الدكتور فاضل حسن شريف
عن کتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: يبدو من خلال الآيات القرآنية أن الحد الفاصل بين ميزان الرحمة والعدل الإلهي في الدار الآخرة هو العناد والتمرد والشرك والكفر، الذي يعبر عنه القرآن الكريم في كثير من الموارد بالاستكبار، لان ملاك العدل الإلهي هو الظلم، ومعنى العدل الإلهي هو إنزال الجزاء بالظالم، وأن للظلم هذا درجات، ودرجته التي لا يمكن التجاوز عنها هي درجة (الشرك والكفر والاستكبار)، قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" (النساء 48). ولعل من أروع النصوص الإسلامية التي تتحدث عن هذه المعادلة بين الرحمة والعدل الإلهي ما ورد في دعاء كميل بن زياد النخعي المعروف الذي يرويه عن إمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام: (فباليقين أقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك وقضيت به من إخلاد معانديك لجعلت النار كلها بردا وسلاما وما كان لاحد فيها مقرا ولا مقاما، لكنك تقدست أسماؤك أقسمت أن تملأها من الكافرين: من الجنة والناس أجمعين، وأن تخلد فيها المعاندين، وأنت جل ثناؤك قلت مبتدئا وتطولت بالانعام متكرما أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون).
قال الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ" (النساء 59) جاء في صفحة مقالات / وكالة انباء براثا عن الزعيم الذي مات حتف وطنيته في ذكرى شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم خفايا واسرار تنشر لاول مرة المنشور في جريدة المستقبل العراقي: مثلما كان رحيله مدوياً وفي باحة رواق الخليفة الرابع الامام علي عليه السلام كانت حياته الممتدة مابين 1937-2003 مدوية ايضاً وربما يكون الامام الحكيم الذي استشهد في العراق بعد حياة سياسية وجهادية حافلة من بين القادة السياسيين الذين عمروا طويلاً في تاريخ العمل السياسي الوطني بعد افول نجم جعفر ابو التمن ورشيد عالي الكيلاني وعبد الواحد ال سكر وتهيأت الاجواء لهذا الرجل ما لم تتهيأ وبهذا السطوع الكبير لرجل اخر مثله. محمد باقر الحكيم الذي عشنا معه أستاذاً في علوم القران ومفسراً كبيراً لنصوص الشريعة الاسلامية واحكامها الشرعية وفقيهاً يلقي على مريديه دروس البحث الخارج سنوات طويلة في المنفى وقائدا سياسياً للمجلس الاعلى وموقعاً مهماً في مشروع التغيير الوطني كان الحكيم الانسان صاحب الاخلاق المحمدية الرصينة والحسينية العميقة والصادقية التي لا تغادرها المعرفة ومساكنة النص الاسلامي وهو في اعز اللحظات اقتراباً من وهج الثورة والتغيير وصناعة الخطط الميدانية لمواجهة دكتاتورية النظام السابق او وهو يخطط لزيارة اكثر من دولة بغية توسيع فلك المجلس الاعلى عربياً وفلكاً موازياً في المحيط الدولي. اتذكر بهذا الصدد ان الامام الحكيم تلقى دعوة رسمية لزيارة الولايات المتحدة الامريكية والهدف لقاء المؤسسات السياسية في مقدمتها الخارجية الامريكية ومراكز ابحاث ستراتيجية متخصصة في الملف العراقي لكن الامام رفض الدعوة ولم يستجب لها لان الظروف السياسية التاريخية لم تكن ايام ذاك مؤاتية للقيام بزيارات من هذا النوع. بعض المقربين من امامته سأله عن سبب رفض الزيارة مع ان زيارة من هذا النوع في التسعينات كانت تمثل حدثا صاخباً في السياسة العربية وفي المعارضة العراقية ومجموعة التقاليد المرعية في اطرها الحزبية والسياسية وكان من المفترض ان ينتهز السيد الحكيم هذه المناسبة للأطلالة على الاجواء الامريكية لكنه اكد ان ليس من اللائق ان يكون في استقبال المعارضة العراقية بما تمثل من حجم ودور وتاريخ ووظيفة ومكانة وموقع في السياسة الدولية والعربية وفي مجمل المصالح الانسانية باهتاً مع نائب الرئيس وليس متوهجاً مثل صورتها مع الرئيس. رافقته في اكثر من زيارة قام بها الحكيم الى العاصمتين السورية واللبنانية. كان محاوراً مجيداً لاتأخذه في التمسك بالوطنية والثوابت العراقية لومة لائم ولا تحد قائم وكان يجلس مع زواره وجلاسه السوريين واللبنانيين وهو يتحدث اليهم بجرأة القائد المحيط بكل التفاصيل المتعلقة بخارطة العمل الوطني وما يجري بالداخل من تطورات ميدانية وسياسية وكانه الوحيد الذي يسكنه الداخل وان كان بينه وبين هذا الداخل بعد المشرق عن المغرب.. ان التماهي الشديد بما يجري في التفاصيل والاستغراق في العملية الثورية عملاً دؤوباً ومؤتمرات ولقاءات سرية وعلنية بمختلف الاوساط وعدم التنازل عن نظرية التسويات السياسية الممكنة مع شركاء العملية السياسية والزهد الشامل بكل الحيثيات المالية والسلطوية والسياسية هي ابرز ما يميز محمد باقر الحكيم الذي لم اره عابساً بحياته قط ويكاد يبتسم وهو في اشد حالات بكائه على وطن الامام والانسان والفرات العظيم كانه يختصر المسافة ما بين العهد الاسلامي الاول وبين عهودنا التي حولها طوفان الاستبداد الى سجون متلاصقة سجان يمسك سجان ويؤكد الشاعر العربي هذا التماهي فيه وهو يتحدث عن امامة بقية سيف الحسين (علي بن الحسين زين العابدين). وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من انكرت والعجم.
