على ضوء الدعوة التي وُجِّهت إلى فضيلة الشيخ جلال الدين الصغير حفظه الله لحضور فعاليات المؤتمر الدولي الخامس الخاص بزيارة الأربعين، والذي عُقد للفترة من 25 ولغاية 28 من شهر جمادى الآخرة في مدينة مشهد المقدسة، إذ تحدّث سماحته عن نقاط جوهرية عدة، بدأها بأهمية وعظمة زيارة الإمام الحسين عليه السلام، وماهيتها وأبعادها، والهدف الأكبر المتوخّى من تلك الزيارة، ولا سيّما زيارة الأربعين، بما تحمله من حشود مليونية مؤمنة تجدد كل عام بيعتها وولاءها لإمامها الحسين عليه السلام، لتقول له: نحن على العهد باقون.
كذلك أشار فضيلة الشيخ في معرض حديثه إلى البعد الآخر لهذه المليونية، وهو بُعد التعبئة والاستعداد بكل أبعاده ومدياته ومسمياته، وهذا بالضبط ما خطّط له أهل البيت عليهم السلام، مستشهداً بحديث للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حين قال:
«وعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، ويعجّ العاجون، ويندب النادبون، ويصرخ الصارخون».
وهذا يعني أن الحسين يجب أن يكون موجوداً في الأرواح والضمائر، وحاضراً في كل ميدان، وإن ترجمة ذلك الحضور تكمن في استعداد الأمة على الدوام، فبذكر الحسين وزيارته يكمن سر وحدة الأمة وقوتها، بل ورفض كل ما جرى عليها من حيف وضيم من قبل أمة الكفر والظلام.
فرغم اختلاف الأنظمة المتعاقبة على الحكم عبر التاريخ، إلا أن الحرب المعلنة على الشعائر الحسينية باقية كما هي ولم تتغير، والسبب أن الظلمة يعلمون جيداً أن الأمة التي تُحيي تلك الشعائر وتتحرك تحت ظلالها هي أمة حيّة، مقاومة، رافضة، باقية، ولن تموت.
وفي هذا الصدد لفت فضيلته إلى ما كتبه الصحفي الأمريكي المعروف مايكل نايس (Michael Nice) التابع لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، والذي تحدّث عن عناصر قوة الشيعة، حيث أشار أولاً إلى جهاز المرجعية ومنظومتها، وثانياً إلى زيارة الأربعين، ولكن ليس من منظورها الخدمي كمواكب تقدم الطعام والشراب، ولا من منظور أن الملايين من الناس تتجمع وتأتي سيراً على الأقدام لتلتقي في نقطة معينة.
بل نظر إلى الأربعين من بعدها الاستراتيجي، تماماً كما نظرت السيدة الزهراء سلام الله عليها إلى الحج، أي إلى جوهر وحدة الأمة وتكاتفها. وهنا أشار فضيلة الشيخ حفظه الله مستشهداً بما جرى أثناء تشييع درة لبنان قدس الله سره الشريف، وكيف أرعب ذلك التجمع المهيب الكيان الغاصب، وأرسل رسالة إلى العدو مفادها: إنّا هنا، ولن نهاب الموت مهما فعلتم، رغم أن العدو قد أرسل طائراته الحربية التي حلّقت على علو منخفض، فاتحة جدار الصوت.
كما تطرّق فضيلته إلى ما حدث خلال حرب الاثني عشر يوماً، والتي أفرزت واقعاً جديداً للأمة واتحادها، ليس في إيران الإسلامية بقيادة السيد القائد الخامنئي أعزه الله فحسب، بل في البلدان الأخرى أيضاً، حيث لم تنم شعوبها فرحاً وسروراً وابتهاجاً بما تقوم به الجمهورية الإسلامية، قيادةً وشعباً، في حربها ضد الكيان الغاصب، والانتصارات التي سطرها الحيدريون في تلك الأيام.
كذلك طرح فضيلته سؤالاً مهماً: لماذا يسهر خَدَمة الحسين ويصلون الليل بالنهار في خدمة الزائرين؟ وما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ وهل توجد فتوى شرعية بذلك؟ أم أنهم كُلِّفوا من قبل جهة حكومية أو دينية أو ما شابه؟
ويقيناً فإن الجواب هو: لا يوجد شيء من هذا القبيل، وإنما هو العنصر الذاتي في تحمّل المسؤولية الذي انبثق في كل واحد منهم، حيث تنكب تلك المسؤولية دون توجيه من أحد. ويُعزى ذلك إلى التربية التي ربّى بها أئمة أهل البيت عليهم السلام أتباعهم في كل عصر ومصر، وهي تربية تختلف من وقت لآخر؛ فبعضها سريع وله أبعاد آنية، وبعضها الآخر ذو أبعاد ومديات زمنية طويلة، أدّت إلى إنجاح مسارات تربوية مدروسة.
فيما أشار فضيلته، قبل ختام كلمته، إلى ما تطرّق إليه فضيلة الشيخ هادي في كلمته بخصوص مفاهيم زيارة عاشوراء التي تولّد الحزن الثوري المزلزل في نفوس الزائرين، مشيراً إلى عزاء طويريج وما يحمله من معاني التحدي والرفض والاستعداد.
فهذه الزيارة العظيمة قد أشارت إلى ثلاثة مفاهيم مهمة جداً:
أولها أنها وصفت الإمام الحسين عليه السلام بـ«ثار الله وابن ثأره والوتر الموتور»، وهذا يعني أن ثأر الحسين عليه السلام هو ثأر للدين ولم يُستحصل بعد.
