مصطفى الهادي .
في قضية شهادة النبي هناك أمور سبقت أو صاحبت أو أعقبت وفاة رسول الله (ص) لابد من ذكرها لأنها تسلط الضوء اكثر على ما جرى في تلك الأيام السوداء الكالحة.
أولها : تخلّف الصحابة عن الخروج في جيش أسامة وتركهم الجيش ونزولهم إلى المدينة وتجسسهم على أخبار النبي، يدلنا على أنهم كانوا ينتظرون موته لكي ينقلبوا على أعقابهم وينتزعوا السلطة من أصحابها الشرعيين وهذا ما خططوا له طيلة سنين الدعوة. لقد شعروا بأن النبي إنما حشد كل الصحابة في جيش أسامة وأفرغ المدينة منهم إلا من بني هاشم لكي يخلوا الجو لخليفته من بعده (علي ابن أبي طالب (ع)، فيعودوا من الحرب وقد استتب الأمر لعلي. وكذلك تشدده في إخراج ذلك الجيش ولعن من تخلف عنه، وخرج شخصيا وهو مريض يتوكأ على العباس وعلي ابن أبي طالب، لكي يودعهم ولكنهم مع الأسف لم يمتثلوا وتخلفوا ، ولولا أن لديهم مخطط مُريب لما تخلفوا وتقاعسوا وعصوا الرسول (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدودهُ يُدخلهُ نارا خالدا فيها ولهُ عذاب عظيم).(1) ومخططهم يخبرهم بأن السم الذي سقوه للنبي لا يستغرق اكثر من يوم ثم يقضي عليه ولذلك حصل هذا التباطؤ في خروجهم. وقد اتضح ذلك في لحظة وفاة الرسول ص حيث ارجعوا الجيش وهرعوا إلى سقيفة بني ساعدة يُبرمون أمرهم والرسول ص لم يتم بعد تجهيزه تركوه على سريره مسجى بلا غسل ولا كف ولا دفن وهرعوا يتنافسون ويتقاتلون ويتشاتمون من أجل السلطة. وهذا ما استبان من قولهم : (من يُنازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أهله وعشيرته).(2)
فقد كانوا يرون النبوة مجرد مُلك و سلطان يُحكم حاله حال سلاطين الدول. ومقولة عمر هي نفس مقولة أبو سفيان في فتح مكة عندما رأى كثرة جيوش النبي ودخول المسلمين فاتحين قال للعباس : (لقد أصبح ملك أبن أخيك عظيما، فقال له العباس : يا أبا سفيان إنها النبوة). (3) هذا التناغم في الكلام بين عمر بن الخطاب وأبو سفيان عمر يقول : (ملك محمد وسلطانه). وأبو سفيان يقول : (ملك ابن اخيك) يدلنا على أن امر انتزاع الخلافة والسلطة تم تدبيره في أول الدعوة.
الأمر الثاني: أن هذا البحث على صغره إلا أنه يُشير إلى أمور جدا خطيرة تُثبت كفر الصحابة وكفر بعض زوجات النبي كفر صريح واضح يُخرجهم من الإسلام ويرمي بهم في نار أعدها الله لغضبه. خصوصا فقرة نهي النبي الذي يقول فيها لعائشة وشلّتها : (ألم أنهكم أن تلدوني). لأن نهي النبي هنا تشريع لابد من إطاعته والعمل به لأن نهي النبي هو نهي الله تعالى كما يقول : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). فلم يُطيعوا النبي ولم يمتثلوا لنهيه وبهذا هلكوا. لأنهُ (من يُطع الرسول فقد أطاع الله). فلا يقل لي احدٌ صحابة رسول الله، وزوجات رسول الله (ص). كل من لم يمتثل لأمر رسول الله (ص) فهو هالك من أهل النار. ولذلك أشار القرآن إلى أن الرسول يجري عليه القتل كما يجري على بقية الناس. وكما نعلم فإن جميع أنبياء الله او أغلبهم قتلوا وماتوا شهداء. ورسولنا لا يُستثنى من هذه القاعدة .
