نبيل صافية ||
سنتابع في الجزء السّابع من البحث ما أشرت إليه في الجزء السّادس المتعلّق بضرورة فصل منظّمتي اتّحاد شبيبة الثّورة وطلائع البعث عن التّربية ضمن التّقسيمات التّربويّة في وزارة التّربية وتغيير اسمهما لتغدو الأولى باسم شباب سورية والثّانية أطفال سورية .
فمن المعلوم أنّ الحكومات في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة المتعاقبة قبل الأزمة كانت في ظلّ المادة الثّامنة من الدّستور السّابق ، لا تقوم بأمر ما لتنفيذه إلّا بعد العودة إلى القيادة القطريّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ _ وفق التّسمية السّابقة لها _ عبر مراسلات تجري بين أيّة وزارة والمكتب الخاص بها المشرف عليها ضمن القيادة ، بما أنّها كانت تقضي أنّ حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ هو حزب قائد للدّولة والمجتمع ، ومع تغيير الدّستور في شباط 2012م جاءت المادة الثّامنة في مواد الدّستور الحالي ، وتضمّنت الإشارة للتّعدّدية السّياسيّة لتحلّ محلّ المادة الثّامنة التي كانت في الدّستور السّابق ، ممّا نفى قيادة أيّ حزب للدّولة والمجتمع ، وتماشى ذلك مع صدور قانون الأحزاب رقم مئة تاريخ 3/8/ 2011م الذي أصدره السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد ، وهذا ما دعا أن تكون الحياة السّياسيّة أفضل ، ولكن ما الذي تغيّر ؟ وهل حدث تغيير حقيقيّ فعليّ ميدانيّ على الأرض بعد تغيير المادة الثّامنة ؟ وما المادة الدّستورية التي خوّلت المنظّمتان العمل في التّربية استناداً لذلك !.
وجاء مؤتمر التّطوير التّربويّ الأخير الذي عُقِدَ في الفترة الممتدّة بين 26_ 28/9 /2019م _ والذي شرّفني السّيّد الوزير عماد العزب بدعوة شخصيّة خاصة للمشاركة تَبَعاً لدراستي المقدّمة لرّئاسة الوزراء لتطوير وزارة التّربية المشار إليها في الجزء الأوّل والثّالث من البحث الحالي _ ولم يُدعَ للحضور والمشاركة من الأحزاب سوى ممثّلي أحزاب الجبهة الوطنيّة التّقدّميّة بما أنّها تمثّل تعدّدية سياسيّة من وجهة نظر الدّولة سواء قبل الأزمة أم بعدها ، وسواء قبل تغيير المادة الثّامنة من الدّستور أم بعدها ، دون أن تتمّ دعوة الأحزاب الوطنيّة الأخرى ، وهذا يتعارض بالتّالي مع التّعدّديّة السّياسيّة في الدّستور الحالي وقانون الأحزاب الذي أقرّه السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار حافظ الأسد ، ويعدّ مخالفة واضحة لهما ، وقد خاطبت الوزارةُ القيادةَ المركزيّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ ليكون ذلك الأمر موجِّهاً عمل الوزارة دون أن يتمّ التّوجيه لبقية الأحزاب ، وبيّنت الوزارة أنّ المشاركين في أعمال المؤتمر هم مفكّرون وخبراء عرب وأجانب وخبراء من وزارة التّربية ووزارة التّعليم العالي ، ومن المراكز الأكاديميّة والبحثيّة وهيئات المجتمع المدنيّ الوطنيّة في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة وممثّلين عن المنظّمات الدّوليّة المعنيّة .
فهل تنسجم تلك المخاطبة مع الدّستور وقانون الأحزاب أو تخالفهما ؟ وأين بقيّة الأحزاب من هذا ؟ وما المادة القانونيّة والدّستوريّة التي استندت إليها الوزارة في توجيه مخاطبتها للقيادة المركزيّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ بما أنّ المادة الثّامنة أُلغيَت ، كما أنّها خالفت بذلك توجيهات السّيّد الرّئيس القاضية بضرورة مشاركة مختلف قطاعات الشّعب العربيّ السّوريّ وأطيافه السّياسيّة ، والسّيّد الرّئيس قال في العشرين من الشّهر السّادس من عام 2011م :
" قانون الأحزاب يعني التّعدّدية الحزبيّة ، ويفسح المجال أمام مشاركة أوسع للتّيّارات المختلفة في الحياة السّياسيّة " .
كما قال أيضاً : " من شأن هذه القوانين هذه الحزمة السّياسيّة التي ذكرتُها أن تخلق واقعاً سياسيّاً جديداً في سورية ، من خلال توسيع المشاركة الشّعبيّة في إدارة الدّولة ، وجعل المواطن مسؤولاً يساهم في اتّخاذ القرار والمراقبة السّياسيّة ".
وبما أنّ سورية لكلّ أبنائها السّوريين ، والمجتمع السّوريّ متعدّد الأطياف سياسيّاً واجتماعيّاً ودينيّاً يتوحّد تحت راية الوطن وسيّده الدّكتور بشّار الأسد ، فهل تمثّل تلك المعارضة في تنفيذ ما أقرّه الدّستور وحدة وطنيّة وتعدّديّة سياسيّة ؟ ، وبالتّالي ألا تعني معارضةً لما يراه السّيّد الرّئيس؟!...
وفي ختام جلسات المؤتمر تحدّث سيادة اللواء ياسر الشّوفي عضو القيادة المركزيّة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ ذكر فيه حرفيّاً الآتي : " مكتب التّربية في القيادة المركزيّة يقدّم تربية عقائديّة " والقيادة المركزيّة تعطي التّوجيه السّياسيّ " وأشار لمنظّمتين مسموح لهما العمل فقط في التّربية : منظّمة طلائع البعث واتّحاد شبيبة الثّورة ، وهما منظّمتان منبثقتان من حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وتعملان بنهجه في التّربية.
ويأتي تكليف التّوجيه في المدارس أو التّوجيه الاختصاصيّ أو التّربويّ في المديريّات أو الإدارة في مختلف مديريّات الوزارة بدءاً من مدير المدرسة إلى مدير التّربية أو المديريّات في الوزارة أو المعاون وحتّى الوزير من حزب واحد محدّد الرّؤى والأهداف للعمل في التّربية نحو حزب واحد ؟ وما دور الموجّه وفق التّوصيف الوظيفيّ والعمل المكلّف به ؟! ووفق أيّة مادة قانونيّة ودستوريّة يتمّ ربط مديريّة التّعليم الأساسيّ بالطّلائع أي طلائع البعث ، وفق تقسيم سياسيّ كون الطّلائع تتبع حزب البعث ، وهي من روافده ، فيغدو اسم المديريّة " مديرية التّعليم الأساسيّ والطّلائع " في الوزارة ، وكذا الحال في مديريّات التّربية ضمن المحافظات ، والتّسمية " مدير التّربية المساعد لشؤون التّعليم الأساسيّ والطّلائع " ودائرة التّعليم الأساسيّ والطّلائع " ، وكذلك الموجّه التّربويّ المشرف على المنطقة والطّلائع ، وبالتّالي ارتباط العمليّة التّربويّة بنظام سياسيّ حزبيّ موحّد الرّؤى والنّهج والتّفكير ، وينفي غيره من أحزاب أخرى ويقصيه ؟!.
ومن الأهمّيّة بمكان أيضاً الإشارة إلى ضرورة تغيير اسم المنظّمتين فالشّباب السّوري يهدف لبناء سورية وجيلها ، وأطفالها هم أطفال سورية الذين تُبنى الآمال عليهم في النّهضة العلميّة والمعرفيّة في سورية لاحقاً ، بحيث يكون لاحقاً الرّجل المناسب في المكان المناسب في أيّ موقع من الدّولة .
