لم يعد حجم التأثير الأمريكي في الشرق الأوسط بالقوة التي كان عليها قبل أعوام، ويبدو أن السبب الأساسي في ذلك يعود إلى عاملين أساسيين هما: السياسات الخاطئة للبيت الأبيض في المنطقة بعد موجة ثورات الربيع العربي، وتوجهات الإدارة الحالية بالتركيز أكثر على الموقف مع الصين والهند والاقتراب من سياسة "إدارة الظهر للعرب".
وحسب مصادر دبلوماسية مصرية، فإن تقارير استخباراتية أمريكية تحذر مما أسمته "نزيف التراجع المستمر لنفوذ واشنطن" في المنطقة، نتيجة الوقوع في أخطاء وصفت بـ"الكارثية"، ولا بد من سرعة الاعتراف بها وتداركها".
يقول تقرير صادر عن قادة الأركان في البنتاجون، رُفع إلى الرئيس باراك اوباما بشأن سياسات بلادهم في الملف السوري: "فشلنا في سوريا، ولا بد من الاعتراف بذلك، فالذين ندربهم في الأردن من المليشيات المسلحة التي تقاتل نظام بشار، نكتشف فيما بعد أنهم إرهابيون يقتلون جنودنا في جنوب ليبيا، أو في أحسن الأحوال حلفاء للقاعدة ولا يترددون في قطع رؤوس الأطفال وأكل أكباد أعدائهم".
ويتابع التقرير: "الحقيقة المؤلمة أن الموقف العسكري على الأرض يتحول إلى صالح القوات الحكومية، لكن الأكثر إيلاما هو أنه إذا كان بشار ديكتاتورا فإن معظم معارضيه أسوأ منه".
وحسب تقرير صادر عن مركز سترتفور، وثيق الصلة بالاستخبارات الأمريكية، فإن الملف السوري "تحول إلى مأزق بالنسبة إلى البيت الأبيض حيث لا يستطيع نفض يده منه، كما أنه لا يستطيع أيضا الاستجابة لطلب المعارضة تزويدها أسلحة نوعية تحدث تغييرا على الأرض".
ويحذر التقرير من أن سياسات اوباما في التعامل مع الربيع العربي "ثبت فشلها، حيث جرى الرهان كاملا على جماعة الإخوان باعتبارها الوريث القوي للأنظمة العربية التي شاخت في مقاعدها، والنتيجة أن واشنطن توشك أن تخسر أهم حلفائها في المنطقة، القاهرة والرياض وأبو ظبي".
ويتابع التقرير: "في حين أن الحلفاء المتبقيين لم يعودوا في نفس القوة، فرئيس الوزراء التركي أردوغان تلاحقه قضايا الفساد وانتهاك حرية التعبير كما أن قطر أصبحت معزولة في محيطها الخليجي، وتل أبيب لم تعد واحة الديمقراطية الوحيدة في جزيرة عربية قاحلة، كما أن "إخوان تونس" اضطروا إلى تقديم تنازلات للمعارضة خوفا من تكرار السيناريو المصري معهم".
ويؤكد على أنه في ملف مباحثات السلام بين الفلسطينيين والاسرائليين، "لم يعد الطرفان يقيمان وزنا للراعي الأمريكي، في ظل توجه الطرف الأول للحصول على اعتراف الأمم المتحدة من طرف واحد، فضلا عن اشتراط الطرف الثاني الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل".
ويشير التقرير إلى أن استمرار إدارة اوباما في سياسة "إدارة الظهر للعرب"، والتركيز على الصين والهند، لن يؤدي إلا إلى مزيد من المكاسب لموسكو التي تستعيد بهدوء نفوذها التاريخي في المنطقة عبر البوابة المصرية، حيث أبرمت صفقة سلاح بثلاثة مليارات دولار، كما تخطط إلى خلق منطقة للتجارة الحرة مع القاهرة بمشاركة كازاخستان وبيلا روسيا.
ويضرب التقرير برفض الرياض الاستجابة لاوباما حين طلب في زيارته الأخيرة للمملكة، توسط العاهل السعودي لدى الإدارة المصرية بالتوقف عن الملاحقة الأمنية للإخوان، مثلا آخر على تراجع النفوذ الأمريكي لدى حلفاء تقليدين، مطالبا بأخذ تهديدات السعودية على محمل الجد حين أكدت لاوباما أنها لن تتردد لحظة واحدة في امتلاك السلاح النووي إذا امتلكته إيران.
22/5/140406