الأمر الثالث: الرواية الغريبة لابن مسعود التي يقول فيها: (لأن أحلف بالله تسعا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا، أحب إلي من أن أحلف واحدة، وذلك بأن الله عز وجل اتخذهُ نبيا ، وجعله شهيدا).(4) استنادا إلى هذا الحديث ،متى قُتل رسول الله (ص) هل قتل في أحد المعارك ؟ كلا . قتل في مرضه ولم يُقتل بسيف ولا خنجر، بل تم قتله بالسم وضعوه لهُ في الدواء ، والذين قتلوه هم أنفسهم الذين تجمعوا في بداية الدعوة من كل قبيلة واحد لقتل النبي لولا أن عليا فداه بروحه ونام بفراشه، وفسح المجال للنبي أن يُهاجر.
الأمر الرابع : أن كل من تعلق بالنبي بنسب تم تصفيته بمختلف الطرق. وكذلك كل من جاء بعد النبي من آل بيته تم تصفيتهم جسديا إما بالسيف او السُم ، فما المانع أن يكون سيدهم النبي الكريم أيضا قُتل خصوصا وان سياق الأحداث يدفعنا لقول ذلك.
أولاد النبي دون البنات ـ تستثنى من ذلك فاطمة (ع) ــ تم تصفيتهم لأن موتهم تباعا في بيت النبي المليء بأزواجه يدفعنا للشك في موتهم. فالنبي له من الأبناء سبعة، ثلاث ذكور وأربع بنات. فتم تصفية الذكور وترك البنات، ثم وصفوه بالأبتر.(5)
فاطمة بنت محمد تم التسبب في قتلها وقتل جنينها .
الإمام علي تم قتله.
الإمام الحسن تم قتله.
الإمام الحسين وجميع أهل بيته تم تصفيتهم في كربلاء ولم يُحرك العالم الإسلامي ساكنا.
الإمام السجاد تم قتله / الإمام الباقر تم قتله / الإمام الصادق تم قتله / الإمام الكاظم ومثله الإمام الرضا والجواد والهادي والعسكري / لا بل أن جميع أبناء هذه الذرية الطاهرة تم تصفيتها قتلا وسما وصلبا وهذه قبورهم شواهد تملأ الأرض ، حتى أنك لو ذهبت إلى الهند والصين لوجدت قبرا من قبور أولاد هؤلاء المغدورين. ولولا أله الله تكفل بحفظ الإمام الثاني عشر لحصل لهُ ما حصل لأجداده .
هذه القسوة البالغة والقتل المتعمد مع الإصرار والترصد والمتابعة والملاحقة ألا يدلنا على أن هناك شيئا قد حدث لجدهم الأكبر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
ألا يدفعنا ذلك إلى أن نتساءل حتى عن سبب موت أولاد النبي كلهم (القاسم وعبد الله وإبراهيم ) وبقاء البنات فقط ، ثم وصفوه بأنه أبتر ؟ فيُنزل الله آيات بينات مدافعا فيها عن نبيه بأنه ليس أبتر وإنما شانئه هو الأبتر.
أليست كل الطرق التي اعتمدها أعداء البيت النبوي ، في تصفية الطاهرين المعصومين هي نفسها المحاولات التي جرت بكل تفاصيلها على النبي العظيم ؟
حاولوا قتله بالسيف عن طريق شن حروب شعواء عليه ، حاولوا قتله بالسم وهذه روايات أهل السنة قبل روايات الشيعة تُثبت ذلك . ثم حاولوا قتله غدرا كما في حادث العقبة . لا بل حاولوا قتله معنويا في نفوس الناس عن طريق وصفه بالكذاب والشاعر والمجنون. مجتمعٌ شهد على نزاهة نبيه قبل بعثته فوصفه بالصادق الأمين ثم يعمد إلى استخدام كل وسائل القمع الفكري والجسد بعد بعثته حري به أن يدفعنا إلى القول بأن نبينا تم تصفيته جسديا، فكما تعاونت القبائل على قتله لولا حراسة الله له بمبيت علي على فراشه فقد تعاون المنافقون من قريش واليهود إلى أن تم لهم ذلك.
ثم هنالك سؤال كبير بحجم المؤامرة . لماذا أهل السنة والجماعة يحتفلون بميلاد النبي ، ويحتفلون بيوم بعثته ، ولا يحتفلون ويحزنون بيوم وفاته وهي الفاجعة الكبرى التي حلّت على العالم الإسلامي. ألا يدفعنا ذلك إلى القول بأنهم منعوا الحزن بموته إخفاء لأمر يخشون من التحقيق فيه وانكشافه للمسلمين. فهم ذكروا كل التفاصيل المتعلقة بميلاده، وكذلك ذكروا كل التفاصيل المتعلقة ببعثته. وذكروا كل التفاصيل المتعلقة بهجرته وحروبه ومكاتباته ورسائله وكل جزئيات حياته، ولكنهم امتنعوا عن ذكر أي جزئية عن سبب موته. وإمعانا في إخفاء معالم الجريمة نرى أهل السنة والجماعة يحتفلون بعيد ميلاد النبي ، ولكنهم يتجاهلون موته ويقومون بتصوير المشهد على أنه وفاة طبيعية حالها حال موت أي إنسان عادي فلا قيمة لهذا اليوم الحزين عندهم ، ولا اعتبار لهول المصاب. ألا يدفعنا ذلك إلى التساؤل عن سبب احتفالهم بميلاد النبي وبعثته، ولكنهم يتغافلون عن مناسبة وفاته فلا ترى منهم أي اهتمام ليوم لرحيله الذي كان فاجعة مؤلمة للمسلمين بسبب انقطاع الوحي. فهم يُحاولون جاهدين صرف النظر عن هذه الفاجعة المؤلمة، لكي لا تنطلق الأسئلة من المؤمنين عن الأحداث التي سبقت يوم وفاته بيوم واحد مثل : تأخر جيش إسامة مع اهتمام النبي الشديد بإنفاذه ولعن من تخلف عنه، ومحاصرة النبي في غرفة عائشة ومنعه من كتابة ذلك الكتاب العاصم من الضلالة. ثم تصرف عمر الغريب العجيب الذي زعم فيه أن النبي (يهجر) وبعد وفاته (ص) وهي محاولة لقطع الطريق على النبي لتعيين خليفة بعده، ثم زعم عمر أن النبي لم يمت بل ذهب إلى ربه كما ذهب موسى وسوف يعود ليقطع أيدي قوم قالوا بموته. ثم رفع عمر عقيرته وقال: من قال أن محمدا قد مات علوت رأسه بسيفي هذا).(6) ثم لماذا كان ابن عباس يبكي حتى يُبلل دمعهُ الحصى فيما يُعرف برزية يوم الخميس. فماذا جرى يوم الخميس، وما هو الأمر الجلل الذي يستدر دموع ابن عباس بهذه الغزارة.
ثم هناك سؤال آخر كبير بحجم المؤامرة ،ماذا يقصد عبد الله بن مسعود في قوله : : (لأن أحلف بالله تسعا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا، أحب إلي من أن أحلف واحدة، وذلك بأن الله عز وجل اتخذهُ نبيا ، وجعله شهيدا).(7) فمتى قُتل رسول الله (ص) هل قتل في أحد المعارك ؟ كلا . قتل في مرضه ولم يُقتل بسيف ولا خنجر ، بل تم قتله بالسم وضعوه لهُ في الدواء، ودليل ذلك أن النبي أصر على عدم سقيّه الدواء لو أغمي عليه وهو الحديث المشهور بـ (لا تلدوني).
أن الرسول صلى الله عليه وآله، قد غُدر بالسم مباشرة أودى بحياته ولم يمهله سوى يومين، ودليل ذلك قول الإمام المعصوم (ما منا إلا مسموم او مقتول).(8) والآية القرآنية التي كانت مطلع الحديث (أفإن مات او قتل) تدل ان هناك جريمة؟ وفي الآية اقتران الموت بالقتل، وهناك باحثون في اللغة العربية، قالوا ان كلمة (أو) وردت هنا بمعنى (بل) أي لتأكيد موت علته القتل.
أنَّ رَسُولَ اللهِ "صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ سَيُقْتل، وسَيعْقب ذلكَ انقلابُ الصحابة على أعقابهم، أيّ ارتدادهم عن الدَّين، فقوله تعالى: (أفإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ) فيه تصريحٌ بالقَتْل لأنَّ (أو) للجزم بالَّلفظ الثَّاني ومعناهُ: (أَفَإِنْ مَاتَ بَلْ قُتِلَ).ثم أعقب ذلك مباشرة قوله تعالى : (انقلبتم على أعقابكم).
ونظير ذلك قوله ِتعالى: (وأَرسلنَاهُ إلى مائَةِ أَلْفٍ أو يزيدُون). فهلْ يُعقَلُ أنَّ اللهَ لا يعلم إن كانَ عددهم فِعْلاً مئة أم يزيدون..؟ فالمعنى واضح بأنَّ كلمة (أو) هُنا للجزم والقَطْع بِزيادتهم عن المِئة
بمعنى: أنَّهُ أرسلهُ إلى مِئَةِ ألفٍ بل يزيدون.
أنهم لا يحزنون لوفاة نبيهم لا بل أن الحزن عليه في نظرهم بدعة وشرك. ولكنهم يحزنون لمقتل عمر بن الخطاب ويتهمون الشيعة بقتله، وأقاموا الدنيا لمقتل عثمان بن عفان واتهموا الشيعة بقتله وأشعلوها حربا ضروس ضد الإسلام والمسلمين وخليفة المسلمين وتسببوا في حروب ثلاث أدت إلى قتل مئات الألوف من المسلمين مطالبين الإمام علي بقتلة عثمان، وهم من قتل عثمان وعلى رأسهم عائشة وطلحة والمغيرة ومروان، ومن بين قتلة عثمان ممن بايع بيعة الرضوان. فكان قميص عثمان بن عفان اكرم عندهم من رسول الله (ص).فكان يبكي تحته ثمانون ألف شيخ من شيوخ الشام يطلبون من معاوية الأخذ بثأر عثمان، ولكن رسول الله لا بواكي له، وإلى هذا اليوم عندما يتكلمون عن عمر فإنه في نظرهم مات شهيدا. وعندما يذكرون عثمان يقولون مات شهيدا مظلوما. أمّا ماذا عن رسول الله فلا حزن ولا مناسبة لوفاته ولا طلب بثأر، لا بل منعوا التحقيق والسؤال عن يوم موته وما جرى فيه. أنها رزية يوم الخميس وما أدراك ما رزية الخميس. التي أسست لكل هذا البلاء على طول تاريخ الإسلام.
ولو أردنا ان نتتبع المجرمين ونعرف من هم فما علينا سوى مراجعة أحاديث رسول الله التي وضعت الخطوط العريضة لكشف ملابسات ما يجري بعد رحيله.
الحقيقة عند حذيفة بن اليمان.
لا شك ان المطلع على الأحداث التي جرت من رزية الخميس إلى استشهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم السقيفة، وهي ستة أيام تقريبا لأنها استمرت إلى يوم الأربعاء حيث دُفن رسول الله (ص)، كانت الأمور تتضح شيئا فشيئا بعد ان تأخر الناس بدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الأيام ، وغياب أبي بكر وعمر ووجوه الصحابة عن الدفن. وهذا ما تعترف به عائشة عندما قالت : (ما علمنا بدفن رسول الله حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل من ليلة الأربعاء).(9) لقد كانت مشغولة بمراقبة ما يجري في السقيفة ودعم موقف والدها الذي سرعان ما تمخض عن تولي أبي بكر الخلافة بالانقلاب الذي جرى بالسقيفة ولذلك بدأت تتضح لحذيفة بن اليمان الأحداث التي اخبره بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان قال ، قلت : (يا رسول الله، إنّا كُنّا بشَرٍّ، فَجاءَ اللهُ بخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهلْ مِن وراءِ هذا الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: هلْ وراءَ ذلكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: فَهلْ وراءَ ذلكَ الخَيْرِ شَرٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلتُ: كيفَ؟ قالَ: يَكونُ بَعْدِي أئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بهُدايَ، ولا يَسْتَنُّونَ بسُنَّتِي، وسَيَقُومُ فيهم رِجالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّياطِينِ في جُثْمانِ إنْسٍ : قُلتُ: كيفَ أصْنَعُ يا رَسولَ اللهِ، إنْ أدْرَكْتُ ذلكَ؟).(10)
فبماذا يخبرنا هذا الحديث؟
عاش حذيفة في خلافة أبي وعمر وتوفي بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة وهذا يدل وبوضوح أن الأئمة المقصودين هم من أدركهم في حياته لا غيرهم، حذيفة يخبرنا في حديث آخر يقول فيه : (إنما كان النفاق على عهد النبي (ص) فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان).(11)
هؤلاء هم قتلة النبي.
