سوريا - لبنان - فلسطين

الكيانُ يختنقُ ببن غفير ويتمنى رحيله


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

يحاول قادة الكيان الصهيوني أن يوحوا للعالم أنهم غير راضين عن إيتمار بن غفير، وأنهم لا يوافقون على تصرفاته، ولا يؤمنون بمواقفه، ولا يؤيدونه في سياسته، وأنهم يتمنون ألا يطول وجوده في الكنيست، وألا يكون شريكاً في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وألا يكون هو الوجه المعبر عن كيانهم أو الشخص المتحدث باسمهم، أو الذي يعكس صورتهم أمام المجتمع الدولي، ويتمنون على "شعبهم" ألا يصغوا إليه ويصدقوه، وألا يؤمنوا به ويتبعوه، وأن ينفضوا من حوله ويتخلوا عنه، ويصفونه بأنه براغماتي يبحث عن مصالحه، ونفعي يتطلع إلى مكاسبه، وأنه يتاجر باستقرار "البلاد"، ولا تعنيه حياة "شعبه"، ولا يقلقه مصير المستوطنين، الذين باتوا نتيجة تصريحاته ومواقفه هدفاً لكل فلسطيني.

يكذب المسؤولون الإسرائيليون عندما يدعون إعلان البراءة من إيتمار بن غفير والتخلي عنه، فهم يحاولون خداع العرب والمجتمع الدولي بينما هم لا يختلفون عنه ولا يتعارضون معه، ولا يبذلون أي جهدٍ لمنعه أو الحد من تصرفاته، ولم يعملوا قبل الانتخابات على حصاره أو إقصائه، ولم يحذروا الناخبين منه أو ينبهوا مجتمعهم من مخاطره، فقد اختاره مستوطنوهم وحليفه بتسليئل سموتريتش، ومنحوا كتلتهما أربعة عشر مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، ليجعلوا منهما الكتلة البرلمانية الثالثة، ولقد كان حرياً بهم لو أنهم كانوا صادقين في دعواهم، وغير كاذبين في شكواهم، أن يمنعوه من الترشح، ويصدروا قراراً من محكمتهم العليا بأنه فاقد الأهلية ولا يصلح أن يكون ممثلاً عنهم.

كيف يمكننا أن نصدق رئيس الكيان الصهيوني يتسحاق هرتزوج عندما يحذر قادة الأحزاب الإسرائيلية من بن غفير، ويقول أن العالم كله خائفٌ منه، وقلق على حالة الاستقرار في المنطقة بسببه، بينما يقوم باستقباله والإصغاء له، ويحترم رأيه ويسجل ملاحظاته، وقد أفرد له موعداً مستقلاً، ومنحه الوقت الكافي ليضع شروطه ويسمي مرشحه لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، وقد زاد بعد الفوز غروره وطغت غطرسته، وعلا صوته وزادت عربدته، وبدا أقوى مما كان عليه وأجرأ في مواقفه.

أو كيف نصدق وزير حرب العدو بيني غانتس، القاتل المجرم، الذي لا يفتأ يقتل الفلسطينيين ويعتقلهم، ويدمر بيوتهم ويضيق عليهم، ويحاصرهم ويغلق مناطقهم، عندما يتمنى انتهاء كابوس بن غفير وعدم بقائه طويلاً عضواً في الكنيست أو شريكاً في الحكومة الإسرائيلية القادمة، وكأنه يقول وهو الأسوأ والأكثر تطرفاً منه أنه أفضل منه وأكثر اعتدالاً، ولو أنه كان صادقاً في دعواه وغير كاذبٍ في شكواه، ما كان لينفذ سياسة بن غفير ضد الفلسطينيين، فهو الذي كان يؤمن له اقتحام المسجد الأقصى، وكان جيشه يحميه خلال تجواله وانتهاكه لحرمات وممتلكات الفلسطينيين.

أما الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول أوروبا المؤيدة للكيان الصهيوني، فقد علت أصواتها المتخوفة من فوز بن غفير، وكثرت التصريحات المحذرة من سياسته، في الوقت الذي سارع فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة دول العالم بالاتصال بنتنياهو لتهنئته وإعلان الولاء والتأييد له، والتأكيد على مواقف بلادهم الداعمة للكيان والمساندة له، وهم يعلمون أن نتنياهو سيضم في حكومته بن غفير وسموتريش، وسيخضع لهما وسيلبي شروطهما ويحقق مطالبهما، وقد لا يريد فعلاً التخلص منهما والتخلي عنهما، بقدر سعيه للتمترس بهما والتشدد باسمهما.

يبرر الإسرائيليون مواقفهم المتناقضة وأمانيهم الكاذبة، بأنهم "دولة" ديمقراطية، تحترم الرأي والرأي الآخر ولا تصادره، وتلتزم بنتائج الانتخابات ولا تنكرها ولا تنقلب عليها، وقد منح المستوطنون أصواتهم لبن غفير ووثقوا به، فلا يمكنهم سحب الثقة منه من تلقاء أنفسهم، اللهم إلا أن يقول الشعب كلمته ويغير رأيه، فبن غفير لم يقتحم الكنيست ولم يدخل إلى قبة البرلمان عنوةً، وإنما حملته صناديق الانتخابات النزيهة، التي لا تعرف التزوير ولا تخضع للنفوذ والتدخل الخارجي.

لسنا بالخب ولا الخب يخدعنا، وذاكرتنا عامرة وجراحنا غائرة، فقد اعتدنا على العدو وخبرناه، وبتنا نفهمه جيداً ونعرف نواياه، فلا تنطلي علينا أكاذيبه، ولا تمرر علينا أحابيله، ولا تعنينا أقواله، ولا تخيفنا شخصياته ولا تشغلنا أسماؤه، ولا نميز بين أقطابه، ولا نصدقه والله أبداً ولا نصغي لحديثه، إذ كيف نصدقهم وهم أسوأ من بعضهم، فلا يوجد فيهم معتدلٌ وآخر عاقلٌ، فهم جميعاً في الجرم سواء وفي العداء سيان، فيمينهم يمين ويسارهم يمين، ولا قيمة لأي تصنيفاتٍ يطلقونها على أنفسهم، أو يسوقونها كذباً وبهتاناً بيننا، فهم يميناً ويساراً وقوميين ودينيين وعلمانيين، العدو الغاصب المحتل، القاتل البغي الظالم، وهم بمن غفير سعداء، وبه لا يختنقون ومنه لا يشتكون.

 

بيروت في 12/11/2022

moustafa.leddawi@gmail.com

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك