الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب حياة الإمام الرضا للشيخ باقر شريف القرشي: بحوث عقائدية: وخاض الامام الرضا عليه السلام في بحوثه ومحاضراته الكثير من المسائل العقائدية ونفى ما يحوم حولها من الشبه والاوهام التي آثرها الحاقدون على الاسلام والجاهلون بأحكامه، وقد عرضنا إلى قسم كبير منها في مناظراته مع علماء الفرق والاديان، والتي نالت اعجاب العلماء، وايمانهم بالقدرات العلمية الهائلة التي يملكها الامام، وقد عجت بها اروقة السياسة وأندية أهل العلم... ونعرض إلى جانب آخر من تلك البحوث التي لم تكن في إطار المناظرات. وأثيرت كثير من التساؤلات حول قضايا التوحيد أجاب عنها الامام عليه السلام، وفند ما الصق بها من شكوك وأوهام وكان من بينها استحالة المعرفة الكاملة بذات الله. ان من المستحيل أن يوصف الله تعالى بصفة تلم بحقيقة ذاته المقدسة وقد انبرى ابو هاشم الجعفري، وهو من اعلام عصره في فضله وعلمه وتقواه فقال للامام الرضا عليه السلام: (هل يوصف الله؟) وقد اراد بذلك الوقوف والاحاطة بمعرفة الله فاجابه الامام عليه السلام: (أما تقرأ القرآن؟). (بلى). واحال الامام عليه الجواب على كتاب الله تعالى فقال: (أما تقرأ قوله تعالى: "لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار" (الانعام 103). واسرع أبو هاشم قائلا: (ما هي) واجاب أبو هاشم عما يعرفه عن الابصار قائلا: (ابصار العيون) فانكر الامام عليه السلام ذلك قائلا: (إن أوهام القلوب اكبر من بصار العيون، فهو لا تدركه الاوهام، وهو يدرك الاوهام).
وعن نفي الشبه عن الله يقول الشيخ القرشي قدس سره: ونفى الامام عليه السلام جميع الوان الشبه، والصور عن الله تعالى، وذلك في حديث جرى بينه وبين الفتح بن يزيد الجرجاني، وهو في طريقه إلى خراسان، فقد قال الامام عليه السلام (ان الله تبارك وتعالى يقول: "تبارك الله أحسن الخالقين" (المؤمنون 14) فقد اخبر ان في عباده خالقين منهم عيسى ابن مريم خلق من الطين كهيئة الطير باذن الله فصار طائرا باذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار). واعترض الفتح على الامام قائلا: (إن عيسى خلق من الطين طيرا دليلا على نبوته، والسامري خلق عجلا جسدا انقض نبوة موسى عليه السلام، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك؟ إن هذا لهو العجب). وأجابه الامام ببالغ الحجة قائلا: (يا فتح إن الله إرادتين ومشيئتين: ارادة حتم وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وهو يشاء ذلك، ولو لم يشأ لم يأكلا، ولو أكلا لغلبت مشيئتهما مشيئة الله وأمر ابراهيم بذبح ابنه اسماعيل، وشاء أن لا يذبحه، ولو لم يشأ ان لا يذبحه لغلبت مشيئة ابراهيم مشيئة الله عزوجل). وطفق الفتح يقول للامام: (جعلت فداك بقيت مسألة؟). (هاتها). (قلت: يعلم القديم، الشئ، الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟). فقال عليه السلام: (اما سمعت الله يقول: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" (الانبياء 22) وقوله: "ولعلا بعضهم على بعض" (المؤمنون 91) وقال: يحكي قول أهل النار: "أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل" (فاطر 37) وقال: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" (الانعام 28) فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون). وبهر الفتح بعلم الامام عليه السلام واحاطته بهذه المسائل الكلامية المعقدة، وقد حاول أن يقبل يد الامام ورجله، فلم يمكنه من ذلك فقبل رأسه الشريف، وخرج وهو جذلان مسرور لان الامام أزال عنه ما يختلج في نفسه من الشكوك والاوهام.
يقول الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه: تشرف بمقابلة الامام عليه السلام محمد بن عيسى بن عبيد فسأله الامام: (ما تقول: إذا قيل لك اخبرني عن الله عزوجل شئ هو أم لا؟). فأجابه محمد جواب العالم الخبير قائلا: (قد اثبت الله عزوجل نفسه شيئا حيث يقول: "قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم" (الانعام 19) فأقول: انه شئ لا كالاشياء إذ في نفي الشيئية عنه ابطاله ونفيه). واستحسن الامام جوابه فقال له: (صدقت واصبت). واضاف الامام قائلا: (للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي وتشبيه، واثبات بغير تشبيه فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز، لان الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ، والسبيل هي الطريقة الثالثة اثبات بلا تشبيه).
وعن تفنيده لآراء القدرية يقول الشيخ القرشي قدس سره في كتابه حياة الإمام الرضا: وفند الامام الرضا عليه السلام آراء القدرية، وابطل شبههم في حديث له مع يونس بن عبد الرحمن قال عليه السلام: (يا يونس لا تقل: بقول القدرية، فان القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار ولا بقول إبليس فان أهل الجنة قالوا: "الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" (الاعراف 43) وقال أهل النار: "ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين" (المؤمنون 106)، وقال ابليس: "رب بما اغويتني" (الحجر 39) الآية. وانكر يونس ان يقول بمقالتهم قائلا: (والله ما أقول بقولهم: ولكني اقول: لا يكون إلا بما شاء الله وأراد وقدر وقضى). ورد عليه السلام قائلا: (يا يونس ليس هكذا، لا يكون إلا ما شاء الله، وأراد، وقدر وقضى، يا يونس تعلم ما المشيئة؟). قال يونس: لا. وأوضح الامام له حقيقة المشيئة قائلا: (هي الذكر الاول، تعلم ما الارادة؟). قال يونس: لا. وبين الامام له واقع الارادة قائلا: (هي العزيمة على ما يشاء، تعلم ما القدر؟). قال يونس: لا. فقال عليه السلام: (هي الهندسة، ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الابرام، واقامة العين). وانحنى يونس اكبارا واجلالا للامام، وقبل رأسه، وقال له: (فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة).
https://telegram.me/buratha