الدكتور فاضل حسن شريف
عن كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: القرآن محكم ومتشابه: لقد جاء في التنزيل وصف جميع القرآن الكريم بأنه كتاب محكم: جاء ذلك في قوله تعالى: "هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا اولو الألباب" (آل عمران 7). ويكاد الباحثون في علوم القرآن يتفقون أن العلاقة التي صححت اطلاق وصف الاحكام على الآيات القرآنية كلها هي: ما في القرآن من احكام النظم وإتقانه، وما فيه من التماسك والانسجام في الأفكار والمفاهيم والأنظمة والقوانين.
جاء في كتاب القصص القرآنى للسيد محمد باقر الحكيم: مختارنا في المحكم والمتشابه: وتفرض علينا طبيعة البحث أن نذكر الرأي الصواب في تحديد معنى هاتين الكلمتين، ليتضح في ضوئه مدى صحة بقية الاتجاهات وانسجامها مع المدلول اللغوي والمحتوى الفكري للآية الكريمة. وبهذا الصدد يجدر بنا ان نستذكر تقسيما تعرضنا له في بحوثنا السابقة، وهو أن التفسير تارة: يكون للفظ، وذلك بتحديد مفهومه اللغوي العام الذي وضع له اللفظ، واخرى: يكون للمعنى، وذلك بتجسيد ذلك المعنى في صورة معينة ومصداق خاص. وعلى أساس هذا التقسيم نتصور التشابه المقصود في الآية الكريمة ضمن نطاق التشابه في تجسيد صورة المعنى وتحديد مصداقه الواقعي الموضوعي، لا في نطاق التشابه في العلاقة بين اللفظ ومفهومه اللغوي (المعنى)، وسواء في هذا النفي التشابه الذي يكون بسبب الشك في أصل وجود العلاقة بين اللفظ والمفهوم اللغوي (المعنى)، كما إذا تردد اللفظ في استعماله بين معنيين أو أكثر قد وضع اللفظ لهما، أو التشابه الذي يكون بسبب الشك في طبيعة هذه العلاقة، كما إذا عرفنا بوجود العلاقة بين اللفظ وأكثر من معنى، ولكن تردد اللفظ بينهما للتردد في استعماله بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي. وهذا التفسير للتشابه لا نتبناه على أساس عدم صلاحية كلمة التشابه بحدودها اللغوية لاستيعاب هذا اللون من التشابه اللغوي، وانما نقرر ذلك على أساس وجود قرينة خاصة في الآية الكريمة، تجعلها تأبى الانفتاح على هذا اللون من التشابه. وهذه القرينة هي ما نستفيده من قوله تعالى: "فيتبعون ما تشابه منه" (آل عمران 7) فان مفهوم (الاتباع) المستفاد من هذه الفقرة لا ينطبق إلا في حالة ما إذا كان للفظ مفهوم لغوي يكون أخذه والعمل به اتباعا له، إذ ليس من اتباع الكلام اي كلام ان نأخذ بأحد معانيه المشتركة أو المرددة إذا لم يكن له ظهور فيها، وانما يكون هذا العمل من اتباع الهوى والرأي الشخصي في تعيين المعنى، لان الكلام لا يعينه. وحين نلاحظ استعمال كلمة الاتباع في مجال آخر نجد هذا الاستنساخ أمرا واضحا، فنحن نعرف وجود نصوص كثيرة تأمرنا بضرورة اتباع القرآن الكريم والسنة النبوية والتمسك بهما، فهل نتوهم فيمن يأخذ بأحد المعاني المشتركة للفظ خاص ورد في الكتاب الكريم أو في السنة النبوية أنه متبع للكتاب والسنة؟ أو لا بد لانطباق هذا المفهوم في حقه من الاخذ بالمعنى الذي يكون للنص ظهور فيه؟ ولا شك بتعيين الشق الثاني. اذن فالتشابه المقصود في الآية الكريمة نوع خاص، لا بد فيه ان يكون قابلا للاتباع، وهذه القابلية تنشأ من عامل وجود مفهوم لغوي معين للفظ يكون العمل به اتباعا له. فالتشابه لم ينشأ من ناحية الاختلاط والتردد في معاني اللفظ ومفهومه اللغوي، لأننا فرضنا ان يكون للفظ مفهوم لغوي معين، وانما ينشأ من ناحية أخرى وهي الاختلاط والتردد في تجسيد الصورة الواقعية لهذا المفهوم اللغوي المعين، وتحديد مصداقه في الذهن من ناحية خارجية.
عن كتاب القصص القرآنى للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: سنّة ارتباط تغيير الأوضاع الاجتماعية و الحياتية للناس: سنّة ارتباط تغيير الأوضاع الاجتماعية و الحياتية للناس بتغيير المحتوى النفسي و الروحي لهم. و قد تحدّث القرآن الكريم عن هذه السنة في عدّة مواضع: منها: ما ورد في قصّة فرعون و موسى وفق ما أشار إليه القرآن الكريم في سورة الأنفال من قوله تعالى: "كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" (ال عمران 11) و لكن يذكره بشكل أكثر وضوحا في قصّة موسى في سورة الأعراف التي نزلت قبل الأنفال، و يمكن أن نعرف ذلك من وجوه: 1- إنّ هذه القصّة جاءت في سياق الآيات السابقة التي تحدّثت عن هذه السنّة. 2- إنّ مضمون القصّة يؤكّد ذلك من خلال ما ورد فيها من الأمر بالصبر و الاستعانة باللّه، ثمّ إصرار الفرعونيين على التكذيب و الطغيان، و كيف أنّ اللّه تعالى أخذ آل فرعون بالسنين، ثمّ وراثة الأرض لبني إسرائيل. و سوف يأتي مزيد من التوضيح لذلك عند دراسة قصّة موسى عليه السّلام.
جاء في علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: يروى عن حمير عبادة الشمس، وعن كنانة عبادة القمر، وعن لخم وجذام عبادة المشتري، وعن أسد عبادة عطارد، وعن طي عبادة سهيل. وكان في العرب يهود ونصارى إلى جانب تلك الكثرة من المشركين، ولكن اليهودية والنصرانية لم يكن بامكانها أن تصنع شيئا بعد أن منيت هي نفسها بالتحريف والزيغ، وأصبحت مجرد شعارات وطقوس، وبعد أن امتزجت المسيحية العالمية بوثنية الرومان، وأضحت لونا من ألوان الشرك، فلم تكن النصرانية أو اليهودية في بلاد العرب الا نسختين من اليهودية في الشام، والنصرانية في بلاد الروم والشام، تحملان كل ما منيت بها هاتان الديانتان من نكسات وزيف. وهذه الصورة العامة عن الوثنية والشرك في بلاد العرب، تكفي لكي نتصور ما بلغه الانسان الجاهلي من ضعة، وميوعة، وتنازل عن الكرامة الانسانية، حتى أصبح يدين بعبادة الحجر، ويربط وجوده وكل آماله وآلامه بكومة من تراب. وما من ريب في أن عبادة الأصنام، والاحساس بالعبودية والذلة بين يديها، والسجود أمامها، كل ذلك يترك في النفس من الآثار الروحية والفكرية ما يفقد الانسان كرامته، ويجمد فيه طاقاته المتنوعة، ويجعله أقرب للخضوع والخنوع والاستسلام، لكل قوة أو قوى ما دام يستسلم لأخس الكائنات وأتفهها. ولم يكن وضع العقيدة والعبادة، في سائر ارجاء العالم أحسن حالا منه في بلاد العرب، لان الوثنية بمختلف اشكالها كانت هي المسيطرة، اما بصورة صريحة، كما في الهند والصين وإيران، أو بصورة مبطنة، كما في أوروبا المسيحية التي تسللت فيها وثنية الرومان إلى النصرانية وشوهت معالمها. والعبادة للأصنام، أو للملوك، ولأرباب الأديان، كانت في كل مكان فلا تجد الا انسانا يعبد نظيره أو ما هو أخس منه من الكائنات، أو انسانا يزعم لنفسه العبادة والحق الإلهي في الطاعة والسيادة. في هذا الجو الوثني المسعور جاء القرآن الكريم ليرتفع بالانسان من الحضيض الذي هوى إليه، ويحرره من أسر الوثنية ومهانتها، ومختلف العبوديات المزيفة التي مني بها، ويركز بدلا منها فكرة العبودية المخلصة لله وحده لا شريك له، ويعيد للانسان إيمانه بكرامته وربه. فانظروا إلى هذه النصوص القرآنية التالية لتجدوا كيف يؤكد القرآن فكرة العبادة لله وحده، ويهيب بالانسان إلى التحرر من كل عبادة سواها: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله" (ال عمران 64).
