سوريا - لبنان - فلسطين

القوةُ الوطنيةُ عمادُ البلادِ وفخرُ العبادِ


 د. مصطفى يوسف اللداوي ||   أعزُ ما تملكه الأممُ وتحوزُ عليه الدولُ، وكذا الشعوبُ والقبائلُ، كرامتُها وعزتُها، وسؤددُها وشرفُها، وأنفتُها وكبرياؤها، وكفافُها واستغناؤها، وقوتُها وسلاحُها، وإرادتُها واستقلالهُا، وحريتُها وسيادتها، فإن ملكت ذلك بإرادتها وعزم أبنائها، وبصيرة أهلها وحكمة حكامها، وإخلاص قيادتها وولاء رعيتها، تعيش كريمةً عزيزةً، مصانةً مهابةَ الجانب، مُقدرةً لا يعتدى عليها، ومُحترمةً لا يساء إليها، وواثقةً لا ترتعدُ فرائصها، ومطمئنةً لا تخاف المساسَ بها، ولا يُهَددُ أمنها، ولا تُنتهكُ سيادتها، ولا تُخترق حدودها، ولا يُهان أبناؤها، ولا يُستعبدُ سكانها، ولا تتفكك أواصرهم أو تضعف روابطهم، ولا ترهن مقدراتها، أو تسرق خيراتها، ولا تمنع من استخراج كنوزها أو الاستفادة من أرزاقها. لكن عماد ذلك كله وأساسه، والذي بدونه لا شيء يتحقق، وعكسه قد يكون وأسوأ، هو القوة والمنعة، والإعداد والتجهيز، والقدرة والترهيب، والإرادة الحرة والقرار المستقل، والتخطيط المحكم والعمل الجاد، والسهر والتعب، والعمل والكد، والإنتاج والإبداع، والتصنيع والتطوير، واليقظة والانتباه، والنباهة والذكاء، فبغير القوة الخاصة لا نصل إلى الغاية، ولا ترجى الكرامة، ولا تتحقق الآمال، ولا يكون السؤدد، ولا يبنى المجدُ، ولا تحفظ البلاد، ولا تصان الأوطان، بل تصبح الأوطان نهباً مستباحاً، ومطمعاً دائماً، وأرضاً سهلةً لكل معتدٍ وغازٍ، وغنيمةً لمن غلب، أو سوقاً لمن سبق، أو مكافأةً لمن غدر شعبه وخان أهله ووطنه. القوة المنشودة والمنعة المقصودة، هي القوة الحرة المستقلة، الشعبية الوطنية، التي تدافع عن الوطن وتحميه، وتحفظ المواطن وتصونه، وتضمن حياته وتؤمن حقوقه، وتدافع عنه وتمنع الاعتداء عليه، ولا تقبل أن تكون عصا في يد غيرها، ولا أجيرةً عند سيدها، ولا مأمورةً لدى ممولها، أو خاضعةً لمن فرضها، فقيمتها في استقلالها وحريتها، وفي غيرتها وصدقها، وفي إخلاصها وولائها، وفي طهرها ونقائها. هي القوة التي يبنيها الشعب بجهوده، ويرفدها بأبنائه، ويفديها بدمائه، ويصونها بأرواحه، ويتباهى بالانتساب إليها والعمل فيها، وينافس غيره في الانخراط فيها والانضمام إليها، ويكون فيها أنانياً فيؤثر نفسه جندياً فيها على غيره، فهي التي تمنحه العزة وتحميه، وتحفظ مكانته وتصونه، وتحول دون الاعتداء عليه أو المساس به، وقد علم قديماً، أن الحق تحميه القوة وتفرضه السلطة، وبدونها يكون الحق ضعيفاً فلا يصمد، ومخذولاً فلا ينصر، ومتهماً فلا يبرأ، ومداناً فلا ينجو. نحن بحاجةٍ إلى قوةٍ حقيقيةٍ، ترهب العدو وتخيفه، وتمنعه وتصده، وتوقف عدوانه وتتحدى أطماعه، وتعد العدة لقتاله ومواجهته، وطرده من أرضنا واستعادة حقوقنا منه، وتتجهز بكل الأسلحة الحديثة والمتطورة، والفتاكة والمدمرة، وتعتمد على نفسها وقدرات أبنائها في تطوير قوتها وبنائها، فالإعداد وحده نصرٌ، والتجهيز له مقاومة، والعدو يربكه الاستعداد والجاهزية، والتدريب والتطوير، وهو يعلم أنه