحايين أخرى على حقيقتها الخشنة القاسية، التي لا تراعي قانوناً ولا تلتزم نظاماً، ولا تأبه بصورتها العامة ولا بعلاقاتها الخارجية، بل تدوس بأقدامها على الأرض كالفيلة العمياء، تدوس وتخرب وتدمر وتفتك وتقتل وتعتقل وتصادر وتحاصر.

اليوم وقد تشكلت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي يصفها الإسرائيليون أنفسهم، لا العرب والفلسطينيون فقط، بأنها الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، التي لم يسبق أن تمثل فيها متطرفون دينيون ومتشددون قوميون كما يتمثلون فيها اليوم، بوجوهٍ قبيحةٍ لا تحاول الأقنعة الزائفة تجميلها، فهي حكومة مئير كاهانا التي ورث أفكاره وآمن بمبادئه أقطاب الائتلاف اليميني الجديد، الذين لا يخفون أبداً عزمهم على ابتلاع أرض فلسطين كلها، وطرد أهلها، وهدم بيوتها، ونهب ثرواتها، وهدم مقدساتها، وتغيير معالمها، وتهويد مظاهرها، وفي سبيل ذلك فقد أطلقوا العنان لقطعان مستوطنيهم وشرطتهم وجيشهم للإثخان في الفلسطينيين أكثر، وتجاوز كل الحدود والضوابط لقتلهم، وقد بدأوا تنفيذ خططهم وتحديث برامجهم بما يتماشى مع أحلامهم القديمة وسياساتهم الجديدة.

أمام هذه الصورة الواضحة المعالم، واللوحة القاتمة السوداء، والمواقف المتطرفة والسياسات المتشددة، لم يعد أمام الأنظمة العربية التي يحلو للبعض وصفها بأنها أنظمة معتدلة، وهي تلك التي اعترفت قديماً أو حديثاً بالكيان الصهيوني وطبعت العلاقات معه، وتبادلت وإياه التمثيل الدبلوماسي، وسمحت لفرقها الموسيقية في المطارات وقصور الحكم بعزف "النشيد القومي الإسرائيلي"، ورفع الأعلام الإسرائيلية في سمائها، وعلى طول الطريق إلى مقرات استضافة مسؤوليهم، وفتحت أجواءها للرحلات الإسرائيلية التي تبدو أنها سياحية، وهي في أكثرها أمنية مشبوهة، وسياسية خبيثة.

لم يعد في ظل هذه النوايا الإسرائيلية الخبيثة أمام الأنظمة العربية أي مبررٍ للوفاق أو الاتفاق مع الكيان الصهيوني، أو الاعتراف بهم وتوثيق العلاقة معهم، أو الصبر عليهم واختبارهم، وتجربتهم والرهان عليهم، فالحكومة الإسرائيلية الجديدة تريد شطب القضية الفلسطينية، وإعلان السيادة الإسرائيلية الكاملة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وتريد هدم المسجد الأقصى المبارك، لتبني على أنقاضه الهيكل الثالث المزعوم، وقد آن الأوان بزعمهم لاستعادة ملكهم، وبناء هيكلهم، ونفخ بوقهم، وأداء سجودهم الملحمي، وذبح الخراف وتقديم القرابين التزاماً بتعاليم التوارة ووصايا الرب لهم.

إنها حكومة الحسم وساعة الفصل، بل هي ساعة الصدق والمواجهة، فعلى الأنظمة العربية "المعتدلة" التي يراهن عليها نتنياهو ويفاخر بأنه هو الذي بدأ العلاقات معها، ويعلن أنه سيمضي في تطوير علاقات كيانه معها، أن تعلن موقفها وتقول كلمتها وتحسم أمرها، فالمسألة لم تعد تدور حول مشروع السلام وحل الدولتين، واستعادة الحقوق وعودة اللاجئين، أو اتفاقية أوسلو والحكم الذاتي المحدود، بقدر ما هي مسألة شطب اسم فلسطين من الوجود، وتجريد الفلسطينيين من حقوقهم، وإلحاقهم بغيرهم أو منحهم حقوق الإقامة المؤقتة، شأنهم شأن أي جالية أجنبية في دولةٍ أخرى، التي تملك حق سحب تراخيص الإقامة منهم وطردهم من "دولتها".

قد تكون هذه الفرصة مناسبة لإعادة النظر في السياسات السابقة، ومراجعة الأخطاء التي وقعت فيها بعض الأنظمة، والاستفادة من السانحة التي تعرض عليهم، ليعودوا إلى الحق، ويتمسكوا بالثوابت الوطنية والقومية والإسلامية، التي تعتبر فلسطين قضية العرب الأولى، وأحد أهم المقدسات الإسلامية التي خلدها الله عز وجل في كتابه الكريم، وشرفها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالإسراء إليها والمعراج منها، فالتوبة استقامةٌ، والإنابة صدقٌ، والإقلاع عن الخطأ طهرٌ، والندم عليه شرفٌ، يُكفر عما مضى ويعفو عما سبق.

أما الإصرار على الباطل فهو عنادٌ، والمضي فيه ضلالٌ، والاستمرار فيه ضياعٌ، والرهان عليه خسارة، فضلاً عن أنه استخفافٌ بالمقدسات وتفريطٌ بالحقوق وخيانةٌ للأمانة، التي ستجر عليهم عبر التاريخ حسرةً وندامةً، ولعنات المؤمنين إلى يوم القيامة، وتاريخ الأمة خير شاهدٍ، وسفر الخلق وسنة الحياة وسير الأمم والشعوب أفضل حكم وأعدل قاضٍ.

الفلسطينيون الذين يأملون من أشقائهم العرب خيراً، ليسوا خائفين من هذه الحكومة، ولا ترتعد فرائصهم من سياستها، ولا يعتريهم الفزع من تصريحاتها، فقد خبروا من هم أسوأ منها وأشد، وتعاملوا مع من هي أقسى وألد، وتمكنوا من صدهم وتحدي سياساتهم، وثبتوا في وجوههم وكبدوهم خسائر أيقظتهم من سباتهم وأعادتهم إلى وعيهم، وأجبرتهم على إعادة التفكير فيما أعلنوا عنه وخططوا له، فالفلسطينيون هم أهل الأرض وأصحاب الحق، لا يفرطون في أرضهم ولا يتنازلون عن حقوقهم، ولا يتعبون من مقاومتهم، ولا يملون من تضحياتهم، حتى تتحقق آمالهم وتتحرر أرضهم، ويطردون العدو الباغي منها، ويطهرونها ومقدساتها من دنسهم وخرافاتهم.

بيروت في 24/12/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

 

ــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك