الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في معاني القرآن الكريم: طين الطين: التراب والماء المختلط، وقد يسمى بذلك وإن زال عنه قوة الماء قال تعالى: "من طين لازب" (الصافات 11)، يقال: طنت كذا، وطينته. قال تعالى: "خلقتني من نار وخلقته من طين" (ص 76)، وقوله تعالى: "فأوقد لي يا هامان على الطين" (القصص 38).
عن تفسير الميسر: قوله تعالى "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ" ﴿الأنعام 2﴾ طين اسم، خَلَقَكُمْ مِنْ طينٍ: خلق آدم من طين. هو الذي خلق أباكم آدم من طين وأنتم سلالة منه، ثم كتب مدة بقائكم في هذه الحياة الدنيا، وكتب أجلا آخر محدَّدًا لا يعلمه إلا هو جل وعلا وهو يوم القيامة، ثم أنتم بعد هذا تشكُّون في قدرة الله تعالى على البعث بعد الموت. قوله سبحانه "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" ﴿الأعراف 12﴾ قال تعالى منكرًا على إبليس تَرْكَ السجود: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك؟ فقال إبليس: أنا أفضل منه خلقًا؛ لأني مخلوق من نار، وهو مخلوق من طين. فرأى أن النار أشرف من الطين. قوله عز وجل "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ" ﴿المؤمنون 12﴾ ولقد خلقنا آدم من طين مأخوذ من جميع الأرض. قوله جل جلاله "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ" ﴿السجدة 7﴾ الله الذي أحكم خلق كل شيء، وبدأ خَلْقَ الإنسان، وهو آدم عليه السلام من طين.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جلت قدرته "أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ" ﴿آل عمران 49﴾ الخلق جمع أجزاء الشيء، وفيه نسبة الخلق إلى غيره تعالى كما يشعر به أيضا قوله تعالى: "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون 14). ظاهر قوله: "أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ" "الخ" أن هذه الآيات كانت تصدر عنه صدورا خارجيا لا أن الكلام مسوق لمجرد الاحتجاج والتحدي، ولو كان مجرد قول لقطع العذر وإتمام الحجة لكان من حق الكلام أن يقيد بقيد يفيد ذلك كقولنا: إن سألتم أو أردتم أو نحو ذلك. على أن ما يحكيه الله سبحانه من مشافهته لعيسى يوم القيامة يدل على وقوع هذه الآيات أتم الدلالة، قال: "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ" إلى أن قال: "وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي" (المائدة 110). و من هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم: أن قصارى ما تدل عليه الآية أن الله سبحانه جعل في عيسى بن مريم هذا السر، وأنه احتج على الناس بذلك، وأتم الحجة عليهم بحيث لو سألوه شيئا من ذلك لأتى به، أما أن كلها أو بعضها وقع فلا دلالة فيها على ذلك. قوله عز من قائل "وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا" ﴿المائدة 110﴾ والتأمل في سياق الآيات يوضح الوجه في عد ما ذكره من الآيات المختصة ظاهرا بالمسيح نعمة عليه وعلى والدته جميعا كما تشعر به آيات آل عمران فإن البشارة إنما تكون بنعمة، والأمر على ذلك فإن ما اختص به المسيح عليه السلام من آية وموهبة كالولادة من غير أب والتأييد بروح القدس وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله سبحانه فهي بعينها كرامة لمريم كما أنها كرامة لعيسى عليه السلام فهما معا منعمان بالنعمة الإلهية كما قال تعالى: "نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ". وإلى ذلك يشير تعالى بقوله: "وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ" (الأنبياء 91) حيث عدهما معا آية واحدة لا آيتين.