لن يستطيع مواجهة أصحاب الحق إذا أعدوا العدة، واستعدوا للقتال، ولهذا فهو يعمل على حصارهم وتجويعهم، وحرمانهم وعقابهم، وتجريدهم من كل أسباب القوة، ومنعهم من الوصول إليها بكل الأشكال الممكنة، ليقينه أن في قوة خصومه نهايته، وأن في إعلان الحرب عليه خاتمته. ينبغي أن تكون قوتنا ذاتية البناء مستقلة القرار، إذ لا قيمة للقوة المرهونة، التي تفقد عمقها الوطني، وحسها القومي، ومسؤوليتها الأخلاقية، وقيمها الدينية، ولا قيمة للإعداد المشوش الهدف، الغريب الدور، الموظف للمهام القذرة، والموجه ضد الشعب والوطن، والمسخر لخدمة العدو وتحقيق أهدافه، أو القيام مقامه وتأدية المهام نيابةً عنه أو بتكليفٍ منه، فكم من عدوٍ يسلح جيوشاً لتنال من شعوبها، وتقتل أهلها، وتفتك بأبنائها، وترهن أوطانها، وتفسد الحياة فيه. تخطيء أمتنا كثيراً عندما تنشغل عن الإعداد باللهو، وعن التعبئة بالتزجية، وعن العمل الجاد بالسخف والمسخرة، وتجرم في حق شعوبها وأوطانها عندما تهمل التجهيز وتتخلى عن التدريب، ولا تولي جيشها اهتماماً، ولا تمنح شبابها تقديراً، فالأمم لا تحترم الدول الضعيفة، ولا تقدر الشعوب المهانة، ولا يمنعها عن العدوان سوى الرهبة، ولا يضع حداً لأطماعها سوى القوة الوطنية، التي لا تهادن ولا تساوم، ولا تفرط ولا تستسلم، وإنما تواجه بعقيدة، وتتصدى بإيمان، وتندفع نحو أهدافها بمسؤوليةٍ وأمانةٍ، ولا يعنيها أن يستشهد قادتها في سبيل النصر، أو يضحوا من أجل العزة والكرامة. وحدها هي المقاومة الفلسطينية واللبنانية، التي انتبهت ووعت، وقررت ومضت، وأدركت أنه لا مناص عن امتلاك القوة، ولا بديل عن البناء والإعداد والتجهيز، فانشغلت ببناء قوتها الخاصة، وتطوير أسلحتها الذاتية، وتحصين صفوفها وتعمير مخازنها، لتكون دوماً جاهزة لأي مواجهة، ومستعدة لأي جولةٍ، وقد أثبتت الحروب والأحداث وعيها وبصيرتها، إذ أعيت العدو وأحبطته، وأفشلت محاولاته ووضعت حداً لمغامراته، وألزمته حدوده فبات يخاف على نفسه منها، ويطالب المجتمع الدولي بالضغط عليها وكف يدها، ومنعها من قصفه واستهدافه، ولولا القوة الصادقة، الحرة المستقلة، والقيادة الوطنية الرشيدة المخلصة، ما كان لخيار القوة أن ينتج عزةً وكرامةً، وأن يفرض الهوية والإرادة، وأن يحقق الردع ويصنع معادلات القوة والتفوق. الإعداد والتجهيز ليست مسؤولية المقاومة وحدها، إنها هي فرضٌ عيني كالصلاة والصيام وغيرها، لا يعفى المواطن منها، ولا يجوز له التقصير فيها، فهي استجابةً لنداء الله الخالد "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ "، إذ أن القوة ليست رباطاً على الثغور، أو ثباتاً في الميدان، أو صموداً على الجبهات، وهي ليست سلاحاً فتاكاً ولا صواريخ رادعة، إنما هي ثقةٌ وإيمانٌ، وعملٌ واجتهاد، وإعدادٌ وتربيةٌ، وتوجيهٌ وإرشادٌ، ودعمٌ وإسنادٌ، ومساهمةُ ومشاركة، فليس أقوى من الإيمان سلاحاً، وليس أكثر حسماً في المعركة من اليقين بالنصر، والثبات على العهد، والصبر على الوعد.     بيروت في 24/10/2021
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك