بقلم: علي بشارة
رغم كل المحاولات السعودية لاظهار الزيارة الخاطفة للرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" للعاصمة السعودية الرياض, بمظهر طبيعي وضمن السياقات الدبلوماسية المتعارف عليها الا ان الغموض لا زال يلف الكثير من تفاصيل تلك الزيارة السريعة والمفاجئة خصوصا وانها جائت بعد التحرك السعودي الكبير ضد لبنان ودفعها الحريري نحو الإستقالة وما رافقها من التصعيد والإتهامات.
زيارة ماكرون في هكذا توقيت ووسط محاولات السعودية في التحشيد العسكري والاعلامي ضد لبنان, ونظرا للعلاقات الفرنسية اللبنانية, لايمكن تفسيره الا ضمن إطار واحد وهو رفض فرنسا للنوايا السعودية وتدخل حقيقي لإفشال مخططات آل سعود أو "آل سلمان" بالتحديد, تدخل فسره التراجع الكبير الذي تلا هذه الزيارة في الخطاب السعودي وإعلان الحريري عن قرب عودته لبيروت.
مصادر أكدت ان بن سلمان حاول الحصول على التأييد الفرنسي لمشروعه عبر دعمه لقوة الدول الخمس في الساحل في إطار اجتماع الدعم المقرر في بروكسل في الـ14 من ديسمبر المقبل والتي أطلقتها الدول الخمس في الساحل الإفريقي (موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، تشاد، والنيجر) لتشكيل قوة عسكرية مشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة المنتشرة في المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر, الا ان هذا الدعم لم يكن كافيا لثني الرئيس الفرنسي عن موقفه وإصراره على إنهاء الأزمة وعودة الحريري إلى بلاده.
الغريب ان الأمير السعودي المندفع وراء وعود ترامب و"تغريداته", مصر على تجاهل الدور الذي تلعبه القوى الكبيرة في العالم وتأثيرها على صنع القرار والأثر الكبير الذي تمارسه التوافقات والتحالفات بين تلك الدول على العالم, "بن سلمان" لا يريد أن يعي أن التأييد الأمريكي لا يكفي وحده رغم أنه قد كلفه المئات من المليارات ولكنه لم ولن يجدي نفعا, فبعد أن أفشل بوتين كل مخططات السعودية في سوريا رغم التدخل العسكري الأمريكي والمليارات السعودية التي اهدرت لإنجاح هذا المخطط, وإفشال أردوغان للحصار المفروض على قطر وانكسار الإرادة السعودية أمام دولة صغيرة بحجم قطر, ونجاح الدوحة في تبديد الأحلام السعودية بفرض سيادتها على المنطقة ولعب دور الكبير فيها, رغم الحملة الاعلامية الكبيرة التي شنت ضد "تميم"ومؤسساته والضغوطات التي مورست ضد دول وأنظمة عربية واجنبية لمحاصرة الدوحة, وكذلك الفشل الكبير الذي لحق بالمشروع السعودي لضرب الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني والذي كان من ابرز الاتفاقات التي خرجت بها القمة الأمريكية السعودية في الرياض وما رافقها من سخاء سعودي واغداق ترامب بمئات المليارات, الا ان هذا المشروع تبدد أيضا أمام الموقف الحازم للإتحاد الأوروبي, وها هو اليوم يفشل مرة أخرى في مخطط مشئوم حاول تنفيذه في لبنان, بتدخل عاجل من "ماكرون", فمتى يدرك الأمير المغرر به أنه ليس أكثر من حجر شطرنج يتلاعب بها ترامب لكسب الكثير من تلك المليارات, وإن مخططاته لا تجلب للمنطقة سوى الكثير من الحروب والقتل وخسارة المزيد من الأموال لمصلحة مصنعي الأسلحة وتجار الحروب والدمار.
https://telegram.me/buratha