الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الحسين ريحانة النبي للشيخ كمال معاش: عن بنو أمية: أبو سفيان بن حَرْب وأشياعه من بني اُميّة الملعونون في كتاب الله ثمّ الملعونون على لسان رسول الله في عِدّة مواطن وعدّة مواضع، لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم، فحارب مجاهداً ودافع مكابداً وأقام منابذاً حتّى قهره السيف وعلا أمر الله وهم كارهون. فتقبّل بالإسلام غير منطوٍ عليه وأسرَّ الكفر غير مقلع عنه فعرفه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون وميّز له المؤلّفة قلوبهم فقبله وولده على علم منه فمّما لعنهم الله به على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله وأنزل به كتاباً قوله: "والشَّجَرةُ الملعُونَةَ في القُرآنِ ونُخوِّفُهُم فما يزيُدهُمْ إلاَّ طُغياناً كَبيراً" (الاسراء 60) ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بني اُميّة. ومنه قول الرسول صلى الله عليه وآله وقد رآه مقبلاً على حمار ومعاويةَ يقودُ به ويزيد ابنه يسوق به: (لعن الله القائد والراكب والسائق). ومنه ما يرويه الرواة من قوله: يا بني عبد مناف تلقّفوها تلقّف الكرة فما هناك جنّة ولا نار. وهذا كفر صُراح يلحقه به اللعنة من الله كما لحقت "الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ" (المائدة 78). ومنه ما يروون من وقوفه على ثنيّة أحُد بعد ذهاب بصره وقوله لقائده: ها هنا ذببنا محمّداً وأصحابه. هذا المظهر الخارجي لجوهر الصراع الذي استشرى بعد ذلك بين أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وبين ذرَّية أبي سفيان فأهل البيت يرون أنّ الخلافة مركب يقود إلى الآخرة وفق أحكام الله وبنو اُميّة يتطلّعون إليها باعتبارها مركباً يقود للجاه والسلطان وانقياد الدنيا وفق أهواء النفس ومطالبها. وبين أحكام الله وبين أهواء النفس أحدث الانقسام المربع في جسد أُمّة الإسلام والتفّ الأبناء حول الرمز الأقرب لما تهيّأت له أنفسهم "مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ" (آل عمران 152). فالفكر المسيحي الغربي لا يعي هذا التناقض الصارخ بين الحقّ المقهور وبين الباطل المنتصر. وشتان بين الشجرتين: شجرة طيِّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وشجرة خبيثة أُجتثَّت من فوق الأرض ما لها من قرار. وما أبعد ما بين الشجرتين: شجرة مباركة زيتونة والشجرة الملعونة في القرآن: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ" (الاسراء 60) بتأويل من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بلا اختلاف بين اثنين في أنّهم (بنو أميَّة) هم المراد من الشجرة الملعونة كما ورد ذلك في كتب الحديث والتاريخ. وعن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله بني اُميّة على المنابر فساءه ذلك فأوحى الله إليه: إنّما هي دنيا أعطوها. فقرّت عينه وهي قوله: "ومَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ" (الاسراء 60) يعني بلاء للناس. ومن الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله فوجم لها فما رُئي ضاحكاً بعدها فأنزل الله: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ" (الاسراء 60). فذكروا أنّه رأى نفراً من بني اُميّة ينزون على منبره.
وعن علاقة الحسين عليه السلام بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يقول الشيخ معاش في كتابه: عن أبي بُريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهماالسلام عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثمّ قال: (صدق الله "أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ" (التغابن 15) فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما). عن أبي سعيد قال: جاء الحسين يشتدّ ورسول الله صلى الله عليه وآله يصلّي فالتزم عنق رسول الله صلى الله عليه وآله فقام به وأخذ بيده فلم يزل ممسكها حتّى رجع. عن زينب بنت جحش قالت: قام النبيّ صلى الله عليه وآله يصلّي واحتضنه يعني الحسين فكان إذا ركع وسجد وضعه وإذا قام حمله فلمّا جلس جعل يدعو ويرفع يديه ويقول فلمّا قضى الصلاة قلت: يا رسول الله لقد رأيتك تصنع اليوم شيئاً ما رأيتك تصنعه؟ قال: (إنّ جبريل أتاني فأخبرني أنّ ابني يُقتل. قلت: فأرني إذاً. فأتاني بتربة حمراء). قالت عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وآله غداة وعليه مِرْط مُرَحَّلٌ من شعر أسود فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ثمّ جاء الحسين فدخل معه ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ثمّ جاء عليّ فأدخله ثمّ قال: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الأحزاب 33). فعلاقة النبي صلى الله عليه وآله بولده الحسين عليه السلام علاقة متميّزة وفريدة مليئة بالحبّ والعطف والحنان حتّى إنّ بكاءه كان يؤذيه. ومن خلال الحديث الشريف نرى أنّ النبي صلى الله عليه وآله لا يتحمّل سماع بكاء ولده الحسين عليه السلام أسفي عليك يا رسول الله لو كنت حاضراً في كربلاء كي ترى ماذا صنعت أُمّتك بولدك الحسين عليه السلام، حيث داست كلّ القيم والمبادئ وأدارت ظهرها لك يا رسول الله ولأحاديثك كأنّها وضعت أصابعها في آذانها كما صنعت الجاهليّة الأُولى، حيث وضعوا أصابعهم في آذانهم حتّى لا يسمعوا كلام الله تعالى: "وإِنِّي كلّما دَعَوْتُهُم لتغِفرَ لَهُم جَعَلوا أصابعَهُم في ءَاذَانِهم واستغْشَوا ثيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكبْرَوُا استِكْباراً" (نوح 7). إنّها تجربة جاهليّة ثانية.