تبريراتهم للتستر على الجريمة.
من أجل إضاعة خيط الجريمة زعموا أن يهودية سقته السم انتقاما لمقتل أخيها مرحب في خيبر، وقالوا أن ذلك كان في السنة السابعة للهجرة ، ولكنهم نسوا أن النبي (ص) مات سنة (11) للهجرة وهذا يُنافي العقل حيث أن السموم تفعل فعلها فورا او بعد مرور أيام، ولا تبقى تعمل لأربع او خمس سنوات فأخف السموم هو سمّ الثاليوم الذي يقتل من يتناوله بعد شهرين إلى ثلاث، فما فائدة سمّ يُبقيه لخمس سنوات حيا يؤدي رسالة ربه ويُمارس نشاطه بين أصحابه ولم يطرأ عليه أي تغيير في صحته، فيقوم بواجباته الزوجية على أكمل وجه فلم يردنا ان أحد زوجاته نقلت عنه أنه اشتكى من علّة ما. يضاف إلى ذلك أن رواية سم اليهودية للنبي في خيبر لا يقبلها العقل ولا تصلح إلا لقصص الأطفال . فهل يُعقل أن يأكل النبي طعام قوم جاء لمحاربتهم ومحاصرتهم وهدم حصونهم وقتل رجالهم ثم تأتيهم امرأة يهودية بشاة مطبوخة فيأكل منها هو وأصحابه فيموت من يموت ويبقى النبي يُعاني خمس سنوات من أثر السم. هل يُعقل ذلك. لا أعتقد ان إنسانا عادي يقبل ان يأكل الطعام من يد عدوّه فما بالك بنبي هو خاتم الأنبياء والوحي صاعد نازل عليه فلا يعلم بالسم إلا بعد أن أخبرته الشاة المسمومة بأن لا يأكل منها لأنها مسمومة. ولو أن اليهودية جاءت بالطعام قبل المعركة لقلنا أن النبي يأكل منهم تآلفا وطمعا في الصلح معهم والنزول على شروطه. ولكن أن تأتيه بالطعام بعد اشتعال الحرب واحتدام المعارك ثم بروز أخوها (مرحب) إلى ساحة الحرب ويقتله علي ابن أبي طالب (ع) ثم تتقدم هذه اليهودية بمكرمة للنبي وأصحابه بأن تعد لهم مأدبة طعام ،هكذا وبكل سهولة يتم تصوير النبي وجيشه كله بهذه السذاجة والسطحية، وكأن لسان حال واضع هذه الأكذوبة يريد أن يُصوّر لنا حروب النبي بسبب الجوع الذي يدفعهم لتناول الطعام حتى من أيدي أعدائهم اليهود المشهورين بصناعة السموم والغدر. وكأن النبي لم تنزل عليه آيات بينّات تحذره من اليهود ونكثهم للعهود وغدرهم ومكرهم.
نعم النبي مات بسم اليهود ولكن على أيدي اقرب الناس إليه. ولو تفحصنا وجوه المجرمين الأربعة (ابو بكر / عمر / عائشة / حفصة) لوجدنا اجرأ الناس على ذلك هو عمر تلميذ اليهود وحليفهم وهو القادر على ان يحصل على السم منهم ليدسه إلى عائشة وحفصة ابنته.