وإنّ عملية الفرز السّياسيّ أو الحزبيّ للأطفال قبل بلوغ الطّالب عمره الثّامن عشر ، وهو العمر الذي حدّد الدّستور في العملية الانتخابيّة ، ولا يُسمح له قبل ذلك ، وبالتّالي فإنّ الوعي السّياسيّ يبدأ من عمر ثمانية عشر ، وتعدّ مخالفة دستورية لفرض الاتّجاه السّياسيّ للطّالب قبلها ، وأن تتمّ التّربية في سورية على أساس التّعدّدية السّياسيّة لصياغة أهداف تربويّة وتعليميّة تكون منسجمة مع الغايات التي تحقّق التّعدّدية السّياسيّة والمواطنة والانتماء للوطن ، ولابدّ أن تأخذ تلك الأحزاب دورها في بناء سورية _ وهذا ما أكّده السّيّد الرّئيس مراراً وفق ما ضمّنتُ البحث من خطابات سيادته ، ولابدّ أن تُبنى سورية والمنظّمتان على أساس نبذ العنف والإقصاء والطّائفيّة لتحقيق الغاية الأسمى في بناء الوطن والانتماء دون أي تأسيس في التّعليم للانتماء السّياسيّ ليكون الجيل وطنيّاً يعشق وطنه وليس مسيّساً ، ولابدّ تَبَعاً لذلك من إعادة بناء هيكليّة وزارة التّربية بعيداً عن التّعيينات السّياسيّة بما يحقّق الغاية المنشودة في تماسك الوطن ويحقّق التّعدّدية السّياسيّة والعمل الوطنيّ المشترك وليس الاقتصار على فئة حزبيّة واحدة .
وبالتّالي : فإنّ على الدّولة أن تعيد النّظر في تلك المنظّمتين أو إعادة بنائهما من جديد ، بما يخدم سورية الجديدة في ضوء التّعدّدية السّياسيّة لبناء القيم الإيجابيّة للوطن بغضّ النّظر عن الانتماء السّياسيّ ، بما أنّ كلّ أبناء سورية المخلصين لها همّهم بناء الوطن وحبّه بعيداً عن الأحقاد والضّغائن في البناء الذّاتي والشّخصيّ أو النّفسيّ والفكر الجمعيّ أو الفرديّ .
ومن المعلوم أنّ القوانين السّوريّة أشارت أيضاً إلى الشّهادة والكفاءة والنّزاهة أثناء التّكليف بأيّ عمل دون أن تشير إلى انتماء سياسيّ محدّد ، فهل هذا ما تعمل به سورية ، وتتقيّد بالدّستور والقوانين وتوجيهات سيادة الرّئيس ؟ ولماذا توجد التّعيينات السّياسيّة في التّربية أثناء التّكليف بالتّوجيه الاختصاصيّ أو التّربويّ أو الإدارة سواء في المدرسة أم المديريات أم الوزارة وسواها من وزارات تَبَعاً لذلك ؟ ، وهل تشكّل بالتّالي حالات الفساد التي يقوم بها بعض أولئك المكلّفين بالعمل وفق التّعيينات التي تتمّ حالات فرديّة أو عامة ؟ وإذا كانت فردية فلماذا لا تتمّ مساءلتهم ومواجهتهم ومكاشفتهم ومحاكمتهم والاكتفاء بكفّ يدهم وفصلهم من الحزب الذي ينتمون إليه وفق الانتماء السّياسيّ الذي كان مرشّحاً لهم ؟ وأين متابعة الجبهة الوطنية التّقدميّة لهم بما يحقّق استقرار الوطن وتحقيق أهداف المواطنة وأبعادها ؟!..
هذه الأسئلة وغيرها أضعها في كلّ ما سبق بين يدي سيّد الوطن الدّكتور بشّار الأسد ، والمحكمة الدّستوريّة العليا في سورية ، للوقوف على طبيعة دستوريّة ما تقوم به المنظّمتان ضمن علاقتهما بوزراة التّربية .
وسنكون في الجزء الثّامن من البحث مع الفقرة الخامسة من القسم الخاص المتعلّق بعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة من البحث المقّدم لمقام السّيّد اللواء محمّد الشّعّار نائب رئيس الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، للحديث عن تعديل آلية العمل في " مجلس الشّعب " ليكون قادراً على المحاسبة الحقيقيّة للحكومة.
بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية