الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في معاني القرآن الكريم: كرم الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر، نحو قوله: "إن ربي غني كريم" (النمل 40)، وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه، ولا يقال: هو كريم حتى يظهر ذلك منه. قال بعض العلماء: الكرم كالحرية إلا أن الحرية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة، والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة، كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل الله، وتحمل حمالة ترقئ دماء قوم، وقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات 13) فإنما كان كذلك لأن الكرم الأفعال المحمودة، وأكرمها وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التقي، فإذا أكرم الناس أتقاهم، وكل شيء شرف في بابه فإنه يوصف بالكرم. قال تعالى: "فأنبتنا فيها من كل زوج كريم" (لقمان 10)، "وزروع ومقام كريم" (الدرخان/26)، "إنه لقرآن كريم" (الواقعة 77)، "وقل لهما قولا كريما" (الإسراء 23). والإكرام والتكريم: أن يوصل إلى الإنسان إكرام، أي: نفع لا يلحقه فيه غضاضة، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما، أي: شريفا، قال: "هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين" (الذاريات 24). وقوله: "بل عباد مكرمون" (الأنبياء 26) أي: جعلهم كراما، قال: "كراما كاتبين" (الانفطار 11)، وقال: "بأيدي سفرة * كرام بررة" (عبس 15-16)، "وجعلني من المكرمين" (يس 27)، وقوله: "ذو الجلال والإكرام" (الرحمن 27) منطو على المعنيين.
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن كريم "فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" ﴿يوسف 31﴾ كريم صفة فلما سمعت امرأة العزيز بغِيْبتهن إياها واحتيالهن في ذمِّها، أرسلت إليهن تدعوهن لزيارتها، وهيَّأت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد، وما يأكلنه من الطعام، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا ليُقَطِّعن الطعام، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن، فلما رأينه أعظمنه وأجللنه، وأخَذَهن حسنه وجماله، فجرحن أيديهن وهن يُقَطِّعن الطعام من فرط الدهشة والذهول، وقلن متعجبات: معاذ الله، ما هذا من جنس البشر، لأن جماله غير معهود في البشر، ما هو إلا مَلَك كريم من الملائكة. قوله جل كرمه "فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" ﴿الحج 50﴾ قل أيها الرسول: يا أيها الناس ما أنا إلا منذر لكم مبلِّغ عن الله رسالته. فالذين آمنوا بالله ورسوله، واستقر ذلك في قلوبهم، وعملوا الأعمال الصالحة، لهم عند الله عفو عن ذنوبهم ومغفرة يستر بها ما صدر عنهم من معصية، ورزق حسن لا ينقطع وهو الجنة. والذين اجتهدوا في الكيد لإبطال آيات القرآن بالتكذيب مشاقين مغالبين، أولئك هم أهل النار الموقدة، يدخلونها ويبقون فيها أبدًا.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل اسمه "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" ﴿الإسراء 23﴾ "ولا تنهرهما" أي: لا تزجرهما بإغلاظ وصياح وقيل معناه لا تمتنع من شيء أراده منك كما قال وأما السائل فلا تنهر "وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" أي: وخاطبهما بقول رقيق لطيف حسن جميل بعيد عن اللغووالقبيح يكون فيه كرامة لهما ويدل على كرامة المقول له على القائل وقيل: معناه قل لهما قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ عن سعيد بن المسيب. قوله تبارك وتعالى "وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ" ﴿الدخان 26﴾ "وزروع" كثيرة "ومقام كريم" أي مجالس شريفة ومنازل خطيرة وقيل هي المناظر الحسنة ومجالس الملوك عن مجاهد وقيل منابر الخطباء عن ابن عباس وقيل المقام الكريم الذي يعطي اللذة كما يعطي الرجل الكريم الصلة عن علي بن عيسى.
جاء في موقع براثا عن مكانة الكريم عند الله صورة الإمام الحسن المجتبی المتفردة للدكتورة أمل الأسدي: وخير من مثّل ذلك وقام به، وجسّده عمليا حتی اقترن اسمه بالكرم هو الإمام الحسن المجتبی، فقد لُقّب بـ (كريم أهل البيت) فقد ورد أنه عليه السلام خرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرات حتى أنه كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفا ويمسك خفا، وورد عنه أيضا أنه حج خمسا وعشرين حجة ماشيا، وإن النجائب لتقاد معه، وقد قاسم الله مرتين حتى أن كان ليعطي النعل ويمسك النعل، ويعطى الخف ويمسك الخف فهو صورة حية، عميلة جسدت فلسفة الإنفاق الإسلامية، فضلا عن أنه غصن محمدي علوي طالبي هاشمي، ورث عن أجداده الكرم والجود والإيثار، فهو هاشم بن عبد مناف في بيته المفتوح للضيوف واجتماع الناس، وهو عبد المطلب في نبذه الزبيب والتمر بالماء وسقاية الحجيج وهو أبو طالب الذي يؤثر علی نفسه وعياله، ويذكر أن قريشاً كانت تطعم، فإذا أطعم (أبو طالب) لم يطعم يومئذٍ أحد غيره. وهو رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء الذين: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا" لهذا خلّد الله سيرته العطرة التي ورثت رحيق الكرم الهاشمي، وخلّد ذكره، لأنه مدرسة تربوية اجتماعية، تُعلّم الإيثار والكرم والشجاعة وسماحة النفس، وهو الإسلام بصورته الحضارية المشرقة، ولاعجب أن يحتفي الكبار الصغار بذكری ولادته، إذ امتد احتفاء الرسول بقدومه من لحظته، منذ الخامس عشر من شهر رمضان في العام الثالث الهجري حتی هذه اللحظة. فمازالت الفرحة تعم البيوت ومازال الأطفال يرتدون أجمل ملابسهم، ويقصدون بيوت المحلة وينادون ماجينا وقريقعان، ومازلنا واقفين بقلوبنا عند باب الرسول صلی الله عليه وآله كي نشاركه فرحته بقدوم ابنه الحسن المجتبی، حتی وكأننا نسمع صوته وهو يعق عنه بيده ويقول: (بسم الله عقيقة عن الحسن،اللهم، عظمها بعظمه، ولحمها بلحمه، ودمها بدمه وشعرها بشعره، اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله). اللهم، أوصل فرحتنا وتحيتنا إلی رسولك الكريم محمد صلی الله عليه وآله وبلغه تهنئتنا كما أرسلت جبرئيل عليه السلام حاملا التهنئة والتسمية حين ولادة الإمام الحسن.
https://telegram.me/buratha