الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر عن بنعمة: قوله سبحانه "يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" ﴿آل عمران 171﴾ بِنِعْمَةٍ: بِ حرف جر، نِعْمَةٍ اسم. وإنهم في فرحة غامرة بما أُعطوا من نعم الله وجزيل عطائه، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين به، بل ينمِّيه ويزيده من فضله. قوله جل جلاله "فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" ﴿آل عمران 174﴾ فرجعوا من "حمراء الأسد" إلى "المدينة" بنعمة من الله بالثواب الجزيل وبفضل منه بالمنزلة العالية، وقد ازدادوا إيمانًا ويقينًا، وأذلوا أعداء الله، وفازوا بالسلامة من القتل والقتال، واتبعوا رضوان الله بطاعتهم له ولرسوله. والله ذو فضل عظيم عليهم وعلى غيرهم. قوله تعالى " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ" ﴿العنكبوت 67﴾ وَبِنِعْمَةِ: وَ حرف عطف، بِ حرف جر، نِعْمَةِ اسم. أولم يشاهد كفار "مكة" أن الله جعل "مكة" لهم حَرَمًا آمنًا يأمن فيه أهله على أنفسهم وأموالهم، والناسُ مِن حولهم خارج الحرم، يُتَخَطَّفون غير آمنين؟ أفبالشرك يؤمنون، وبنعمة الله التي خصَّهم بها يكفرون، فلا يعبدونه وحده دون سواه؟
جاء في موقع لا تهجر القرآن: الفرق بين نعمة - نعمت فى القرآن الكريم: وردت (نعمة) بالتاء المربوطة 25 مرة في القرآن الكريم. ووردت (نعمت) بالتاء المفتوحة 11 مرة في القرآن الكريم. ونلاحظ حين تدبرنا للآيات الكريمة التي وردت فيها (نعمة) بالتاء المربوطة أنها تتحدث إما عن نعم الله الظاهرة للعيان وهي النعم العامة للبشر جميعًا. أو تتحدث عن أقل شيء يطلق عليه (نعمة) مثل: "وما بكم من نعمة فمن الله" (النحل 53)، أي أن ما بكم من أقل شيء يطلق عليه (نعمة) فهو من الله وليس أي مخلوق بقادر على أن ينعم عليكم بأقل نعمة. وطبيعي أن تأتي كلمة (نعمة) في هذا المجال بالتاء المربوطة، لأنها محدودة ومربوطة. أما حينما تأتي (نعمت) بالتاء المفتوحة فإنها تدل على النعمة الخاصة التي وهبها الله للمؤمنين من عباده. كما أنها تدل على النعم المفتوحة التي لا يمكن إحصاء عددها. وجدير بالذكر أنه حينما تذكر (نعمت) في أي آية من القرآن الكريم فيكون ذلك من أجل لفت انتباه قارئ القرآن لتدبر هذه الآية وما حولها من آيات واستخلاص الحكمة والعبرة. كلمة نعمة تاتى بعدها جر ومجرور غالبا "وما بك من نعمة فمن الله" فهي محدد ة لعبد بيعنه اما نعمت فهي تضاف للفظ الجلالة وهذه تعم الخلق نعمت ربك شملت كل شيء.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: عن بنعمت: قوله سبحانه "فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ" ﴿الطور 29﴾ خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم فقال "فذكر" يا محمد أي فعظ هؤلاء المكلفين ولا تترك دعوتهم وإن أساءوا قولهم فيك "فما أنت بنعمة ربك" أي بأنعام ربك عليك بالنبوة وهذا قسم "بكاهن" وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب بطريق خدمة الجن "ولا مجنون" وهو المؤوف بما يغطي على عقله وقد علم الكفار أنه صلى الله عليه وآله وسلّم ليس بكاهن ولا مجنون لكن قالوا ذلك على جهة التكذيب عليه ليستريحوا إلى ذلك كما يستريح السفهاء إلى التكذيب على أعدائهم. قوله سبحانه "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" ﴿النحل 72﴾ "أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ" يريد بالباطل الأوثان والأصنام وما حرم عليهم وزينه الشيطان من البحائر وغيرها أي: أ فبذلك يصدقون "وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ" التي عددها " هُمْ يَكْفُرُونَ" أي: يجحدون ويريد بنعمة الله التوحيد والقرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. قوله جل جلاله "أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" ﴿لقمان 31﴾ "أ لم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله" أي