الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب حياة الإمام الرضا للشيخ باقر شريف القرشي: ويستطرد الامام الرضا عليه السلام في مجلس المأمون قائلا: واما الثامنة: فقول الله عزوجل: "واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى" (الانفال 41) فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا فصل بين الآل والامة لان الله جعلهم في حيز وجعل الناس كلهم في حيز دون ذلك، ورضي لهم ما رضي لنفسه، واصطفاهم فيه وابتدأ بنفسه، ثم ثنى برسوله، ثم بذي القربى في كل ماكان من الفئ والغنيمة، وغير ذلك مما رضيه عز وجل لنفسه، ورضيه لهم، فقال: وقوله الحق "واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى" (الانفال 42) فهذا توكيد مؤكد وأمر دائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" (فصلت 42) وأما قوله: "واليتامى والمساكين" (الانفال 41) فان اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من المغانم، ولم يكن له نصيب في المغنم، ولا يحل له أخذه، وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم، للغني والفقير، لانه لا أحد أغنى من الله، ولا من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعل لنفسه منها سهما، ولرسوله سهما، فما رضي له ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفئ ما رضيه لنفسه ولنبيه صلى الله عليه وآله وسلم رضيه لذي القربى، كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه، ثم برسوله صلى الله عليه وآله وسلم ثم بهم وقرن سهمهم بسهم الله وسهم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك في الطاعة قال عزوجل: "يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولى الامر منكم" (النساء 64) فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بأهل بيته وكذلك آية الولاية "انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" (المائدة 60) فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته، كما جعل سهمه مع سهم الرسول مقرونا بأسهمهم في هذا البيت، فلما جاءت قصة "الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله" (التوبة 60) فهل تجد في شئ من ذلك انه جعل لنفسه سهما أو لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو لذي القربى لانه لما نزههم عن الصدقة نزه نفسه، ونزه رسوله، ونزه أهل بيته لا بل حرم عليهم، لان الصدقة محرمة على محمد وأهل بيته، وهي أوساخ الناس لا تحل لهم، لانهم طهروا من كل دنس ووسخ، فلما طهرهم واصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه، وكره لهم ما كره لنفسه. وأما التاسعة: فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" (النحل 45). واعترض العلماء على الامام فقالوا له: (إنما عنى بذلك اليهود والنصارى). وأبطل الامام ما ذهبوا إليه فقال: (وهل يجوز ذلك إذا يدعونا إلى دينهم؟ ويقولون: انه أفضل من دين الاسلام؟). والتفت المأمون إلى الامام يطلب منه المزيد من الايضاح فيما قاله قائلا: (هل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا؟) و (نعم: الذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن أهله، وذلك يبين في سورة الطلاق. "فاتقوا الله يا أولي الالباب الذين آمنوا قد انزل اليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات" (الطلاق 10-11) فالذكر رسول الله ونحن أهله، فهذه التاسعة.
يستمر الامام الرضا عليه السلام في مجلس المأمون قائلا كما جاء في کتاب حياة الإمام الرضا للشيخ باقر شريف القرشي: وأما العاشرة: فقول الله عزوجل في آية التحريم: "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم واخواتكم" (النساء 22). وخاطب الامام العلماء فقال لهم: (اخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتزوجها لو كان حيا؟). فقالوا مجمعين: (لا). وسألهم الامام ثانيا فقال لهم: (اخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها؟). (بلى). (ففي هذا بيان أنا من آله، ولستم من آله، ولو كنتم من آله لحرمت عليه بناتكم، كما حرمت عليه بناتي، لانا من آله، وأنتم من أمته فهذا فرق بين الآل والامة، لان الآل منه، والامة إذا لم تكن الآل فليست منه، فهذه العاشرة. وأما الحادية عشرة: فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه اتقتلون رجلا يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم" (غافر 28) وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه، ولم يضيفه إليه بدينه، وكذلك حصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بولادتنا منه، وعممنا الناس بدينه، فهذا فرق بين الآل والامة، فهذه الحادية عشرة. وأما الثانية عشرة فقوله: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" (طه 132) فخصنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره، ثم خصنا دون الامة، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجئ إلى باب علي وفاطمة (عليهما السلام) بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات: فيقول: الصلاة يرحمكم الله، وما اكرم الله أحدا من ذراري الانبياء بهذه الكرامة التي اكرمنا بها وخصنا من جميع أهل بيته، فهذا فرق ما بين الآل والامة، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد نبيه). وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض احتجاجات الامام الرضا عليه السلام وهي تمثل جانبا من حياته العلمية، ونضاله في الدفاع عن الاسلام.
عن الحج يقول الشيخ المقدسي قدس سره كما جاء في كتابه: قال الامام الرضا عليه السلام: (و "حج البيت من استطاع إليه سبيلا" (ال عمران 97)، والسبيل زاد وراحلة، ولا يجوز الحج إلا متمتعا، ولا يجوز الافراد والقران الذي تعمله العامة. والاحرام دون الميقات لا يجوز قال الله: "واتموا الحج والعمرة لله" (البقرة 126) ولا يجوز في النسك الخصي لانه ناقص، ويجوز الموجوء). الحج احدى الدعائم الخمس التي بني عليها الاسلام، وهو عبادة روحية وسياسية يتدفق بالمنافع والمصالح الروحية والصحية والاقتصاد وهو مؤتمر سياسي يجمع المسلمين في أقدس مكان ليتعارفوا بينهم ويعرض بعضهم على بعض مشاكل بلدهم وقومهم السياسية، والاقتصادية، ويشكلوا وحدة متراصة فيما بينهم، وغير ذلك من المنافع وتشير الآية الكريمة إلى ذلك، قال تعالى: "واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات" (الحج 27) وقد اتفق المسلمون على وجوب الحج مرة واحدة في العمر.
عن بر الوالدين يقول الشيخ باقر شريف المقدسي: قال الامام الرضا عليه السلام: وبر الوالدين وإن كانا مشركين فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا لان الله يقول: "اشكر لي ولوالديك إلي المصير* وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما" (لقمان 14-15) قال أمير المؤمنين عليه السلام ما صاموا لهم ولا صلوا ولكن أمروهم بمعصية الله فاطاعوهم. ثم قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أطاع مخلوقا في غير طاعة الله عزوجل فقد كفر واتخذ الها من دون الله). من روائع التشريع الاسلامي، ومن بدائع نظمه الخلاقة إلزامه بالبر والاحسان للوالدين، وجعلهما في المرتبة الثانية بعد الخالق العظيم في الطاعة والانقياد لامرهما، وذلك جزاء لما عانوه من جهد شاق في تربية ابنائهم، خصوصا الام فلولا رعايتها وحنانها وعطفها على ولدها لما امكن أن يعيش، فهي التي تغذيه، وتسهر على تربيته، فما أعظم حقها. وتجب طاعة الوالدين في غير معصية الله أما في المعصية فلا تجب طاعتهما.
https://telegram.me/buratha