طاهر باقر
التوسل بالائمة من اهل بيت النبوة صلوات الله عليهم وزيارة قبورهم والدعاء عند اضرحتهم من قبل الشيعة هو امر مفهوم وطبيعي لكن ان يقوم رجل من اهل السنة لا بل احد علمائهم الكبار بهذا العمل فهذا عجيب خاصة لمن يعيش في هذل العصر حيث يشكك البعض بزيارة القبور والدعاء عند قبر النبي فمابالك باحد قبور اهل البيت صلوات الله عليهم!.
وفي كتاب الثقات للإمام العلامة الحافظ المجود أبو حاتم محمد بن حبان البستي من كبار أئمة علم الحديث والجرح والتعديل يذكر : " مات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته وذلك في يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مرارا كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا أستجيب لي وزالت عني تلك الشدة وهذا شيء جربته مرارا فوجدته كذلك أماتنا الله على محبة المصطفي وأهل بيته صلى الله عليه وسلم الله عليه وعليهم أجمعين" (1)
وهذه القصة ان دلت على شيئ فانما تدل على ان زيارة القبور والتوسل بالصالحين هي ممارسة كانت معروفة لدى المسلمين عامة: السنة والشيعة ولكن القول بانها شرك وضلالة هي عقيدة جديدة وبدعة غير اسلامية ادخلتها الوهابية في اذهان المسلمين في العصر الحاضر، ومايؤكد هذه المقولة ان زيارة القبور لم تكن حصرا على عدد معين من علماء وائمة اهل السنة وينقل ابن حجر عن أبي بكر بن المؤمل: ««خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافرون إلى علي بن موسى الرضا بطوس، يعني إلى قبره، قال: فرأيت من تعظيمه، يعني ابن خزيمة، لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا»(2) وفي نفس المحل يلفت ابن حجر لمقولة ابن السمعاني بحق الامام الرضا عليه السلام ، ثم قال ابن السمعاني: "كان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب".
ومن جميل مانقرء في كتب كبار علماء اهل الحديث عن الامام الرضا عليه السلام ماذكره اليافعي في كتابه (مرآة الجنان وعبرة اليقظان) انه " توفي الإمام الجليل المعظم سلالة السادة الأكارم أبو الحسن علي بن موسى، أحد الأئمة الأثني عشر، أولي المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم، وقصروا بناء مذهبهم عليه، وكان المأمون قد زوجه ابنته أم حبيية، وجعله ولي عهده، وضرب اسمه على الدينار والدرهم، وكان السبب في ذلك أنه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء، وهو بمدينة مرو من بلاد خراسان، وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفا بين كبير وصغير، واستدعى عليا المذكور، فأنزله أحسن منزل، وجمع خواص الأولياء، وأخبرهم أنه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب، فلم يجد أحدا في وقته أفضل، ولا أحق بالخلافة من علي الرضا فبايعه، وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام، وإبدال ذلك بالخضرة." (3)
واما الذهبي فبعد ان عرف بشخصية الامام الرضا عليه السلام ومااحصاه من مناقبه ومآثره والتطرق لبعض احاديثه جلب في مصنفه "سير اعلام النبلاء" وكتاب "تاريخ الاسلام" آراء بعض علماء السنة بحق الامام وهو يقول:
"الإمام السيد ، أبو الحسن ، علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ، الهاشمي العلوي المدني ، وأمه نوبية اسمها سكينة ، سمع من أبيه ، وأعمامه : إسماعيل ، وإسحاق ، وعبد الله ، وعلي ، أولاد جعفر ، وعبد الرحمن بن أبي الموالي ، وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان .
ومما ذكره الذهبي عن آراء علماء الاسلام آنذاك بحق الامام الرضا عليه السلام مانقله عن ابي بكر الصولي الذي وصفه المؤرخون بانه عالم بفنون الأدب، حسن المعرفة بأخبار الملوك وأيام الخلفاء ومآثر الأشراف وطبقات الشعراء؛ يقول الصولي حدثنا أحمد بن يحيى أن الشعبي قال : أفخر بيت قيل قول الأنصار يوم بدر :
وببئر بدر إذ يرد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
ثم قال الصولي : أفخر منه قول الحسن بن هانئ (ابو نؤاس) في علي بن موسى الرضا:
قيل لي أنت أحسن الناس طرا … في فنون من المقال النبيه
لك من جيد القريض مديح … يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى … والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أستطيع مدح إمام … كان جبريل خادما لأبيه
وللامام المعصوم صفات يتفرد بها دون سائر المسلمين، والعلماء هم الذين يستطيعون ان يلمسوا تلك الصفات لما يجدون فيه من تفوق في كافة المجالات وهذا هو مااثار اعجاب واندهاش الشريف الامام نور الدين (السمهودي) بالامام الرضا عليه السلام والسمهودي معروف بمؤلفاته في الفقه والحديث والتاريخ وخاصة اهتمامه بتاريخ المدينة المنورة، ولديه جملة دقيقة ومعبرة بحق الامام الرضا عليه السلام يقول فيها «علي الرضا بن موسى الكاظم، كان اوحد زمانه، جلیل القدر، أسلم على یده أبو محفوظ معروف الكرخي»(4)
وهنا يشير (السمهودي) الى حقيقة قد لايعلمها كثيرون هي ان الشيخ معروف الكرخي كان احد الملازمين للامام الرضا عليه السلام بل هو الذي اسلم على يديه بعد ان كان هو وابويه نصارى، والكرخي لمن لايعرفه هو علم من اعلام الزهد والروحانية في التاريخ الاسلامي واتخذت طرق الصوفية من فكره وسلوكه مسارا للاتجاه نحو العرفان والتصوف الاسلامي.