وأما المفهوم الثاني فيكمن في عبارة «طلب ثأركم»، أي تحوّل ثأر الدين إلى ثأر لأهل البيت عليهم السلام جميعاً.
وأما المفهوم الثالث فيكمن في «اللهم ارزقني طلب ثأري»، وهنا يتحول المفهوم إلى مسؤولية وشعور ذاتي بطلب الثأر.
أما في زيارة الأربعين، فقد تحوّل المفهوم فيها إلى «ونصرتي لكم معدّة»، كون أن تلك الجماعات التي كانت تقيم مواكبها وشعائرها في مناطقها أثناء زيارة عاشوراء قد تحوّلت في الأربعين إلى مشهد مهيب وعظيم وملحمة تبعث على الفخر والاعتزاز في نفوس أتباع أهل البيت عليهم السلام.
وفي الختام، طرح فضيلته سؤالاً على الإخوة منظمي المؤتمر، مفاده: هل إن الأئمة عليهم السلام احتاجوا فقط إلى هذا الحضور؟ أم إلى تحويل هذا الحضور إلى خطوة باتجاه مشروعهم وقضيتهم؟ وهم سلام الله عليهم من ثاروا من أجل هذه القضية وقدموا أنفسهم قرابين لها.
ودعا فضيلته إلى إيجاد برامج وإقامة فعاليات تراعي طبيعة المجتمع الأربعيني، الذي بطبيعته لا يتحمل الانتظار ساعة أو ساعتين من أجل سماع محاضرة هنا أو هناك، بقدر تقبّله لسماع لفتات حديث هنا أو تذكير بالإمام هناك، على أن تُعضد هذه اللفتات والتذكيرات لاحقاً حينما يعود الزائر إلى بيته، وذلك عبر التواصل معه بعد انتهاء الزيارة.
كما طلب سماحته التفكير في البدائل التي ترفع حالة الاستعداد لمواكبة المرحلة والأحداث التي تحصل الآن، والتحديات التي يمر بها هذا العالم، فالقضية اليوم لا تنحصر بشيعة هنا أو سنة في غزة، بل هي حرب وجود بين معسكرين لا ثالث لهما: معسكر الحق ممثلاً بالمسلمين، ومعسكر آخر يقوده الكفر.
وكذلك وجّه فضيلته بضرورة الالتفاف والتمسك بدعوة السيد الولي القائد بضرورة جهاد التبيين، وكذلك دعوة المرجعية العليا ممثلةً بالسيد المرجع الأعلى دامت بركاته، بضرورة تحصّن المؤمنين بالبصيرة وزيادة حصافتهم ووعيهم بما يدور حولهم، وعند ذلك تكون معركتنا الحقيقية واضحة المعالم.
وفي الجلسة الحوارية المسائية، تحدّث فضيلة الأخ الشيخ هادي المشرفاوي عن عدة نقاط،
منها:
1- أهمية الدعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث يشكل الدعاء ركيزة مهمة وارتباطاً حيّاً بين الإمام وشيعته.
2- طرح مشروع كشافة الإمام، وضرورة تربية جيل مهدوي سيكون رديفاً فاعلاً وقوياً في المستقبل.
3- الحديث عن المحطات المهدوية، والبالغ عددها 54 محطة، وماهية هذه المحطات وأهميتها ودورها التوعوي في إيقاظ وعي الأمة لتكون مستعدة ومهيّأة لاستقبال إمامها أرواحنا له الفداء.
4- التطرق إلى الدورات والملتقيات الشهرية للمبلغين، ومهمة ترسيخ عملية الاستقطاب وعوامل الجذب، فضلاً عن تلقي المعلومات الدورية التي يستفيد منها المبلّغ في عمله.
5- طرح موضوع ردّ الشبهات التي تُطرح في الشارع ويتناولها الإعلام من خلال ضخ معلومات مغلوطة وغير صحيحة، مما استوجب القيام بمهمة التصدي لتلك الشبهات.
6- التطرق إلى نتاجات وكتابات المنتظرون والمنتظرات في مجلة الانتظار ومجلة المنتظرة.
7- الحديث عن أن مشروع الانتظار في العراق لا يتعلق بالعلامات فقط، بل بالنزول إلى الشارع وتوعية الأمة وتكليفها تجاه إمام زمانها، وضرورة الاستعداد وإيجاد قواعد النصرة والمكنة، أي إن التحرك يجري على إيجاد وترسيخ الوعي المهدوي ونشر الثقافة المهدوية بين أبناء الأمة، فضلاً عن تناول الواقع السياسي وأهم الأحداث التي تعصف بالمنطقة من خلال الإجابة عن الأسئلة التي تُطرح بخصوصها في المحطات والملتقيات وغيرها.
وفي نهاية الجلسة، أشاد الحاضرون بدور وأهمية ما يقوم به منتظرو العراق من عمل دؤوب في التمهيد والاستقطاب والانتظار، وتمنّى الحاضرون أن تُستنسخ ذات التجربة في الجمهورية الإسلامية.
كما أشاد المشاركون بفعالية المحطات المهدوية التي تنتشر على طريق الزائرين، تلك المحطات التوعوية التي تقدم الغذاء الروحي للزائرين، وتعرّفهم بإمامهم المنتظر وضرورة الاستعداد وإيجاد قواعد النصرة له.
https://telegram.me/buratha
