الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن كريم "قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" ﴿النمل 40﴾ كريم صفة، قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا آتيك بهذا العرش قبل ارتداد أجفانك إذا تحرَّكَتْ للنظر في شيء. فأذن له سليمان فدعا الله، فأتى بالعرش. فلما رآه سليمان حاضرًا لديه ثابتًا عنده قال: هذا مِن فضل ربي الذي خلقني وخلق الكون كله؛ ليختبرني: أأشكر بذلك اعترافًا بنعمته تعالى عليَّ أم أكفر بترك الشكر؟ ومن شكر لله على نعمه فإنَّ نَفْعَ ذلك يرجع إليه، ومن جحد النعمة وترك الشكر فإن ربي غني عن شكره، كريم يعم بخيره في الدنيا الشاكر والكافر، ثم يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة. قوله عز شأنه "أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ" ﴿الشعراء 7﴾ زَوْجٍ كَرِيمٍ: صنف حسن كثير النفع. أكذبوا ولم ينظروا إلى الأرض التي أنبتنا فيها من كل نوع حسن نافع من النبات، لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين؟ إن في إخراج النبات من الأرض لَدلالة واضحة على كمال قدرة الله، وما كان أكثر القوم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز على كل مخلوق، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن كريم "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" ﴿النور 26﴾ "أُولئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ". أولئك إشارة إلى الطيبين والطيبات، وضمير يقولون يعود إلى الخبيثين والخبيثات، وان اللَّه سبحانه ينعم بالغفران والجنان على من طاب نفسا وفعلا. قوله عز وجل "فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" ﴿يوسف 31﴾ "وقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" في صورة البشر لهيبته وجماله الذي جر عليه أنواع البلاء والمحن.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن كريم "لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ" ﴿الواقعة 44﴾ المظلّة عادةً تحمي الإنسان من الشمس والمطر والهواء ولها منافع اُخرى، والظلّ المشار إليه في الآية الكريمة ليس له من هذه الفوائد شيء يذكر. والتعبير بـ "كريم" من مادّة (كرامة) بمعنى مفيد فائدة، ولذلك فإنّ المتعارف بين العرب إذا أرادوا أن يعرفوا شيئاً أو شخصاً بانّه غير مفيد يقولون (لا كرامة فيه). ومن الطبيعي أنّ مظلّة من الدخان الأسود الخانق لا ينتظر منها إلاّ الشرّ والضرر (لا كرامة). قوله عز وجل "فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ" ﴿يوسف 31﴾ نساء مصر وطبقاً لبعض الرّوايات التي تقول: كنّ عشراً. أو أكثر فوجئن بظهور يوسف كأنّه البدر أو الشمس الطالعة، فتحيّرن من جماله "فلمّا رأينه أكبرنه" وفقدن أنفسهنّ "وقطّعن أيديهن" مكان الفاكهة، وحين وجدن الحياء والعفّة تشرقان من عينيه وقد احمّر وجهه خجلا صحن جميعاً و "قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ".
تكملة للحلقة السابقة عن مركز الامام الحسن للدراسات التخصصية كرم الإمام الحسن عليه السلام: روي أنّه جاء أعرابي يوماً سائلاً الإمام عليه السلام، فقال عليه السلام: ( أعطُوه ما في الخَزَانة)، فَوُجِد فيها عشرون ألف دينار، فدفعها عليه السلام إلى الأعرابي، فقال الأعرابي: يا مولاي، ألا تركتني أبوحُ بحاجتي، وأنشر مِدحَتي. فأنشأ الإمام عليه السلام يقول: نَحنُ أُناسٌ نَوالُنا خضـل * يرتع فيه الرجـاء والأمــل تَجودُ قبل السؤال أنفسـنا * خوفاً على ماء وجه مَن يَسَلُ لو علم البحرُ فَضلَ نائلنا * لغاصَ مِن بعد فيضِـهِ خَجَلُ. روي في (شرح نهج البلاغة): أنّ الحسن عليه السلام أعطى شاعراً، فقال له رجل من جُلَسَائه: سبحان الله، أتُعطِي شاعراً يعصي الرحمن، ويقول البهتان؟ فقال عليه السلام: (يا عبد الله، إنَّ خير ما بذلتَ من مالك ما وقيت به عرضك، وإن من ابتِغاء الخير اتِّقاء الشر). أتاه رَجُل يَطلب حاجَة وهو يَستَحيي مِن الحاضرين أن يفصح عنها، فقال له الإمام عليه السلام: (اكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا)، فكتب الرجل حاجته ورفعها، فضاعفها له الإمام مرّتين، وأعطاه في تواضع كبير. فقال له بعض الشاهدين ما كان أعظم بركة الرقعة عليه، يا بن رسول الله فقال عليه السلام: (بركتها إلينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت: إنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة، فأمَّا مَن أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه. وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرقاً، يميل بين اليأس والرجاء ليعلم بما يرجع من حاجته أبكآبة ردّ، أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت له حاجته فيما بذل من وجهه، فإنّ ذلك أعظم ممّا ناله من معروفك ).