ويستطر الشيخ كمال معاش عن علاقة الحسين عليه السلام بجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: هل هذا جزاء الرسول صلى الله عليه وآله الذي أنقذهم من دياجير الظلمات إلى عالم النور؟ وكما قالت فاطمة عليها السلام في خطبتها المعروفة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله: (وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقُبسة العجلان وموطئ الأقدا تشربون الطرْق وتقتاتون القد أذلّة خاسئين تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي). الخاسئ: المبعد المطرود والتخطف استلاب الشيء وأخذه بسرعة اقتبس من قوله تعالى: "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الارض تخافون أن يتخطّفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيّبات لعلّكم تشكرون" (الأنفال 26). عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لمّا أُسري بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوباً بالذهب: لا إله إلاّ الله محمّد حبيب الله علي ولي الله فاطمة أَمة الله الحسن والحسين صفوة الله على مبغضيهم لعنة الله مهما ذكر الله). قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (بي أُنذرتم ثمّ بعلي بن أبي طالب اهتديتم وقرأ: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (الرعد 7) وبالحسن أُعطيتم الإحسان وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنّ الحسين باب من أبواب الجنّة مَنْ عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة). لقد ترك الرسول صلى الله عليه وآله هذه الأمانة الإلهيّة السماويّة في أعناقنا من خلال وصاياه ولكن سرعان ما انقلبت الأُمّة على سبط النبوّة والإمامة وأرادوا الحطّ من شأن الحسين عليه السلام في واقعة الطفّ ومخالفة المشيئة الإلهيّة "وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (التوبة 32).
وعن امامة الحسين عليه السلام يقول الشيخ معاش في كتابه: وقد أشار الله تعالى في كتابه إلى عصمة الإمامة: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) فإنّه دالّ على كون الإمامة من عهد الله تعالى وعلى اعتبار عصمة الإمام حين الإمامة وقبلها، لأنّ كلّ عاصٍ ظالم لقوله تعالى: "وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (البقرة 229). عن ابن عباس قال: معناها أنّه كائن لا ينال عهده مَنْ هو في رتبة ظالم ولا ينبغي أن يوليه شيئاً من أمره. وعن مجاهد في قوله لا ينال عهدي الظالمين قال: لا أجعل إماماً ظالماً يُقتدى به. فالإمام يجب أن يكون معصوماً عن الضلال والمعصية وإلاّ كان غير مهتد بنفسه كما يدلّ عليه قوله تعالى: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ" (الأنبياء 73) فأفعال الإمام خيرات يهتدي إليها لا بهداية من غيره بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي وتسديد ربّاني ومَنْ ليس بمعصوم فلا يكون إماماً هادياً إلى الحقّ. والمراد بالظالمين مطلق مَنْ صدر عنه ظلم، من شرك أو معصية وإن كان منه في برهة من عمره، سواء في الجاهليّة أو الإسلام ثمّ تاب وصلح فلا بدّ أن لا يكون ظالماً في جميع عمره. وإبراهيم عليه السلام حينما سأل الإمامة لبعض ذرّيتّه أجابه المولى سبحانه: إنّه لا ينال عهدي الظالمين مَنْ عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً للناس ولو تاب بعد ذلك وأصلح. وفي الدرّ المنثور عن النبي صلى الله عليه وآله يقول: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). فأئمّة أهل البيت عليهم السلام هم المعنيون بهذه الآية الشريفة وقد صرَّحت الأحاديث الشريفة من النبي صلى الله عليه وآله بأنّ الأئّمّة من بعده اثنا عشر خليفة وقد جاء في صحيح مسلم عن جابر بن سَمُرَةَ يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة). ثمّ قال كلمةً لم أفْهَمْهَا فقلت لأبي: مَا قال؟ فقال: (كلّهم من قريش).
https://telegram.me/buratha