الشيعة يذكرون أيضا قصة تسميم النبي في خيبر ويعتبرونها واحدة من المحاولات الكثيرة الفاشلة لقتل النبي من قبل اليهود، ويقولون أن الذين أكلوا مع النبي ماتوا كلهم فورا. وبعض رواياتنا وكذلك روايات اهل السنة تقول بأن (الشاة) أخبرت النبي بأنها مسمومة فرفع النبي يده ولم يأكل. (12) وفي السيرة النبوية لابن هشام فيقول بأن اللحم أخبره بأنه مسموم.(13) ولكن ذِكرها في كتب الشيعة لا على أساس صحتها ، ولكن ذكروها ضمن المحاولات الكثيرة الفاشلة.
رواية البخاري الذي هو أصح كتبهم تقول : أن النبي سأل اليهود يوم خيبر وهو يقاتلهم : (هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا : نعم. فقال : هل جعلتم في هذه الشاة سما؟ فقالوا : نعم . فقال : ما حملكم على ذلك؟ قالوا : أردنا إن كنت نبيا كاذبا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك).(14) كيف لا يعلمون أنه نبي وهم يرون أبناء عمومتهم (النصارى) يمتنعون عن مباهلته ويدفعون له الجزية وهذا مما لا يفعلونه إلا للأنبياء. والقرآن يخبرنا بأن اليهود يعرفون محمدا (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون).(15) لا بل أن اكثر اليهود والنصارى كانوا عندما يسمعون النبي يتلو القرآن يبكون : (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع).(16)
وفي حديث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها وهي تصف ما دار بين أبيها حيي بن أخطب أحد كبار وزعماء اليهود وعمّها، وعلمهما المسبق بصدق ونبوة النبي (ص) قالت : (سمعت عمّي أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب : أهو هو؟ أي أن محمدا هو النبي المنتظر. قال نعم والله، قال أتعرفهُ وتُثبتهُ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه؟ قال : عداوته والله ما بقيت).(17)
ويدلنا على صدق حديث صفية قوله تعالى عنهم : (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر).(18) وأخيرا وليس آخرا ، كيف لا يعرف اليهود النبي وأن الله تعالى يقول : (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل).(19) وبعد بيان كل ذلك هل يُعقل أن يقول اليهود للنبي (أردنا إن كنت نبيا كاذبا نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك).
لقد تعرض النبي إلى محاولات اغتيال كثيرة قدّرها المؤرخون اكثر من عشرين محاولة ساهم فيها المشركون واليهود وبعض المنافقين من المسلمين، ولما عجزوا عن ذلك أوعزوا إلى عملائهم في الداخل أن يؤدوا المهمة. ودليل ذلك أن أهل السنة يُثبتون عملية تسمم النبي كما ذكرنا آنفا ولكن رواياتهم تزعم أن اليهود سمموه ومات بعد خمس سنوات من أثر السم؟! بينما الشيعة يقومون بتشخيص القتلة فيذكرون وبكل وضوح أن من قام بتسميم النبي هم الرعيل الأول من الدائرة الضيقة المحيطة بالنبي وهم : أبو بكر وعمر وابنتيهما عائشة وحفصة وأبو عبيدة وبنو أمية، بالتعاون مع اليهود والمنافقين ممن اظهر إسلاما وابطن كفرا. وقد ذكرنا رواية عبد الله بن مسعود في قسمه بأن النبي مات مقتولا شهيدا. وإذا أضفنا إليها رواية الإمام الصادق (ع) التي يقول فيها : (تدرون مات النبي أو قتل إن الله يقول: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم . فسُمّ قبل الموت إنهما سقتاه، فقلنا: إنهما وأبوهما شر من خلق الله).(20)
