الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الحسين ريحانة النبي للشيخ كمال معاش: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداةً وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال : "انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطيراً" (الأحزاب 33). ملحمة إنسانيّة روحانية لم يشهد لها التاريخ شبيهاً رقت درجات فوق مستوى الملحمة ؛ لأنّها استمدّت عزمها من عزم عترة النبي وآل بيته الأخيار فكانت هزَّة مهَّدت لثورة روحيّة تُذكِّر المسلمين خاصّة والمؤمنين عامّة بمعنى أنّه ينتصب المؤمن كالطود الصلب في وجه المتاجرين بالدين وموقظي الفتنة لأغراض دنيويّة ليست بذات قيمة حيال استمرارية صفاء الشريعة والسنّة قرناً بعد قرن مجلّلة بالغار وهادية بالحقّ ؛ لأنّ خير الأمم أُمّة هُدِيتْ إلى الحقّ فهدت به والتزمته بالعدل كما قال الله تعالى "وممّن خَلقْنا أُمةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون" (الأعراف 181). وجاء في تقديم الكتاب قوله تعالى: فالشكر كلّ الشكر للشيخ كمال معاش على مسعاه "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة 105).
وعن شخصية الامام الحسين عليه السلام يقول الشيخ معاش في كتابه: الإمام الحسين عليه السلام شخصية مثالية متميّزة ليس لها في الوجود نظير ؛ فقد تغذّى في حجر جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله العطف والحبّ والحنان وفي ظلّ أُمّه فاطمة الزهراء عليها السلام وجد الأُمومة الرؤوفة وهي مهجة قلب الرسول صلى الله عليه وآله وترعرع مع أبيه علي عليه السلام ومنه تلقّى الرعاية والعناية والمعرفة وعاش مع إخوته وأولاده أعواماً مليئة بالحبّ المتبادل والاحترام المقدّس. وبعبارة أُخرى: إنّه تخرّج من جامعة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام حيث شملتهم العناية الإلهية بقوله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الأحزاب 33). وحديث الكساء أكبر شاهد على مكانتهم ومنزلتهم عند الله تعالى وكتب وأحاديث أهل السُنّة تُصرّح بذلك والتي منها: عن أُمّ سلمة أنَّ النبي صلى الله عليه وآله جَلَّلَ على الحسن والحسين وعليٍّ وفاطمة كساءً ثمّ قال: (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي أذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً).
وعن اللعن يقول الشيخ كمال معاش: اللعن في اللغة: هو الطرد والإبعاد من الخير ولعنهم الله: أي طردهم وأبعدهم من رحمته. واللعن في القرآن الكريم بمعنى الطرد من رحمة الله وقيل اللعن: هو العذاب وقيل: الدعاء. واللعين: هو الشيطان، لأنّه أبعد من رحمة الله. وهناك فرق بين السب واللعن لغوياً مع أنّ كثيراً من الناس خلطوا بينهما، حيث اعتبروا اللعن هو السب. وأمّا السب: بمعنى الشتم أي شتمه شتماً وجيعاً أي نال من عرضه. وحتى النظر يأتي بمعنى السب إذا كان نظر شامت. وفي القرآن الكريم يوجد أكثر من أربعين آية في اللعن وإن دلّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على مشروعية اللعن وجوازه بل ورد الاستحباب به. ومن الآيات قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً" (الأحزاب 57)، "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ" (البقرة 159)، "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" (هود 18). وأمّا الروايات في اللعن منها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ملعون ملعون مَنْ سبّ أباه ملعون ملعون مَنْ سبّ أُمّه ملعون ملعون مَنْ عمل عمل قوم لوط ملعون ملعون مَنْ أغرى بين بهيمتين ملعون ملعون مَنْ غيَّر تخوم الأرض ملعون ملعون مَنْ كمه أعمى عن الطريق). تاريخ بغداد: ج 4 ص 330 ح 2146، ميزان الاعتدال: ج 1 ص 106 ح 420. عن أبي يحيى قال: كنت يوماً مع الحسن والحسين فسبّهما مروان سبَّاً قبيحاً حتى قال: والله إنّكم أهل بيت ملعونون. فقال الحسن والحسين أو أحدهما: (والله والله والله لقد لعنك الله على لسان نبيّه وأنت في صلب الحكم). فسكت مروان. المطالب العالية: ج 4 ص 329 ح 4522.
وعن أخلاق الحسين عليه السلام الشيخ معاش في كتابه: قال أنس: كنت عند الحسين عليه السلام فدخلتْ عليه جارية فحيّته بطاقة ريحان فقال لها عليه السلام: (أنت حرّة لوجه الله). فقلتُ له: تجيئك جارية تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ قال عليه السلام: كذا أدّبنا الله قال الله: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا" (النساء 86) وكان أحسن منها عتقها. أصبح الحسين عليه السلام المثل الأعلى للفداء والتضحية ونبراساً للحقّ ومناراً للهدى تستضيء به الأُمّة الإسلاميّة من أجل بناء مجتمع إسلامي متكامل. فقد جسَّد قول جدّه الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله: (حسين منّي وأنا من حسين أحبّ الله مَنْ أحبّ حسيناً). وقول النبي صلى الله عليه وآله: (حسين منّي) بدليل آية المباهلة: "فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ" (آل عمران 61) وأمّا قوله صلى الله عليه وآله: (وأنا من حسين) يريد أنّ بقاء شريعته كان بسبب نهضة ولده الحسين عليه السلام ولولا هذه النهضة المباركة لأعاد الأُمويون المسلمين إلى الجاهليّة الأولى.
https://telegram.me/buratha