بقلم .. أمجد إسماعيل الآغا
ليست مصادفة ان يقوم وزير الدفاع الايراني بزيارة مفاجئة الى دمشق ، بعد يوم من كشف وزارة الدفاع الروسية عن معلومات مؤكدة تفيد باستعداد إرهابيي جبهة النصرة والمجموعات التابعة لها لاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في محافظة ادلب بغية اتهام القوات السورية ، و بطبيعة الحال هي زيارة تحمل العديد من الرسائل أهمها أن ايران باقية في سورية و بطلب رسمي من الحكومة السورية ، و هذا ما أكده الرئيس الأسد في تصريح له خلال الزيارة ، الأمر الذي يؤكد وحدة المسارين السوري و الايراني في مواجهة الخطط الأمريكية حيث قال : " إن السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة في التعامل الملف النووي الإيراني والعقوبات على روسيا وإطالة أمد الحرب في سوريا تؤكد صوابية سياسات محور مكافحة الإرهاب وتعزيز مكامن قوته في وجه النهج الأمريكي " ، كما شدد الأسد على "أهمية تطوير عملية التنسيق المشترك ووضع خطط تعاون طويلة الأمد تعزز مقومات صمود شعبي إيران وسوريا في وجه كل ما يتعرضان له".
من جانبها أوضحت وزارة الدفاع الروسية أن : " تنفيذ هذا الاستفزاز الذي تشارك فيه بنشاط المخابرات البريطانية، سيصبح حجة جديدة لقيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربة جوية وصاروخية ضد دوائر الدولة والمنشآت الاقتصادية السورية " ، و اشارت الدفاع الروسية في تصريحها أنه : " بهدف تنفيذ ضربة على سوريا وصلت المدمرة الأمريكية “يو أس أس سوليفان” إلى الخليج (الفارسي) محملة بـ 56 صاروخا من طراز كروز " ، وأضافت الوزارة : " كما وصلت القاذفة الاستراتيجية الأمريكية “В-1В” إلى قاعدة “العديد” في قطر محملة بـ 24 صاروخا مجنحا من طراز AGM-158 JASSM " ، و يُشار أيضا إلى أن مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جون بولتون، هدد مؤخرا بتوجيه ضربات جديدة ماحقة ضد الجيش السوري، إذا ما استخدمت دمشق أسلحة كيميائية.
ضمن المشهد السابق و بالتوازي مع تسارع الاحداث والتهديدات الاميركية والغربية ، والتي تقابلها تحذيرات محور المقاومة بالتصدي لأي عدوان غربي ضد دمشق ، و الاصرار السوري الروسي على تحرير مدينة ادلب ، كل هذه المعطيات ترسم مشهدا يُراد منه أمريكيا اعادة خلط الأوراق السياسية و الميدانية ، خاصة بعد ما تم تحقيقه من انجازات لم تستسغ واشنطن مرارتها ، لكن في حقيقة الواقع الميداني لم يعد بإمكان واشنطن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، فالهدف السوري الروسي الايراني في الوقت الراهن هو الحفاظ على المكتسبات الميدانية لتتم ترجمتها سياسيا ، و اكثر من ذلك ، فأنه لم يعد بإمكان واشنطن زعزعة اسس الانتصار السوري ، بيد أن التصريحات التي أطلقتها وزارة الدفاع الروسية هي فقط لتعرية السياسية الامريكية الداعمة للإرهاب ، اضافة إلى محاولة واشنطن تأخير الحل السياسي في سوريا .
"معركة ادلب ستقصم ظهر اعداء سوريا "
تحرير ادلب من الارهاب دخل في حتمية المنطق السوري ، و لا يمكن المساومة على هذه البقعة الجغرافية في اي تسوية سياسية ، فالحشود العسكرية ليست للاستعراض او للنزهة ، و القيادة السورية و حلفاؤها يدركون أنه تأخير معركة ادلب سيزيد من التجاذبات الدولية ، خاصة أن هناك رأي عام غربي بالتخوف من عودة ارهابيي ادلب إلى بلدانهم الأمر الذي لا تقوى الحكومات الغربية على تحمل تداعياته ، و بالتالي لا يختلف اثنان على أن القضاء على الارهابيين في ادلب ليس مطلبا سوريا فحسب ، بل هناك رغبة غربية بإنهاء ملف الارهاب ، و رغم ذلك تحاول هذه الحكومات الاستثمار في هذا الملف للحصول على مكتسبات سياسية بعد خسارة الاوراق الميدانية .
معركة إدلب و نتائجها المحسومة لصالح الدولة السورية ، ستشكل منعطفا استراتيجيا في مسار الحرب على سورية ، و هذا المنعطف سيؤدي بطبيعة الحال إلى إعادة رسم التوازنات الاقليمية و الدولية ، فضلا عن تموضع جديد للخرائط الجيوسياسية في الشرق الأوسط ، و هذا الامر تدركه واشنطن جيدا ، و تدرك أيضا أن الجيش السوري قادر و على الرغم من إمداد الارهابيين بالسلاح و الدعم على انهاء معركة ادلب لصالحه ، و بالتالي ستكون معركة ادلب و نتائجها في صالح الدولة السورية ، و هذا يعني بالمنطق العسكري أن تتابع الانتصارات السورية سيكون له تأثير مباشر على ضعف الاوراق الميدانية في يد واشنطن ، و بالتالي القوات الامريكية في سوريا ستكون بعد معركة ادلب تحت مرمى نيران الجيش السوري ، و هذا مؤكد بالنظر إلى فائض القوة العسكرية للجيش السوري .
" قبيل انطلاق عملية تحرير ادلب .. التصعيد الامريكي و ذر الرماد في العيون "
خلال مسارات الحرب على سوريا ، كنا دائما نلاحظ التصعيد الامريكي الذي يسبق اي معركة للجيش السوري ، حتى السيناريو في ادلب لم و لن يختلف عن السيناريو الذي سبق معركة الجنوب او الغوطة الشرقية لدمشق ، فالخطاب السوري و كذلك الروسي يتمحور حول التحرير سواء بالنار او المصالحات ، يقابله خطاب غربي بالتصعيد و استهداف دمشق ردا على احتمالية استخدم الدولة السورية للسلاح الكيميائي ، و بالمنطق الميداني العسكري فالجيش السوري لا يحتاج مطلقا لاستخدام هذه السلاح و هذا يدركه الغرب تماما ، و بالتالي الفبركة الامريكية لهذه المسرحيات الكيميائية تندرج ضمن اطار تأخير معركة الجيش السوري في ادلب و تحريرها ، و محاولة يائسة من واشنطن لإعادة خلط الاوراق مجددا و تقويض مفاعيل الانتصار السوري .
" في النتيجة "
كثيرة هي تأويلات التهديد الامريكي باستهداف دمشق ، حتى ذهب البعض بأن هذا التهديد هي محاولة " ترامبية " للهرب من الأزمة الداخلية التي يعيشها في أمريكا ، و شخصيا اعتقد أن تهديد ترامب بضرب سوريا ليس للفت الانظار عن مشاكلة في الداخل الامريكي ، هنا الأمر يمكن توصيفه و وضعه في اطار النفوذ الامريكي المتراجع في الشرق الاوسط ، فجُملة الانجازات التي حققها الجيش السوري و حلفاؤه ستساعد في تقليص النفوذ الأمريكي إضافة إلى القضاء على جيوب داعش " الامريكية " ، ما سيُلغي تماما ذريعة البقاء الامريكي في سوريا ، و عليه تحرير ادلب او اي نقطة ضمن الجغرافية السورية هي مسألة جوهرية تخص دمشق فقط و مرتبطة مباشرة بالسيادة السورية على كامل التراب السوري ، حيث أن القوة التي تتحدث بها الحكومة السورية نابعة من حجم الانجازات و التضحيات التي قُدمت خلال سنوات الحرب ، و بالتالي الانجاز السوري القادم في ادلب سيُسرع من انهيار المشروع الامريكي في سوريا و المنطقة .
كاتب و إعلامي سوري
https://telegram.me/buratha