عائشة وحفصة نشأتا في بيوت لم تكن تحب النبي ولا يؤمن هذا البيت بنبوته، وكان دورهما التجسس على بيت النبي فينقلان الأخبار إلى أبويهما ثم إلى المتآمرين، وذلك ما نعرفه من حوادث كثيرة ظهرت من زوجتيه حفصة وعائشة. وعلى سبيل المثال أن عائشة قالت للنبي : (ألست تزعم أنك رسول الله؟ فقال النبي : أو في شك أنت؟ فقالت : ألست تزعم أنك رسول الله أفهلا عدلت؟ فسمعني أبو بكر فأقبل عليّ فلطم وجهي).(21) والأمر الآخر هو عندما اخبرهما النبي سرا لم تكتماه و أفشتا حديث النبي واذعنً سرّه ولما أنبأهما النبي بفعلهما وانهما لم تحفظا السر قالت عائشة من أنبأك بهذا ؟ وكأن عائشة لم تكن تؤمن أو تعلم بأن محمدا نبيا ينزل عليه الوحي وأن الله يخبره بما يجري. فقال تعالى عن ذلك : (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير).(22) فما الذي أعرض عنهُ النبي ولم يُظهره؟
وعائشة تعلم أنها ليست مؤمنة بالله ورسوله وكذلك أبوها يعلم كما في الرواية التالية : (أن النبي (ص) دخل على عائشة مع أبي بكر، فقال لها رسول الله (ص) : يا عائشة أطعمينا، فقالت : والله ما عندنا طعام، فكرر عليها رسول الله القول ثلاث مرات. فقال أبو بكر: يا رسول الله أن المرأة المؤمنة لا تحلف على الشيء إنه ليس عندها وهو عندها، فقال رسول الله (ص): وما يُدريك أمؤمنة هي أم لا ؟ إن مثل المرأة المؤمنة في النساء كمثل الغراب الأعصم في الغربان، وأن النار خُلقت من السفهاء، وإن النساء من السفهاء).(23)
أما قوله (ص) النساء من السفهاء فهو لا يقصد الشتم او الذم بل يقصد الضعف في الرأي وقد كانت العرب كلها تقول أن في النساء سفاهة أو سفيهات. وفي تفسير قوله تعالى : (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم). قال سفيان عن مجاهد : هم النساء.(24) وقد أطلق تعالى وصف السفه على طائفة تعبيرا عن ضعفهم وقلة حيلتهم في تدبير شئون أنفسهم، مثل قوله تعالى: (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا).(25) كما أنهُ تعالى اطلق الوصف على ضعيف الفكر، وقليل العقل، ذما لهُ، لا لطبيعة خلقته، بل لإتباعه هواه وتعطيله نعمة العقل، وذلك في قوله تعالى : (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم). (26) فكلمة السفهاء ليست شتيمة بقدر ما هي تعبير عن حال.
أن أهل السنة يفرحون بيوم بعثة النبي، ويوم ميلاده لأنها البداية التي أوصلتهم إلى كراسي الحكم ولكنهم لا يحزنون لوفاة نبيهم ويُبررون ذلك بأقوال شتى وأحاديث موضوعة ولعل آخر فتاواهم هو ما ورد في معرض سؤال من أحد اتباعهم يسأل عن حلّية تقديم التعازي بمناسبة وفاة الرسول فكان الجواب : (لا يجوز فعل هذه التعازي في ذكرى وفاة الرسول (ص). بل إن هذا من البدع التي نهى الشارع عنها بقوله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).ولم يثبت ذلك من فعل الصحابة ولا التابعين وهم خير القرون. والله أعلم).(27)
المصادر:
1- سورة النساء آية : 14.
2- القائل هو عمر بن الخطاب انظر تاريخ الطبري ج3 ص: 220.
3- ج4 ص : 290. البداية والنهاية، ابن كثير.
4- مسند الإمام أحمد مسند الكثرين عن عبد الله بن مسعود حديث رقم : 3617.و مسند أحمد ج1 ص408 . قالوا عن الحديث : إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين. والمعجم الكبير للطبراني ج10 ص109 ومصنف الصنعاني ج5 ص268 وغيرهم كثير.