عن علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: أن هناك نصوصا وقرائن تأريخية تدل على عدم ورود أسماء الأئمة في القرآن الكريم بشكل صريح. ومن هذه القرائن حديث الغدير، حيث نعرف منه أن الظروف التي أحاطت بقضية الغدير تنفي أن يكون هناك تصريح من القرآن باسم علي عليه السلام، وإلا فلماذا يحتاج النبي صلى الله عليه وآله إلى تأكيد بيعة علي عليه السلام، وحشد هذا الجمع الكبير من المسلمين من اجل ذلك، بل لماذا يخشى الرسول الناس في إظهار هذه البيعة إذا كان قد صرح القرآن بتسميته ومدحه، الامر الذي أدى إلى أن يؤكد القرآن الكريم عصمة الله له من الناس . ومن هذه القرائن أيضا: ان التأريخ لم يحدثنا أن عليا أو أحدا من أصحابه احتج لامامته بذكر القرآن لاسمه، مع أنهم احتجوا على ذلك بأدلة مختلفة، ولا يمكن ان نتصور اهمال هذا الدليل لو كان موجودا. ومن هذه القرائن هذا النص الذي يتحدث عن عدم وجوداسم علي في القرآن: (عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم" (النساء 59) فقال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام فقلت له: إن الناس يقولون: فما له لم يسم عليا وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عز وجل؟ قال: فقال: قولوا لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا واربعا حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم). وهذا الحديث يكون واضحا للمعنى المراد من الأحاديث التي ساقتها الشبهة ومقدما عليها لأنه يقف منها موقف المفسر وينظر إلى موضوعها ويوضح عدم ذكر القرآن لاسماء الأئمة صريحا.
جاء في علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: ابعاد الهدف الرئيس من نزول القرآن: مما يلقي الضوء على أن عملية التغيير الجذري (الاخراج من الظلمات إلى النور) هي الهدف الرئيس، ما أشير إليه في القرآن الكريم من ربط هذه العملية بشكل متضاد ومتعاكس بتوجهات علاقات الانسان المؤمن والكافر بالقطبين (الله) و (الطاغوت) في مختلف مجالات حياته وممارساته ونتائج مسيرته: "الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا" (النساء 76).
وعن كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: من المحتمل جدا أن أحد خلفيات تأكيد مجموعة من القضايا والمفردات في القرآن الكريم هو قضية هذا التوجه الخاص لأبناء الجزيرة والاهتمام بهم، ويمكن أن نلاحظ ذلك في قضية تأكيد إبراهيم عليه السلام، وكذلك تأكيد (الوحي) ومعالجته بشكل خاص، وتأكيد رفض الأصنام، وكذلك قضية اللغة العربية والأسلوب في القرآن أهمية خاصة كما نشاهده في السور القصار، إلى غير ذلك من المفردات والقضايا. وفي ضوء هذا التفسير للهدف القرآني الرئيس، يمكن ان نفهم دور الاهداف الأخرى التي استعرضناها في تحقيق هذا الهدف، إضافة إلى موقعها الأصلي من الهدف الرئيس، فضلا عن أن يكون كل واحد منها هو الهدف الرئيس. عندما يكون القرآن حجة وبرهانا ومعجزة، فهو يساهم في عملية الانذار والهداية، ولذلك نجد أن البرهان يقترن بالهداية والنور والصراط المستقيم في القرآن نفسه: "يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا * فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما" (النساء 174-175)
https://telegram.me/buratha