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جلت قدرته "أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ" ﴿آل عمران 49﴾ وليس من شأننا البحث عن السر لهذه المعجزات وكيفية إنشاء الحياة، أو ردها إلى الأموات، ولا عن إزالة الأمراض المستعصية من غير علاج، وإذا تصدينا للبحث عن شيء من ذلك فلا ننتهي إلا إلى الشبهات والظلمات، فلم يبق لدينا إلا التسليم لحكمة اللَّه وأمره الذي صرح به السيد المسيح عليه السلام مكررا أنه قد فعله بإذن اللَّه، ليسد الباب على كل مقتول ومتوهم الربوبية لعيسى أو الشعوذة، أو غيرها.. وسبقت الإشارة عند تفسير الآية 255 من سورة البقرة إلى أن نظام الكائنات يجريه اللَّه سبحانه على السنن الطبيعية إلا إذا اقتصت حكمته أن يتدخل على عكسها بإرادته التكوينية التي هي عبارة عن كلمة (كن). وعندها فلا يبقى مجال لأية واسطة وسنة. قوله عز من قائل "وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا" ﴿المائدة 110﴾ مر تفسير نظيره في الآية 49 من سورة آل عمران. وكرر سبحانه بإذني أربع مرات للتأكيد على ان الخلق والأحياء والإبراء من اللَّه، لا من سواه، وانما أظهر سبحانه هذه الأفعال على يد عيسى عليه السلام لتكون دليلا على صدقه ونبوته.. قوله جل جلاله "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا" ﴿الإسراء 61﴾ إبليس يحتجّ بصلف ووقاحة، ويقول للعلي الأعلى: من هو هذا الذي فضلته علي؟. وبأي شيء جعلته أكرم وأكمل؟. بل العكس هو الصحيح "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" (الأعراف 12). برر الخبيث منطقه بأمر أرسله إرسال المسلَّمات، وهو أنه أفضل وأكمل، وإذا كان إبليس أفضل فكيف يسجد للمفضول أي لمن هو دونه. أليس معنى الأمر بالسجود لآدم ان المفضول مقدم عند اللَّه على الأفضل، وغير الأكمل على الأكمل؟. وقد غالط إبليس في منطقه هذا لأنه ليس أفضل من آدم، بل العكس هو الصحيح، بل لا فضل له ولا فيه على الإطلاق، وعليه فان اللَّه لم يقدم المفضول كما زعم إبليس.. وأي عقل يجيز على اللَّه أن يقرب الأبعد، ويبعد الأقرب؟. وقد خفيت هذه الحقيقة على المعتزلة والأشاعرة، حيث قالوا: يجوز تقديم المفضول على الأفضل (المواقف ج 8 ص 373). وقال الأشاعرة: ان العقل يجيز على اللَّه أن يعاقب المطيع، ويثيب العاصي لأنه لا يقبح منه شيء، ولا يجب عليه شيء ( المواقف ج 8 ص 195 ). أما الشيعة الإمامية فقالوا: ان العقل لا يجيز على اللَّه ان يعاقب المحسن، ويجيز عليه العفوعن المسئ، تماما كما يجوز لصاحب الحق أن يعفوعنه كلا أوبعضا. وقالوا أيضا: لا يجيز العقل تقديم المفضول لأنه في رتبة أدنى، والأفضل في رتبة أعلى بحسب الترتيب الطبيعي، فجعل الأعلى أدنى، والأدنى أعلى مخالف لمنطق العقل والطبيعة. قوله عز وعلا "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿القصص 38﴾ عجز فرعون عن مقابلة الحجة بالحجة، وخاف من موسى وعصاه، فحاول أن يخفي خوفه وعجزه بالتمويه على شعبه العريق في السذاجة، فأظهر الشك في وجود إله سواه، وانه سينظر ويبحث عن هذا الإله. فإن وجده طلبه للبراز. وإلا وهذا هو المظنون عند فرعون كان موسى من الكاذبين. وليؤكد هذا التمويه على أعين الرعاع الذين عبدوه قال لوزيره هامان: أوقد النار، واصنع الآجر لبناء صرح رفيع أصعد منه إلى السماء، لأبحث عن إله موسى. ولم يبن هامان الصرح كما نظن لأنه على يقين من مكر فرعون وتدليسه، وأي عاقل يحاول البناء إلى ما لا نهاية، ويتوهم انه بالخشب والآجر يبلغ السماوات العلى، ويعلم من فيها وعليها؟.
وعن كتاب الاء الرحمن في تفسير القران للشيخ محمد جواد البلاغي: قوله جلت قدرته "أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ" ﴿آل عمران 49﴾ "أَخْلُقُ" وأصور "لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ" وليس في ذلك آية فإن تصوير الطين مقدور للبشر "فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً" حقيقيا "بِإِذْنِ اللَّهِ" وخلقه له طبرا والحجة بإظهار اللّه لهذا المعجز على يد المسيح وفي التبيان ومجمع البيان في التفسير انه صنع من الطين كهيئة الخفاش ونفخ فيه فصار طائرا.
https://telegram.me/buratha