5- أولاده : القاسم وُلد في مكة ومات فيها وهو صغير، أيام اشتداد الحرب على النبي من قبل قريش. الثاني : عبد الله. ولد ومات في مكة. الثالث: إبراهيم. ولد من مارية القبطية في المدينة ومات فيها وله من العمر سنة وأربعة أشهر. وقد حزن لموته النبي كثيرا.
6- الرواية عن عائشة في صحيح البخاري رقم الحديث : 3667. وفي سيرة زيني دحلان قال عمر ( من قال أن محمداً قد مات ضربته بسيفي ) (4) وهكذا تجد الكثير من كتب التاريخ والسيرة نقلت هذا النص أو ما يشابهه كتاريخ الذهبي 1/ 317 ، والبداية والنهاية لابن كثير 5/ 242 ، وتاريخ أبي الفداء 1/ 164 ، وأنساب الأشراف 1/ 565 ، وتاريخ الخميس 2/ 185 ، ومسند أحمد 6/ 219 ، ونهاية الأرب 18/ 385.
7- مسند الإمام أحمد مسند الكثرين عن عبد الله بن مسعود حديث رقم : 3617. قالوا عن الحديث : إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين.
8- البحار ج27 ص217 وكفاية الأثر ص162 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص164 ط سنة 1409 هـ مؤسسة البعثة ـ إيران .
9- مسند الإمام أحمد مسند عائشة، رقم الحديث: 26349.
10- صحيح مسلم حديث رقم : 1847. في الحديث زيادة يعرف العاقل أنها لا تصدر عن رسول الله (ص) وهي قوله لحذيفة عندما سأله : ماذا اصنع إن ادركت ذلك. قال له رسول الله (ص) : (تسمع وتُطع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع). وحاشا أن يصدر ذلك منهُ (ص) أن يأمرهم بطاعة ظالمين قلوبهم قلوب الشياطين لا يهتدون بهداه ولا يستنون بسنته.
11- صحيح البخاري حديث رقم : 7114.حذيفة بن اليمان كان صاحب سرّ رسول الله (ص) ولد في مكة وعاش في المدينة. وهو الذي قال له رسول الله (ص) : يا حذيفة أنت من المهاجرين والأنصار. وهو الذي اسرّ له الرسول بأسماء كافة المنافقين. وقد كان حذيفة من نجباء رفقاء وزراء النبي الأحد عشر. مسند الإمام أحمد حديث رقم : 1219.
12- صحيح البخاري رقم الحديث : 3169.
13- السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص337 تراث الإسلام، وتاريخ الخميس ج2 ص52.
14- عمدة القاري ، شرح صحيح البخاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة 91.
15- سورة البقرة آية : 146.
16- سورة البقرة آية : 82.
17- سيرة ابن هشام (1: 517)، وعيون الأثر؛ لابن سيد الناس (1: 277)، والروض الأنف؛ للسهيلي (2: 376).
18- سورة آل عمران آية : 118.
19- سورة الأعراف آية : 157.
20- تفسير العياشي تفسير سورة النساء آية : 44. و بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٢ - الصفحة ٥١٦.
21- مسند أبي يعلي ج8 ص : 129. المطالب العالية ج8 ص : 188. السيرة الحلبية ج3 ص : 313.إحياء علوم الدين الغزالي، ج2 ص : 418.
22- سورة التحريم آية : 3.
23- مسند الشاميين للطبراني ج4 ص91، ومسند عبد بن حميد ج4 ص155، والمطالب العالية لابن حجر العسقلاني ج5 ص106. والبوصيري ، إتحاف الخيرة المهرة ص : 8 رقم الحديث : 221. قالوا عن حديث الطبراني: صحيح.
24- تفسير القرطبي ج5 ص : 28.
25- سورة البقرة آية : 282.
26- سورة البقرة آية : 142.
27- سؤال في موقع إسلام ويب حول التعازي في ذكرى وفاة الرسول، رقم الفتوى : 106620. الأحد 30 ربيع الأول 1429 هـ - 6-4-2008 م.
https://telegram.me/buratha