جاء في كتابات في الميزان عن دروس من السفر الجهادي لشهيد المحراب / ح4 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للكاتب وسام ابو كلل: الإسلام دينُ عبادات ومعاملات أكدها القران الكريم ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد إفتتح السيد شهيد المحراب خطبته بالاية الشريفة من سورة ال عمران: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (ال عمران 104) ليوضح إنها من التي قرنت بالصلاة والصوم وربما قدمها في بعض الاحيان، لما لها من دور كبير في حفظ المجتمع الاسلامي والانساني بصورة عامة، من خلال تحقيق عدة نتائج. فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقق نتائج عديدة يمكن حصرها بالحديث المروي عن الامام الباقر عليه السلام: (إن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الارض وينتصف من الاعداء ويستقيم من الاعداء) فهي وكما جاء في الذكر فريضة يتصدى لها دعاة مفلحون وهي سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء لبناء المجتمع الاسلامي وهذا يتوضح من خلال خصوصيتين مهمتين. الحرية، ونقصد بها حرية الفرد وحرية المجتمع، وتعتبر مفردة مهمة جدا من مفردات المجتمع الاسلامي، فحرية الفرد وتسمى بـ (جهاد النفس) حيث يبني الانسان ارادته، بحيث تصبح حرة لا تعبد الا الله سبحانه وتعالى، والحرية الاجتماعية وهي تختص بحرية الرأي والموقف السياسي وحرية الحركة الاجتماعية. الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي خصوصية مكملة للحرية بل وتعتبر الضابط لها، فان الحرية عندما تعطى دون وجود عامل يضبطها ويوجهها في الاتجاه الصحيح وهو اتجاه البناء والتنمية والتطوير؛ تصبح انفلاتا وفوضى وتحلل، تتحول بعد ذلك الى فساد عظيم في الارض، نفهم من ذلك إن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مسؤولية اجتماعية يتحملها الفرد كما يتحملها المجتمع، والاجهزة التي تكون المجتمع لضبط القانون وتطبيقه. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة كما أسلفنا وقلنا أيضا أن الحرية مسالة مهمة تسندها لبلوغ بناء المجتمع الصالح وهذا الأمر موجود فقط في الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية التي تفهم الحرية الشخصية بمفهوم مختلف وترى الامر والنهي تدخل في الحرية الشخصية بينما يرى الاسلام أن الخير في أي مجتمع من المجتمعات، إنما يتولد ويتحقق نتيجة لعملية اجتماعية، يقوم بها المجتمع لكي تنزل الخيرات والبركات، وكذلك الفساد والشر والاذى والظلم، هو عملية اجتماعية تنشا من حركة المجتمع عندما ينحرف، من هنا تكون قضية صلاح الفرد الاخر، مسؤولية الفرد الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
https://telegram.me/buratha