أ لم تعلم أيها الإنسان أن السفن تجري في البحر بنعمة الله عليكم "ليريكم من آياته" أي بعض أدلته الدالة على وحدانيته ووجه الدلالة من ذلك أن الله تعالى يجري السفن بالرياح التي يرسلها في الوجوه التي يريدون المسير فيها ولو اجتمع جميع الخلق ليجروا الفلك في بعض الجهات المخالفة لجهة الرياح لما قدروا عليه وفي ذلك أعظم دلالة على أن المجري لها بالرياح هو القادر الذي لا يعجزه شيء فذلك بعض الأدلة الدالة عليه فلذلك قال (من آياته). "إن في ذلك" أي في تسخير الفلك وإجرائها على البحر وإجراء الريح على وفقها "لآيات" أي دلالات "لكل صبار" على مشاق التكليف "شكور" لنعم الله تعالى عليه وإنما قال ذلك ليدل على أن الصبر على بلائه والشكر لنعمائه أفضل الطاعات قال الشعبي الصبر نصف الإيمان والشكر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله وفي الحديث الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر وعلى هذا فكأنه سبحانه قال إن ذلك لآيات لكل مؤمن.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: "نعمة" (الشعراء 22) "تمنها علي" (الشعراء 22) ويجوز أن يكون في محل النصب والمعنى إنما صارت "نعمة" (الشعراء 22) "علي" (الشعراء 22) لأنك "عبدت بني إسرائيل" (الشعراء 22). قوله تعالى "ما أصابك من حسنة" (النساء 78) أي من نعمة "فمن الله" (النساء 78) تفضلا منه فان كل ما يفعله الانسان من الطاعة لا يكافي نعمة الوجود. قال تعالى: "إن هذا لهو البلاء المبين" (الصافات 106) أي الاختبار، وقيل أي النعمة من أبلاه، والبلاء على ثلاث أوجه نعمة واختبار ومكروه. و قوله "وأما بنعمة ربك فحدث" (الضحى 11) التحدث بنعمة الله شكرها، وإشاعتها، وإظهارها.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: عن بنعمت: قوله سبحانه "فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ" ﴿الطور 29﴾ وهذا التعبير يدلّ بوضوح أنّ الهدف الأصلي من ذكر جميع تلك النعم ومجازاة الفريقين هو تهيئة الأرضية الروحية لقبول حقائق جديدة! وفي الحقيقة فإنّه ينبغي على كلّ خطيب أن يستفيد من هذه الطريقة لنفوذ كلامه وتأثيره في قلوب السامعين. ثمّ يذكر القرآن الإتّهامات التي أطلقها أعداء النّبي الألدّاء المعاندون فيقول: "فما أنت بنعمة ربّك بكاهن ولا مجنون". (الكاهن) يطلق على من يخبر عن الأسرار الغيبية، وغالباً ما كان الكاهن يدّعي بأنّه له علاقة بالجنّ ويستمدّ الأخبار الغيبية منهم، وكان الكهنة في الجاهلية خاصّةً كثيرين. ومن ضمنهم الكاهنان (سطيح) و (شق)، والكهنة أفراد أذكياء، إلاّ أنّهم يستغلّون ذكاءهم فيخدعون الناس بإدّعاءاتهم الفارغة. والكهانة محرّمة في الإسلام وممنوعة ولا يعتدّ بأقوال الكهنة! لأنّ أسرار الغيب خاصّة بعلم الله ولا يطلع غيبه إلاّ من إرتضى من رسول وإمام وحسب ما تقتضيه المصلحة. وعلى كلّ حال فإنّ قريشاً ومن أجل أن تشتّت الناس وتصرّفهم عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم كانت تتّهمه ببعض التّهم، فتارةً تتّهمه بأنّه كاهن، وتارةً تتّهمه بأنّه مجنون، والعجب أنّها لم تقف على تضاد الوصفين، لأنّ الكهنة اُناس أذكياء والمجانين على خلافهم ولعلّ الجمع بين الإفترائين في الآية إشارة إلى هذا التناقض في الكلام من قبل القائلين. قوله سبحانه "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" ﴿النحل 72﴾ وبعد كل العرض القرآني لآثار وعظمة قدرة اللّه، ومع كل ما أفاض على البشرية من نعم، نرى المشركين بالرغم من مشاهدتهم لكل ما أعطاهم مولاهم الحق، يذهبون إِلى الأصنام ويتركون السبيل التي توصلهم إِلى جادة الحق "أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ". فما أعجب هذا الزيغ وأية حال باتوا عليها! عجباً لهم وتعساً لنسيانهم مسبب الأسباب، وذهابهم لما لا ينفع ولايضر ليقدسوه معبوداً.
https://telegram.me/buratha