عن موقع شفقنا العربي لماذا لقب الإمام الحسن عليه السلام بكريم أهل البيت؟ اعتبرت صفة الكرم والسخاء من أبرز الصفات التي تميّز بها الإمام الحسن عليه السلام، فكان المال عنده غاية يسعى من خلالها إلى كسوة عريان، أو إغاثة ملهوف، أو وفاء دين غريم، أو إشباع جوع جائع، إلى غير ذلك من الأغراض السامية والأهداف الإسلامية النبيلة. ومن هنا عُرف عليه السلام بكريم أهل البيت، فقد قاسم الله أمواله ثلاث مرّات، نصف يدفعه في سبيل الله ونصف يبقيه له، بل وصل إلى أبعد من ذلك، فقد أخرج ماله كلّه مرّتين في سبيل الله ولم يُبقِ لنفسه شيئاً، فهو كجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربّنا سبحانه وتعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الحشر 9) وآية أُخرى تحكي لسان حالهم: "وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأسيرا * إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا" (الانسان 8-9). هذا هو الأصل الكريم لإمامنا الحسن عليه السلام الزكي من الشجرة الطيّبة التي تؤتي أُكلها كل حين، فمن كريم طبعه عليه السلام أنّه لا ينتظر السائل حتّى يسأله، ويرى ذل المسألة في وجهه، بل يبادر إليه قبل المسألة فيعطيه. هناك رواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري مروية في كتاب الغَيبة أنّه صلى الله عليه وآله قد سمّى كلّ إمام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ولقّبه بلقب خاص به، وما علينا إلاّ اتباع ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله. ويؤيد هذا ما نقرأه في زيارة الجامعة من أنّ أسمائهم وألقابهم قد اختارها الله تعالى، حيث ورد فيها: (فما أحلى أسماءكم). وقد توفّرت في الإمام الحسن المجتبى عليه السلام الصفات الرفيعة، والمُثل الكريمة، فقد كان مثالاً سامياً في الكرم والتواضع والحلم وكظم الغيظ. فكرمه عليه السلام وسخاؤه كان يضرب به المثل، وإنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأحلى مظاهرها، وأسمى معانيها في الإمام المجتبى عليه السلام حتّى لقّب بكريم أهل البيت. وقد أثر عنه أنّه ما قال لسائل (لا) قط، وقيل له: لأيّ شيء لا نراك ترد سائلاً؟ فأجاب عليه السلام: (إنّي لله سائل وفيه راغب، وأنا استحي أن أكون سائلاً وأرد سائلاً، وإنّ الله عوّدني عادة أن يفيض نعمه عليَّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى أن قطعت العادة أن يمنعني العادة).
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام عن كريم أهل البيت (لقب): من ألقاب الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وقد لقب به بسبب كرمه وسخائه. على الرغم من استخدام كلمة (كريم) في وصف الإمام الحسن عليه السلام في المصادر المتقدمة، إلا أنه لم يرد ذكر لقب (كريم أهل البيت) في أي كتاب تاريخي أو حديثي باستثناء المصادر المتأخرة. يشتهر الإمام الحسن بلقب (کریم أهل البيت) عليهم السلام بسبب القصص التي نقلها المؤرخون عن كرم الإمام عليه السلام. فقد قیل بأن الإمام الحسن عليه السلام أنفق الكثير على الفقراء والمحتاجين حتى أنه لم ينسب مثل هذا العطاء والكرم لأحد سواه في التاريخ. وكان الإمام المجتبى عليه السلام أكثر شخص كرماً في زمانه، وكان يضرب المثل في كرمه وسخائه، وعلى الرغم من أن جميع أهل البيت عليهم السلام كانوا أسخياء وكرماء، إلا أنه الوحيد الذي لقِّب بلقب (الكريم). ذكر ابن الجوزي (المتوفى سنة 654هـ) وهو من علماء أهل السنة الإمام الثاني للشيعة في كتاب تذكرة الخواص كواحد من كبار الأجواد والكرماء، وفي إشارة إلى فضائله قال: "الحسن بن علي قاسَمَ اللّه ماله ثلاث مرات وخرج من جميع ماله للّه تعالى مرّتين" حتى قيل بأنه دفع إلى أعرابي فقير عشرين ألف درهم. يروي باقر الشريف القرشي (المتوفى سنة 1433هـ) وهو من علماء الشيعة حديثاً عن لقب كريم أهل البيت عليهم السلام أن الإمام المجتبى عليه السلام سئل: لِم لا نراك تردّ سائلاً؟ فأجاب عليه السلام: (إنّي لله سائل، وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردَّ سائلاً، وأن الله عوّدني أن يفيض نعمه عليّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس). ووفقاً لما أورده السيد حسين بحر العلوم (المتوفى 1306هـ) محقق كتاب تلخيص الشافي، فإن موضوع كرمه عليه السلام أوسع من أن يتحدث عنه متحدث. وقد أنشد الشيخ هادي آل كاشف الغطاء (المتوفى 1361هـ) قصيدة في وصف الإمام الحسن عليه السلام أشار فيها إلى لقب كريم أهل البيت: إنَّ الإمام الحسن مُهذّباً خَيرُ الورى جـــدّاً وأمّاً وأباً * كريمُ أهلِ البيتِ أهلُ الكَرَم عليهم بعد الصلاة سلَّم. وفي إيران، سميت بعض الجمعيات الخيرية باسم كريم أهل البيت.عليهم السلام.
https://telegram.me/buratha