و(لابن الأثير) عالم الادب والنسب وصاحب الكتاب الشهير "الكامل في التاريخ" رأي بالامام الرضا عليه السلام ذكره في كتابه الآخر (جامع الأصول في أحاديث الرسول) يذكر فيه :«علي بن موسى الرِّضا هو أبو الحسن، علي بن موسى بن جَعْفَر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، المعروف بالرِّضا... وإِليه انتهت إِمامة الشِّيعة في زمانه. وفضائله أكثر من أن تُحْصى ، رحمة الله عليه ورضوانه». (5)
ومن المؤرخين الذين تحدثوا عن الامام الرضا عليه السلام (القرماني) وهو أحمد بن يوسف بن سنان الدمشقي المعروف بالقرماني ذكره في كتابه أخبار الدول وآثار الأول وقال " وكانت مناقبه عليه وصفاته سنية ... وكراماته كثيرة ومناقبه شهيرة ... وكان رضي الله عنه قليل النوم، كثير الصوم، وكان جلوسه في الصيف على حصير وفي الشتاء على جلدة شاة" (6)
واجمل ماقيل في الامام الرضا عليه السلام؛ ماذكره الشبراوي ، وهو الإمام السابع في سلسلة شيوخ الجامع الأزهر؛ هو: عبد الله الشبراوي أو أبو محمد جمال الدين عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشافعي يقول في الامام الرضا عليه السلام (كان رضي اللّه عنه، كريما، جليلا، مهابا، موقرا، و كان أبوه موسى الكاظم يحبّه حبّا شديدا، ووهب له ضيعة اليسيرية الّتي اشتراها بثلاثين ألف دينار.
و يقال: إنّ عليّا الرّضا أعتق ألف مملوك، و كان صاحب وضوء، و صلاة ليله كلّه، يتوضّأ، و يصلّي، و يرقد، ثمّ يقوم فيتوضّأ، و يصلّي، و يرقد، وهكذا إلى الصّباح. قال بعض جماعته: ما رأيته قط إلّا ذكرت قوله تعالى: (كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ).
قال بعضهم: عليّ الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق فاق أهل البيت شأنه، و ارتفع فيهم مكانه، و كثر أعوانه، و ظهر برهانه حتّى أحلّه الخليفة المأمون محلّ مهجته، و أشركه في مملكته، و فوّض إليه أمر مملكته، وعقد له على رءوس الأشهاد عقد نكاح ابنته، و كانت مناقبه عليّة، و صفاته سنية «و مكارمه حاتمية، و شنشنه أخزمية، و أخلاقه عربية»، و نفسه الشّريفة هاشمية و أرومته الكريمة نبوية، كراماته أكثر من أن تحصر، و أشهر من أن تذكر.(7)
لقد اتينا في هذا المجال بعدد قليل من آراء واحاديث ائمة وكبار علماء اهل السنة ولو اردنا احصاء كل من قالوا في ذلك او كل ماقالوا لاحتجنا الى كتاب موسع ولكنا حاولنا الاختصار لبيان نبذة من تلك الاقاويل وهي بلا شك تهدف الى الرد على بعض الجهلة ممن ناصبوا العداء لاهل البيت وينشرون آراءهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهم ينكرون فضل اهل البيت ومنزلتهم في الاسلام والصقوا انفسهم باهل السنة والجماعة وهم ليسوا كذلك، بدليل مااوردناه من كلمات واقوال كبار علماء اهل السنة في ائمة اهل البيت صلوات الله عليهم عامة والامام الرضا عليه السلام خاصة.
بقلم: طاهر باقر
الهوامش:
========================================
(1) كتاب الثقات لابن حبان - ج 8 ص 458 –
(2) تهذيب التهذيب - ابن حجر العسقلاني، ج3، ص195.
(3) كتاب مرآة الجنان وعبرة اليقظان – اليافعي – ج 2 ص10.
(4) جواهر العقدين، ص 446، بيروت، دار الكتب العلمية
(5) ابن أثير الجزري، معجم جامع الأصول في أحاديث الرسول، ج 12 ص 715 ، تحقيق: بشير عيون، ط دار الفكر.
(6) القرماني، أحمد بن يوسف، (متوفى: 1019هـ)، أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، ج 1 ص 341-344 ، المحقق، الدكتور فهمي سعد، الدكتور أحمد حطيط، عالم الكتاب.
(7) الإتحاف بحب الأشراف المؤلف : الشبراوي، جمال الدين صفحة : 313
https://telegram.me/buratha
